موسى صبري، روائي وكاتب صحفي، قلمه لا يخشى أحدًا، كان سلاحه يكمن في "الكلمة" ليكتب ما يؤمن به، ليس هذا بحسب بل ويدافع عنه إلى النهاية، وكان هذا نهجه طوال مسيرته المهنية في قطار الصحافة التي امتدت قرابة الـ 50 عامًا.
تحل اليوم الذكرى الثالثة والعشرون علي رحيل موسي صبري، الذي ولد عام 1925 بمحافظة أسيوط، حيث حصل على شهادة التوجيهية وغادر أسيوط عام 1939 إلى القاهرة ليلتحق بكلية الحقوق وتخرج فيها عام 1943.
اختار العمل الصحفي، وتقدم للعمل بالأهرام، لكن "أنطون الجميل" اعتذر عن عدم السماح له بالعمل بسبب الظروف الاقتصادية التي مرت بها الصحف المصرية نتيجة الحرب العالمية الثانية.
ولأنه يعشق الصحافة لم ييأس بل ذهب وقابل مصطفى أمين الذي كتب عنه مقالًا بعنوان "جناية النبوغ" لأن أحدًا لا يريد أن يلحقه بأي عمل نظرًا لصغر سنه، ثم قابل فكري أباظة فكتب عنه مقالًا بعنوان "ذكاء المرء محسوب عليه"، ونُشر المقالان في مجلتي "الاثنين"، و"المصور".
ولم يكتف بذلك فذهب إلى عميد الأدب طه حسين، فأعد العميد خطابًا إلى صبري أبو علم وزير العدل وقتها وصدر قرار بالفعل بتعيين موسى صبري معاون نيابة واستدعي لحلف اليمين أمام النائب العام غير أن حلف اليمين لم يتم لأنه اعتُقل بتهمة توزيع "الكتاب الأسود" الذي وضعه مكرم عبيد، وبقي في السجن لمدة تسعة شهور.
لكن عشقه وإصراره على تكملة مساره جعله يرسل أخبار المعتقل إلى مصطفى أمين رئيس تحرير مجلة الاثنين وقتها لينشرها، ولكن الرقابة منعت مجلة الاثنين من النشر.
بعد خروجه من المعتقل عمل موسى في مجلة بلادي التي أصدرها محمود سمعان، ومن هنا حصل موسى صبري على أول جنيه في حياته مكافأة من محمود سمعان مقابل الحديث الذي أجراه مع السيدة نبوية موسى - أول سيدة تدير مدرسة في مصر - ثم ترك مجلة بلادي، بعد اغتيال أحمد ماهر في البرلمان، وقرر العودة إلى أسيوط ليبدأ حياة جديدة.
إلا أن العمل الصحفي كان قدره، ففي اليوم الذي قرر يبدأ حياة جديدة فاز بمكافأة خصصها جلال الدين الحمامصي للقارئ الذي يرسل قصة واقعية تصلح للنشر وسمح له الحمامصي أن يعمل معه كسكرتير للتحرير في مجلة الأسبوع التي أصدرها، وصدر عدد واحد منها بعد تعيين موسى صبري، وأبلغه الحمامصي أنه آخر عدد من المجلة وكانت بمثابة صدمة لموسى،عمل بعد ذلك مع محمد زكي عبد القادر في مجلة الفصول.
ثم انتقل عام 1947 للعمل مشرفًا على الصفحات الأدبية بصحيفة "الأساس" لسان الحزب السعدي، ثم انتقل بعد ذلك إلى صحيفة "الزمان" وعمل سكرتيرًا للتحرير في الوقت الذي كان جلال الدين الحمامصي رئيسًا لتحريرها، ولكن بعد أن تولت حكومة الوفد الحكم غيّر "إدجار جلاد" صاحب صحيفة الزمان موقفه من حكومة الوفد وبعد ثلاث سنوات كان موسى صبري ورفاقه خارج الزمان.
في عام 1950 بدأ مشواره مع أخبار اليوم وعمل محررًا برلمانيًا، ثم اختاره علي أمين ومصطفى أمين نائبًا لرئيس تحرير صحيفة الأخبار ثم رئيسًا لتحرير مجلة الجيل، ثم رئيسًا لتحرير صحيفة الأخبار.
انتقل موسى صبري بأمر من الرئيس جمال عبد الناصر للعمل بصحيفة الجمهورية ثم عاد مرة أخرى رئيسًا لتحرير الأخبار، غضب عبد الناصر من موسى صبري بسبب ما كتبه عن قضية المشير ومحاكمة عباس رضوان وما كتبه في آخر تحقيقه جملة "وما خفي كان أعظم"، فكانت هذه الجملة السبب في إصدار قرار بإبعاد موسى صبري عن أخبار اليوم نهائيًا، ويذهب مرة أخرى إلى الجمهورية بشرط ألا يكتب شيئًا باسمه وكان وقتها يكتب مقالين في عمود واحد بعنوان "آدم يصرخ" و"حواء تستغيث".
وافق عبد الناصر على عودة موسى صبري إلى أخبار اليوم، وكان الفضل يرجع إلى السادات الذي كان يتولى وقتها مسئولية الإشراف على أخبار اليوم، فوقع الاختيار على موسى صبري ليتولى رئاسة تحرير الأخبار.
بعد خروج مصطفى أمين من السجن وعودة علي أمين من لندن عام 1974 وتوليه رئاسة مجلس إدارة دار أخبار اليوم، قفز موسى صبري إلى منصب نائب رئيس مجلس الإدارة، ولم تمضِ سوى سنوات قليلة حتى أصبح عام 1975 رئيسًا لمجلس إدارة دار أخبار اليوم.
ظل محتفظًا بمنصبه كرئيس مجلس إدارة دار أخبار اليوم ورئيس لتحرير صحيفة الأخبار طوال فترة حكم السادات وفترة من حكم الرئيس محمد حسني مبارك، إلى أن حان موعد خروجه على المعاش في نهاية عام 1984.
كان يجمع بين موسى صبري والسادات علاقة وطيدة للحد أن أطلقت عليه الكنيسة لقب "رجل السادات"، فكان يكتب خطابات السادات، ولعل أهمهم ما ألقاه في الكنيست عام 1977، في مبادرة السادات.
وقد كان موسى صبري مرشح السادات في انتخابات نقابة الصحفيين لكنه لم ينجح بسبب تكتل الصحفيين ضده لأنه مرشح السادات.
ومن شدة مدحه في السادات، كتب ذات مرة مقالا ردا على أحد منتقديه لكونه يغرق في مدح السادات والتملق له تحت عنوان "نعم إنني أطبل وأزمر".
حصل موسى صبري على وسام الاستحقاق عام 1985، وترك للقارئ المصري والعربي مكتبه تزخر بالعديد من المؤلفات والمقالات السياسية والصحفية والاجتماعية، فكتب ما يزيد عن الألف مقال.
ومن أهم مقالاته الصحفية "سلاح البترول العربي في المعركة، لهيب المعركة، الأجيال لن تغفر ولن تنسي يا أمريكا، حرب العمر كله، افهموها يا عرب لا تحرير بدون قتال، السلاح المشلول، أفيقوا يا عرب".
بالإضافة إلى "حب وحرية، المخاطرة المحسوبة، اختصار الطريق، الأنوار مضاءه، المعجزة لن تتراجع، اللامعقول، لا عودة إلى الوراء، قرار في موعده، الحرية للشعب، الأسعار الطوابير والأسعار، القوانين والأسعار، وعن الإرهاب ما هذا الإرهاب، الحق أقوى من كل إرهاب، الديمقراطية تضرب الإرهاب، مقاومة الإرهاب".
وكتب 24 مؤلف سياسي منها "السادات الحقيقة والأسطورة، وثائق حرب أكتوبر، وثائق 15 مايو، 50 عامًا في قطار الصحافة، قصة ملك و4 وزارات، ثورة كوبا، اعترافات كيسنجر، نجوم على الأرض، شيوعيون في كل مكان جزئيين، ثورة مايو في السودان، مخبر صحفي، وراء عشر وزارات".
ومن روايته "الجبان والحب، العاشق الصغير، الحب أيضا يموت، حبيبي اسمه الحب، الصحافة الملعونة، عشاق صاحبة الجلالة".
كما تحولت بعض أعماله إلى أفلام سينمائية منها "صانع الحب، غرام صاحبة السمو، دموع صاحبة الجلالة، رحلة النسيان،، كفاني يا قلب، المخربون، وحوار الخائنة".
وفي مثل هذا اليوم عام 1992، رحل عن عالمنا عاشق الصحافة الكاتب موسى صبري.
اقرأ أيضًا: