"نبكِى فلسطينَ الحقيبةَ؟
أم فلسطين السكَنْ؟
لا.. بل فلسطين الوطنْ!
وتَجمَّعَ المُتَجمِّعون
كلُّ الدَّلائلْ
كانتْ تُشيرُ إلى خِلافٍ ما سيَنشَبُ
بينَ مَنْدُوبِى القَبائلْ
وتَكلَّمَ المُتكلِّمونْ
حوْلَ اصْطِلاحِ (الأُمَّةِ العَربيَّةِ) احتدَمَ النِّقاشُ:
فقالَ زيْدٌ: ما القُمَاشُ؟
أجابَهُ عَمْرٌو: خُيوطٌ مِن نَسيجٍ.. لُحْمةٌ وسَدًى
فقالَ: صدَقْتَ.. لكنْ كيفَ ضاعَ قُماشُ رايتِنا سُدًى!
ومَنِ الذى نَقَضَ النَّسيجَ؟
وسلَّطَ القوْمَ الدُّعاةَ مع الرُّعاةِ.. على العُراةِ
مِنَ المُحيطِ إلى الخَليجِ!
أبيات من قصيدة "فلسطين التي ستجيء" للشاعر حسن طلب، الذي احتفل المجلس الأعلى للثقافة بإصدار مجموعته الشعرية في ثلاثة أجزاء، والجزء الرابع قيد النشر، وذلك بداية من الديوان الأول "وشم على نهدى فتاة- 1972" حتى "مرحى يا أبناء الفصحى- 2004".
واجتمع نخبة من المثقفين والنقاد والكتاب المصريين والعرب، بقاعة الندوات بالمجلس، وعلى رأسهم الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة الأسبق، والشاعر حسن اللوزى وزير الثقافة اليمنى الأسبق، والدكتور أنور مغيث رئيس المركز القومي للترجمة، والدكتورة منى طلبة أستاذة النقد الأدبى بكلية الآداب جامعة عين شمس، والدكتور سعيد شوقى أستاذ النقد والأدب العربي الحديث بجامعة بنها.
كما حضرت الدكتورة نجلاء فؤاد، أستاذة الأدب المقارن بقسم اللغة الفرنسية جامعة حلوان، ومن ليبيا حضر الروائي والناقد زياد علي، ومن الجزائر الشاعرة والمترجمة الدكتورة حنين عمر، والكاتب المسرحي محمد عبد الحافظ ناصف رئيس الإدارة المركزية للشعب واللجان الثقافية.
وكان من بين الحضور، كوكبة من الشعراء من بينهم عاطف عبد العزيز وعماد غزالى، ومن الأكاديميين الدكتور فتحي أبو العينين أستاذ علم اجتماع الأدب؛ والدكتورة رشا صالح أستاذة النقد الأدبى، هذا بالإضافة إلى مجموعة من الإعلاميين ومحبي الشعر، وقد أدار الحفل الشاعر أحمد الجعفري.
قال الشاعر أحمد الجعفري، إن أجمل ما بالحفل هو المصافحة المؤجلة منذ زمن طويل بين الشاعر الكبير حسن طلب، والدكتور جابر عصفور؛ وهى المصافحة التى كان ينتظرها الكثيرون؛ وقد شبه لقاءهما الليلة بلقاء السحاب الشهير فى الفن؛ ولكنه اليوم فى ساحة الشعر والنقد الأدبى.
وتابع الحديث حول الشاعر حسن طلب، مؤكدا أنه يعد أيضًا أحد أعمدة الفلسفة، فلديه حجر فلسفة خاص به يصوغه بلغة تميزه، بحيث لو نسيت إحدى مخطوطات قصائده فى مكان ما ووجدها أحدهم، لعرف فى الحال أن هذا هو شعر حسن طلب.
أكد الدكتور جابر عصفور، فى كلمته أنه من أشد المعجبين بشعر حسن طلب، أحد رواد السبعينيات فى الشعر المصرى؛ معتبرا قصيدته "زبرجدة الخازباز" نقطة تحول فارقة، لأنها مثلت القطيعة بين جيل السبعينيات والجيل السابق عليه.
ووضع الدكتور جابر، يده على مجموعة من الخصائص المميزة لشعر حسن طلب؛ منها أولا: التمرد على النموذج الرومانسى لشعراء الخمسينيات الذين اتخذوا من القناع أداة فنية فى رؤاهم الشعرية، بداية من أدونيس وصلاح عبد الصبور وغيرهما؛ وخير مثال على هذا التمرد هو "زبرجدة الخازباز" أى ذبابة الفاكهة التى حلت محل البطل الرومانسى التقليدى فى قصيدة القناع، وثانيا هذه الخصائص تحويل اللغة بحيث لم تعد مجرد أداة للتعبير فحسب؛ بل لا بد من الإلتفات إليها فى ذاتها، كما أشار من قبل (الشكلانيون الروس) منذ مطلع القرن العشرين، وذلك هو ما يجعل حسن طلب شاعرا تراثيا حداثيا بامتياز.
وأكمل: "أهم ما يميز إبداع حسن طلب استخدامه للسمة الرمزي، وتشهد على ذلك رموزه المتعددة عبر مسيرته الشعرية، فالبنفسج رمز، والزبرجد رمز، والنيل رمز؛ مشيرا إلى أن هذا المنحى الرمزى هو أحد المظاهر الفنية التى تؤكد عبقرية حسن طلب الشعري.
ويخلص الدكتور جابر عصفور فى نهاية حديثة، إلى أن شعرية حسن طلب تقوم على نوع من العقلانية؛ يذكرنا بتراث الشعراء الميتافيزيقيين الإنجليز؛ الذين استلهمهم صلاح عبد الصبور؛ والعقلانية المقصودة هنا؛ هى نقيض الاتباعية؛ على نحو ما يبدو فى عقلانية ت. س. إليوت، وكل هذه السمات أو الخصائص تجعل من حسن طلب شاعرا ذا قيمة كبرى.
وانطلقت الدكتورة منى طلبة فى حديثها، من ضرورة النظر إلى حسن طلب باعتباره شاعرا وفيلسوفا صاحب رؤية شاملة للمجتمع، وكذلك هو صاحب مشروع شعرى وثقافى شأنه شأن أبى العلاء المعري.
وهنا توقفت الدكتورة منى طلبة عند العمل الأشهر للمعرى: "رسالة الغفران" لتعقد مقارنة دالة بينه وبين ديوان حسن طلب "غاية المراد من زاد المعاد"، فكلاهما يقدم لنا خارطة للثقافة العربية؛ يتميز فيها أصحاب النزاهة المدافعين عن القيم العليا، وهم أبطال زاد المعاد: "نجيب سرور- على قنديل- صلاح عبد الصبور- شكرى عياد- جمال حمدان- رجاء النقاش- - محمود درويش"، عن سواهم من "أهل الغرض" أو أصحاب المصالح فى الثقافة المعاصرة.
وأشارت الدكتورة منى إلى أن هذا الديوان الذى كتب بين عامى 1988-2008، يحمل نبوءة بما نعيشه اليوم من مأساة محاولة تهويد القدس بعد الاعتراف الأمريكى بها عاصمة للكيان الصهيونى؛ وهى تقصد بهذه النبوءة ما جاء فى قصيدة (فلسطين التى ستجىء) المهداة إلى روح محمود درويش.
ورصدت الدكتورة منى ظاهرة مهمة فى ديوان زاد المعاد؛ وهى محاولة تثبيت الهوية العربية عن طريق اللغة؛ وذلك من خلال استخدام اللغة العربية المعجمية دون إغفال لغة الحياة اليومية فى حياتنا المعاصرة؛ فهو شاعر تراثى ولكن من طراز فريد؛ فحركة اللغة فى شعره تتميز بأنها أفقية ورأسية فى ذات الوقت؛ فهو صاحب قدرة مميزة فى استخدام اللغة، تجعل قارئه يشعر بأننا أمام عازف ماهر يوظف الطاقات الصوتية الكامنة فى الألفاظ والأحرف: (آية جيم)؛ كما يوظف الطاقة الرمزية لإبراز التضاد بين الحجر الكريم "الزبرجد" وغيره من الأحجار الأخرى، واختتمت حديثها بأن هذا النص يعد فلسفية شعرية لها مكانتها البارزة فى مشروع الشاعر.
وتحدثت الدكتورة نجلاء فؤاد؛ عن ديوان "طهطا المهد طهطا اللحد"، مشيرة إلى أن الديوان تميز بنسيج نصى خاص، كما اعتمد الشاعر فى هذا الديوان على التصعيد الدرامى والخيال، موضحة أن قصائد هذا الديوان أشبه بلوحات فنية.
وتخلل حفل التوقيع، قراءة أبيات شعرية من قصائد الشاعر حسن طلب، بالإضافة إلى عرض فيلم قصير يلخص أبرز المحطات فى رحلة الشاعر الفيلسوف حسن طلب، وأهم المشاركات والجوائز والتكريمات التى حازها الشاعر على الصعيدين المحلى والعالمى.