بماذا تشعر عند دخولك على صفحتك على الـ "فيس بوك"؟ هل تشرع في كتابة ما يدور في ذهنك مباشرة؟ أم أنك تقرأ كل تعليقات أصدقائك على ما كتبته ليلة أمس؟ أم أنك تقرأ كل ما هو جديد؟ وهل تهتم بالدخول على صفحة زميل أو صديق بعينه لترى ماآخر ما كتب؟
هل يشعرك الفيس بوك بالاكتئاب أحيانا؟ هل يشعرك أنك أقل من كل الموجودين على صفحتك، فهذا سافر، وهذا نجح، وهذا وجد عمل جديدا، وهذا تزوج، وهذا نشر صورته مبتسمًا وسعيدًا، وذاك كتب تعليقات تمنيت لو كنت أنت كتبتها لتحظى بهذا الاهتمام الذي حصل عليه.
هل تشعر أحيانا بالغيرة والحسد عندما تجد الجميع يهتم بالعليق على كل ما يكتبه أحد معارفك، في مقابل أنه لا يهتم الكثيرون بالتعليق على ما تكتبه أنت. هل أصبحت تقيم نفسك بناء على قدر اهتمام أصدقائك بك على الفيس بوك؟
إذا كنت تشعر بكل أو ببعض هذه المشاعر عند دخولك على الفيس بوك، تأكد أنك لست وحدك، فهذا ما توصلت إليه بعض الدراسات والأبحاث، فقد حذر الأطباء من نوع جديد من الاكتئاب يصيب المراهقين بصفة عامة، يسمى "اكتئاب الفيس بوك" فنتيجة لاهتمام الشباب والمراهقين بعالم الإنترنت والفيس بوك فقد خلقوا لأنفسهم عالم جديد غير واقعي عالم عزلوا فيه أنفسهم، وبالتالي فإن "عدم اهتمام أصدقائك بك على الفيس بوك يتسبب في أذى نفسي كبير قد يفوق إهمالهم لك في الحياة الواقعية"، كما أن اهتمام المراهق بردود أفعال أصدقائه وأقرانه تجاهما ينشره من أخبار أو روابط أو صور قد يضعه تحت ضغط نفسي كبير.
وأكدت دراسة نفسية جديدة كذلك على أن أسباب حدوث الإكتئاب وعدم الرضا عن الوضع الحالي التي يشعر بها متصفح الفيس بوك يرجع السبب الرئيسي لها لمشاهدة الأشخاص لرحلات الأصدقاء وجولاتهم الترفيهية وصور سفرياتهم، لأنه ولا إراديا تقوم عقولهم بقياس تلك الأمور مع حياة الشخص الفردية ليشعر بأن الآخرين يعيشون حياة سعيدة أكثر منه وأنهم يعيشون حياتهم بفرح ومرح بينما هو يكابد الهموم في واقعه متمنيا أن تكون له حياه مثل حياتهم مليئه باللحظات الجميلة.
كما لاحظ علماء النفس الذين قاموا بالدراسة أنهم عند قراءتهم التعليقات التي يكتبها الأشخاص على صور رحلات العديد من أصدقاءهم فهي تحمل الكثير من الحسد والغيره التي يكتبها البعض والتي تعكس الحاله النفسية التي مروا بها عند كتابه التعليقات.
وبالرغم من كل الدراسات التي أثبتت علاقة الجلوس فترة طويلة على الفيس بوك بالاكتئاب إلا أن هناك دراسة أكاديمية أمريكية حديثة أجرتها جامعة ويسكونسون- ماديسون الأمريكية، كشفت خطأ الدراسات السابقة، مؤكدة أنه ما من ارتباط قوي بين استخدام مواقع التواصل الاجتماعي واحتمالية الإصابة بالاكتئاب.
ولكن ماذا تظن أنت بخصوص الفيس بوك.. هل يصيبك بالاكتئاب بالفعل؟ أم أنك تشعر بالسعادة عند التواصل مع أحد أحبائك؟
تقول رشا (20 عاما): أحيانا أشعر بالضيق وأنه لا يوجد ما أقوم به، وهنا أدخل على الفيس بوك لأتفحص أخبار صديقاتي ومعارفي، أحيانا أشعر بالسعادة عند قراءة بعض الأمور الإيجابية عن أشخاص أحبهم، ولكن في أحيان كثيرة أصاب بالحزن بسبب بعض الأخبار الأخرى وما أكثرها الأحداث والأخبار التي يتم تداولها على الفيس بوك وتسبب الحزن والاكتئاب. ولكن أكثر ما يضايقني في النهاية هو شعوري بالعجز لعدم المشاركة بشىء ذو معنى مثلما يفعل الآخرون.
أما محمد "طالب" فيقول: كلما شعرت بالضيق من المذاكرة دخلت على الفيس بوك و"شيرت" بعض الصور الهزلية عن موضوع المذاكرة، ومجرد رؤية هذه الصور تنعشني، وفي المقابل إذا لم أجد أصدقائي يعلقون عليها أتضايق وأترك الفيس بوك وأخرج، ولكنني ما ألبث أن أدخل مرة ثانية، لربما دخل أحدهم وعلق على ما نشرته من صور وما كتبته من تعليقات.
وبدروها تقول خديجة: بالنسبة للفيس بوك، فقد قررت عدم الدخول عليه بتاتا إلا للضرورة القصوى، فاليوم الذي أبدأ فيه يومي بالدخول على الفيس بوك أعرف أن اليوم قد ضاع مني ولن أستطع إنجاز شىء. وذلك لعدة أسباب أولها أن تصفح الفيس بوك يأخذ كثيرا من الوقت، فأنت تدخل بهدف وهو يجرك إلى شىء آخر، ولا تخرج منه إلا بأعجوبة كل مرة. كما أنني حقيقة أشعر بالشفقة على نفسي عندما أرى فلانة قد حققت شىء لم أستطع تحقيقه، وأرى هذه كتبت تعليق جذب الكثيرين، وغيرها من الأمور التي يجب البعد عنها حتى لا أصاب بالاكتئاب.
وأصبحت الآن أنصح صديقاتي بعدم الدخول على الفيس بوك إلا للضرورة حتى يستطيعوا إنجاز عملهم بشكل أسرع وأفضل.
وفي تعليقه على هذا الموضوع يقول د.عمرو أبو خليل الطبيب النفسي: أصبح الشباب اليوم يعيشون حياتهم على الإنترنت وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، ولكنهم لم يعودوا يعيشون الحياة كما خبرها آبائهم وجدودهم. أصبحوا يقرأون على الفيس بوك عن الخبرات والتجارب، ولكنهم أنفسهم لم يعودوا يعيشون الحياة بحلوها ومرها خارج هذا العالم الخيالي، كما أنه إذا طلبت الأم من إبنها القيام بمهمة ما يرفض لأنه يريد الإسراع والجلوس ليتحدث مع أصدقائه على الفيس بوك، وإذا طلب منه أبوه المذاكرة والإنتهاء من فروضه، يقول له سأذاكر على الإنترنت، وهو لا يفعل ذلك حقيقة. فقد أصبح مربوط برباط مقدس مع الفيس بوك، فهو يريد أن يعرف ماذا فعل زميله، وأين ذهب صديقه؟ وهل نشر جاره صور حفلة تخرجه.
يستطرد أبو خليل قائلا: إن الدخول المتواصل على الفيس بوك يكرس لدى الشباب الشعور بالوحدة والعزلة، فبدلا من الالتحام الأسري أصبح الجميع يعيش في جزر إلكترونية منفصلة داخل البيت الواحد، ونسينا التواصل الإنساني الطبيعي الذي يعد الأفضل بين البشر، بين الشاب وأبيه وبين البنت ووالدتها وبين جميع أفراد الأسرة، فنظرة العين ورؤية تفاصيل الجسد وضمة الذراع ونبرة الصوت هي نصف الكلام، فكيف بنا نكتفي بكلمات منمقة نكتبها من أجل التواصل الإنساني، لابد للجميع أن يسألوا عن بعضهم من خلال الحياة الواقعية والاهتمام الواقعي وليس من خلال كلمات نكتبها بأصابعنا على تلك المواقع الجافة.
التواصل الواقعي والجسدي هو ما يحقق السعادة ويقضي على الوحدة، وهذا ما لا يستطيع "الفيس بوك" تقديمه.
يضيف أبو خليل قائلا: التفاعل عبر صفحات "الفيس بوك" سيتسبب فيما بعد في كثير من الكآبة؛ لأن الشخص في البداية يكون منبهرًا بما يقوم به، وبعدد الناس الذي يمكنه التواصل معهم، ولكنه سرعان ما سيكتشف أن هذا عالم وهمي، يزيد من شعور الاستغناء لديه، وسرعان ما سيعرف أن ما يمر به هو حالة وهمية من التفاعل، لم ينتج عنها سوى قضائه وقتا أكبر بعيدا عن أحبائه، إنه يقلل من المشاركة الاجتماعية أو إفراغ الطاقة في منافذها الحقيقية.
يؤكد د.عمرو على أهمية أن يقضي كل شخص جُل وقته في الحياة الواقعية يذهب هنا ويتفاعل هناك، يعمل، وينجز ويحقق ذاته ويحقق أحلامه، يذهب إلى أصدقائه على قدميه، يتفق معهم على فعل شىء مختلف، ينظفون الشارع، يقومون بعمل مبادرة ما بيستفيد منها الجميع. أما الجلوس على الفيس بوك فهو وقت ضائع نقضيه في الكتابة والكلام وإذا نظرنا إلى أجسادنا فسنجدها قد ملت الجلوس وتعبت من الإنثناء أمام شاشات صماء.
ويهدهد د.عمرو الشباب قائلا: لا تقلقوا مما ينقله الفيس بوك لكم من صور جميلة عن معارفكم وأصدقائكم، فالجميع لديه لحظات فرح ولحظات سعادة، والجميع أيضا لديه لحظات قلق ولحظات حزن. فإذا قام كل واحد بتصوير نفسه وهو سعيد ونشرها على الفيس بوك سيغبطه الجميع على هذه السعادة التي يعيشها.
ولكنها مجرد صورة تعبر عن لحظة صغيرة في حياتنا، فلا يجب أن نقف أمامها ونصمت، ولكن يجب أن تكون حياتنا متجددة كل يوم.
وفي النهاية ينصح د.عمرو الشباب قائلاً: نعرف أن الانفصال نهائيا عن التكنولوجيا وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة صعب، ولكن على الأقل يجب التقليل منها قدر الإمكان، كما يجب ألا نجعل من أنفسنا أسرى لها فكلما تضايقت دخلت على الفيس بوك مثلا وكلما فرحت دخلت، ولكن يجب تقنين ذلك بتحديد وقت ثابت ومحدد للدخول على هذه المواقع، هذا سيمنحك شعورا أفضل، كما سيمكنك من التركيز في باقي جوانب حياتك كالدراسة ونسج علاقات اجتماعية حقيقة جديدة.
أصبح للجميع الآن أصدقاء جدد على الفيس بوك، ولكن هل نسأل أنفسنا سؤال: هل هذه صداقات حقيقية.. هل لو احتجت إلى من يساعدك سيحضر هذا الصديق من على الفيس بوك ويساعدك.. لا تتوقفوا عن مصادقة الناس في الشارع وفي الجامعة وفي كل مكان، ولكن اختر لك صديقًا حقيقيًا.