كالسهم حينما يخرج من القوس لا يمكن استعادته أو وقفه دون أن يصيب هدفه، أحدث تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش، الصادر أمس الأربعاء، حول الانتهاكات بحق المحبوسين على خلفية قضايا سياسية في مصر، زلزالا كبيرا داخل المجتمع خاصة على الصعيدين السياسي والحقوقي.
واتهمت المنظمة في تقريرها الذي حمل عنوان "مصر: وباء التعذيب قد يشكل جريمة ضد الإنسانية"، قوات الشرطة وعناصر الأمن الوطني في مصر، بتعذيب المعتقلين السياسيين بأساليب مختلفة من بينها الاغتصاب.
وقالت المنظمة، إن"ضباط وعناصر الشرطة وقطاع الأمن الوطني في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي يعذبون المعتقلين السياسيين بشكل روتيني، وبأساليب تشمل الضرب والصعق بالكهرباء وأحيانا الاغتصاب".
وبحسب التقرير، صرح جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالمنظمة، بأن الرئيس السيسي أعطى ضباط وعناصر الشرطة والأمن الوطني الضوء الأخضر لاستخدام التعذيب كلما أرادوا، مضيفا: لم يترك الإفلات من العقاب على التعذيب المنهجي أي أمل للمواطنين في تحقيق العدالة.
وحذر التقرير من أن "التعذيب الممنهج وواسع النطاق من قبل قوات الأمن قد يرقى إلى جريمة ضد الإنسانية".
غياب العقاب
وقالت هيومن رايتس، إن التقرير المؤلف من 44 صفحة، وثق عبر مقابلات مع 19 معتقلا سابقا، وأسرة آخر، تعرضوا للتعذيب خلال الفترة من 2014 وحتى 2016، كيف تستخدم قوات الأمن التعذيب لإرغام المشتبه بهم على الاعتراف أو الإفصاح عن معلومات، أو لمعاقبتهم.
النيابة متورطة
كما ذكر التقرير أن النيابة العامة تتجاهل شكاوى المحتجزين بشأن سوء المعاملة وتهددهم في بعض الأحيان بالتعذيب، مما يخلق بيئة من الإفلات شبه التام من العقاب.
الخارجية تنفي
على الجانب الآخر ، نفت الخارجية المصرية صحة ما جاء في التقرير، معتبرة أنه يهدف إلى استهداف مصر وتشويهها بشكل متعمد.
وأكد المستشار أحمد أبوزيد، المتحدث الرسمي باسم الخارجية، أن المنظمة لديها توجهات وتعمل وفقا لأجندة سياسية تعبر عن مصالح الجهات والدول التي تمولها.
واستنكر أبو زيد، استمرار المحاولات "اليائسة" للتشويه المتعمد لثورة 30 يونيو، ووصفها بالانقلاب العسكري ضد رئيس منتخب، وتشبيه أوضاع حقوق الإنسان في مصر بفترة ما قبل ثورة يناير.
المجلس القومي يكذب
وأصدر المجلس القومي لحقوق الإنسان، اليوم الخميس، بيانا نفى فيه وجود حالات تعذيب في السجون وأماكن الاحتجاز، داعيا المنظمة الأمريكية إلى التدقيق فيما تتناوله من أخبار وتقارير في هذا الصدد.
وقال محمد فايق، رئيس المجلس، إنهم أوضحوا من قبل عدم وجود تعذيب ممنهج وأنه لم يرد للمجلس أية شكاوى بهذا الخصوص، مشيرا إلى أن المجلس يتابع على الفور ما ينشر في وسائل الإعلام، وما يصله من شكاوى حول أية انتهاكات لحقوق الإنسان لعرضها على السلطات العامة التي تفتح التحقيق بشكل عاجل.
منظمة مشبوهة
واتهم علاء عابد، رئيس لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان، المنظمة بأنها مشبوهة ودائما ما تهاجم مصر لصالح جماعة الإخوان الإرهابية بدعم مادي من قطر وتركيا، مؤكدًا أن اللوبي الصهيوني يموّلها، على حد تعبيره.
وفي بيان لعابد، أوضح أن لجنة حقوق الإنسان زارت السجون والأقسام ولم تلاحظ مثل هذه التجاوزات التي يرددونها لمحاولة الوقيعة بين الشعب والنظام.
وأشار إلى أنهم بفحص الحالات التي ترد إليهم في اللجنة حول الاختفاء القسري وجدوا أنها حالات محبوسة على ذمة قضايا أو انضمت إلى أحد التنظيمات الإرهابية أو غادرت البلد عن طريق الهجرة غير الشرعية.
طالت اتهامات علاء عابد للمنظمة مسألة العمل لصالح الإخوان، بل أنها تسعى إلى إسقاط النظام من أجل استكمال مخطط تقسيم مصر.
وتساءل رئيس لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان: أين دور هذه المنظمة مما يحدث من قتل وتعذيب وتهجير مع مسلمي ميانمار؟
تقرير ماسخ
وعلى نفس المنوال، وصف طارق الخولي، وكيل لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان، تقرير هيومن رايتس ووتش بالماسخ الذي يحمل كلمات مكررة، ويصدر عن منظمة مشبوهة.
وتساءل الخولي، في بيان: هل تستقي المنظمة معلوماتها من محمد سلطان وآية حجازي؟، في ظل أنها ليس لها عاملين أو مكتب بالقاهرة.
وقال أحمد فوزي، المحامي الحقوقي، إنه لا يمكنه الحكم على مدى اتساق الاتهامات الموجودة في التقرير مع الواقع في مصر فعلا أم لا، لأنه لا يمتلك أية معلومات عن أحوال المعتقلين ولم يكن معتقلا يوما ما ليشاهد بعينه ما يحدث.
الانتهاكات موجودة
لكن فوزي، في حديثه لـ "مصر العربية"، أكد وجود انتهاكات لحقوق الإنسان في مصر، ويبقى الخلاف الذي يجب الحديث عنه "هل تصل تلك الانتهاكات إلى مستوى جرائم الحرب".
ولفت المحامي الحقوقي، إلى أن الاتهام بممارسة انتهاكات تصل لجرائم الحرب أمر خطير جدا، ويعاقب عليها المجتمع الدولي، وبموجب القانون الدولي، يُعتبر التعذيب جريمة تخضع للولاية القضائية العالمية ويمكن مقاضاة مرتكبيه في أي بلد، وعلى الدول توقيف المشتبه في تورطهم بالتعذيب والتحقيق مع أي شخص على ترابها يشتبه في تورطه بهذا الأمر، وأن تحاكمه أو تُرحله لمواجهة العدالة.
دون المستوى
وانتقد أحمد فوزي طريقة التعامل المصري سواء من قبل وزارة الخارجية أو من قبل نواب البرلمان مع التقرير بتوجيه الاتهامات إلى منظمة هيومن رايتس ووتش بتلقي تمويلات أو تنفيذ أجندات دول معادية لمصر، في النهاية هذه منظمة مستقلة لا تتبع الحكومات، ولها أهمية كبيرة جدا على المستويات الدولية في مجال حقوق الإنسان.
وتابع: لا يمكن التعامل مع الدول الغربية بمبدأ أن من ينتقد أوضاع معينة داخل مصر فهو عميل ويهدف لتخريب الدولة، كما أن المنظمة أصدرت تقارير سابقة عن الانتهاكات خلال فترة حكم الإخوان، وكان يتم استقبالها بحفاوة كبيرة وفرد صفحات رئيسي لها في الجرائد وعلى شاشات الإعلام.
وزاد: الرد الصحيح على هذه الاتهامات التي شملها التقرير دراسته ودراسة كل حالة موجودة فيه على حدة، وتجهيز ردود تفصيلية عن كل حالة من هذه الحالات.
وأنهى حديثه قائلا: تحسين ملف حقوق لاإنسان مسئولية مصر، وطريقة الرد الحالية على التقرير تؤكد اعترافنا بوجود انتهاكات ولا تنفي ما جاء فيه.