رئيس التحرير: عادل صبري 07:48 صباحاً | الثلاثاء 08 يوليو 2025 م | 12 محرم 1447 هـ | الـقـاهـره °

أنا الرئيس.. محاولة لتثبيت النظام الأبوي

أنا الرئيس.. محاولة لتثبيت النظام الأبوي

ميديا

سامح حسين وحنان مطاوع فى مسرحية أنا الرئيس

أنا الرئيس.. محاولة لتثبيت النظام الأبوي

محمد العزونى 06 أبريل 2015 14:00

قدم الكاتب الساخر يوسف عوف نصه المسرحى "اللي ضحك على الحكومة" كإحدى المعالجات المعاصرة لمسرحية الكاتب الروسى الكبير نيكولاى جوجول فى عهد الإمبراطور نيقولا الأول تحت عنوان "المفتش العام" قدمت المسرحية الأصلية فى الربع الثانى من القرن التاسع عشر ولمرة واحدة فقط وبأمر مباشر من الإمبراطور لما تحويه من نقد لاذع للمجتمع الروسى ومدى الفساد والبيروقراطية التى تحياها الإمبراطورية فى تلك الفترة لتثور ثائرة الدوائر الحكومية ليمنع عرضها لتصيب جوجول سهام محاولته تغيير واقع مجتمعه عن طريق الفن ويصبح طريدًا وينتقل إلى روما للإقامة المؤقتة.

استخدم جوجول فى نصه تكنيك سوء الفهم لخلق الحالة الكوميدية الساخرة التي يلزمها ذلك النص شديد القسوة ليقدم تشريحا طوليا وعرضيا فى المجتمع ليسخر من أخطائه ويضحك من يشاهده ولكنه ضحك كالبكاء.
 

ويمثل العمود الفقرى لحبكة المسرحية وصول أنباء لإحدى المصالح الحكومية عن قدوم مفتش مهمته رفع تقرير للجهات الرقابية بما تحويه تلك المصلحة من مفاسد بعد ورود شكاوى عديدة من المواطنين ويتزامن استعداد العاملين بالمصلحة لاستقبال هذا المفتش مع حضور شخص آخر يظنونه الرجل المنشود ويبدأ الجميع فى التودد له بشتى الطرق حتى يتستر على فسادهم.
 

وعندما يفرغ الزائر من غايته ويجمع عددا لا بأس به من الرشاوى المختلفة يقرر الرحيل ليصل إلى المصلحة الحكومية "المفتش العام" الحقيقى فيصابون بصدمة وحسرة وخيبة أمل.
 

لم تكن معالجة الكاتب الراحل يوسف عوف المعالجة المصرية الوحيدة للنص الأصلى فقد سبقتها تقديمه إما بشكل كلاسيكى بحت كما ورد فى النص الأصلى بالأسماء والأحداث دون تغيير أو عبر تمصيره وتقديمه فى قالب يتناسب مع الحالة المجتمعية الراهنة وقت عرضه لما يحتويه النص من معين لا ينضب من المفاتيح التى تؤهله ليصبح مناسبا لكل زمان ومكان وكان أبرز تلك المعالجات فيلم حمل نفس الاسم الأصلى من بطولة إسماعيل ياسين ومحمود المليجى وأخرجه حلمى رفلة عام 1956.
 

ولما يشهده واقعنا المصرى وجد المخرج الشاب محسن رزق ضالته فى نص يوسف عوف والذى قدمه بمعالجة جديدة تحمل عنوان "أنا الرئيس" ليحتضنه المسرح الكوميدى التابع للدولة وينجح فى إقناع النجم سامح حسين والفنانة حنان مطاوع فى الوقوف على خشبة مسرح الدولة على الرغم مما يعانيه المسرح المصرى عامة ومسرح الدولة بصفة خاصة من العديد من المشاكل التى لم يواجهها أى من المسؤولين عن الثقافة المصرية بوزاراتها المتعاقبة.
 

قدم سامح حسين شخصية شاب (عصام كامل) عاطل حاصل على بكالوريوس إدارة الأعمال بتقدير امتياز منذ 5 سنوات ويسكن مع أمه فى منزل آيل للسقوط وفشل فى الحصول على فرصة عمل لائقة ليعمل سباكا صحيا وأثناء إصلاح السباكة بأحد المنازل يتوسط له صاحب المنزل ليعين فى أحد المصالح الحكومية، ويتزامن وصوله إلى المؤسسة الحكومية ورود خبر عن تعيين مدير جديد لتلك المؤسسة اسمه عاصم كامل فيظن العاملون بتلك المؤسسة أنه المدير الجديد فيرحبون به ترحيبا شديدا ويحاول الفاسدون من أبناء المؤسسة الالتفاف حوله لاحتوائه مع تقديم رشوة له على أمل أن يحصل على المزيد منها فى المستقبل.
 

إلا أن سكرتيرة المدير نور (حنان مطاوع) والتى هى أيضًا ابنة أحد الفاسدين الكبار فى المؤسسة تحاول إثناءه عن الدخول فى هذا المعترك وتقدم له مستندات الفساد المستشرى بالمؤسسة ليقع عصام فريسة صراع واجبه بأن يأخذ ما قدمه هؤلاء له من رشوة أم يعترف لهم بانتحاله شخصية المدير الجديد ليدخل السجن.
 

ولم يمنحه الوقت الفرصة، ليصل المدير الجديد فلا يتمكن من المضى قدما فى خطته ويدفع بالسكرتيرة لتقديم المستندات للمدير الجديد بعد أن وقعت هى الأخرى بين صراع نداء الواجب المتمثل فى كشف الفساد وصلة الدم المتمثلة فى والدها المهدد بالسجن حال تقديم تلك المستندات للنيابة.
 

وتنتهى المسرحية بوعد من مدير المؤسسة بتعيين عصام بها مع تقديم مشروع كتبه لتطوير العمل الإدارى فى الدولة لرئيس الجمهورية لتجلس نور على المكتب بينما يملى عليها عصام خطاب موجهًا لرئيس الجمهورية طالبا منه الالتفات لمشروعه ويمنحه الفرصة فى تطبيقه حتى تتغير شئون البلاد والعباد للأفضل.
 

بدأ العرض باستعراض شبيه بأوبريت "الحبيب المجهول" الذى قدمه الفنان أنور وجدى فى فيلم عنبر عام 1948 وضم عددا من النجوم يحاولون خطب ود ليلى مراد للزواج منها، فكانت حنان مطاوع أول أبطال العرض ظهورا بفستان أبيض فى الخلفية كيوبيد (طفل يحمل سهم الحب) ويحاول عدد من الشخصيات الزواج منها إلا أنها ترفض لأن كلا منهم لا يكمل الصورة التى فى مخيلتها فهناك من يملك المال فقط والمتشدد دينيا ومن سيمنحها الحرية المطلقة أو الناشط السياسى فى حين لم تقبل إلا بالشاب البسيط (سامح حسين) الذى لديه اعتدال فى كل الأمور.
 

ويبدأ المخرج فى الكشف عن جوانب شخصية البطل فى مشهدين طويلين وتسبب فى ذلك التزيد فى إلقاء الإفيهات المتبادلة فى محاولة لجلب الضحك عنوة بعيدا عن المضمون الحقيقى للمسرحية والتى تبدأ فعليا بعد الفصل الأول حينما يصل الشاب إلى المصلحة الحكومية ويبدأ رحلته مع الفاسدين بها.
 

لم تتوقف عمليات الإطالة المتعمدة عند هذا الحد بل استمرت طوال رحلة العرض لتصل مدته إلى الثلاث ساعات وهو زمن طويل مقارنة بالعصر الحالى الذى يصعب معه أن يظل المشاهد بين جنبات مقعده أكثر من ساعة ليشاهد مسرحا يعمل معه عقل ويخرج منه وقد ترسخت لديه قناعات جديدة خاصة أننا جميعا نشعر بهجر المتفرجين للمسرح مع غياب التسويق لعروضه القليلة، والتى نوه لها سامح حسين فى نهاية عرضه عندما طلب من المتفرجين نشر خبر العرض المسرحى عبر صفحاتهم حتى يحضر أصدقاؤهم لمشاهدة العرض.
 

وينتهى العرض بمحاولة تثبيت الوضع القائم كنوع من المسكنات الاجتماعية فعلى تريقة "العز بهدلة" يوجه بطل العرض الشاب رسالته المباشرة للجمهور بأنه سيرضى بالقليل ولن يتطلع إلى شىء خارج إمكانيات البلد التى تحتاج منا الوقوف بجوارها فى أزمتها الحالية ويرسل بخطابه إلى رئيس الجمهورية رمز النظام الأبوى عند المصريين منذ عقود حتى ينظر فى مشكلته ويجد لها الحل فهو الوحيد القادر على حسم الأمور وحلها بإشارة واحدة منه.
 

قدم سامح حسين شخصية ثرية جدا بشكل غير نمطى إلا أن محاولاته التطويل ولى ذراع الإفيهات أفقدتها الكثير من عمقها المرجو فى حين استطاعت حنان مطاوع من تقديم شخصية كاريكاتيرية للمناضلة ضد الفساد والمحبة لطبقات الشعب العاملة بينما تنتمى إلى الطبقة العليا.


أنا الرئيس.jpg" style="width: 627px; height: 390px;" />

اقرأ أيضًا:

مسرح الدولة يستقبل الأطفال الأيتام بالمجان..الجمعة

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان