رئيس التحرير: عادل صبري 09:49 صباحاً | الخميس 28 مارس 2024 م | 18 رمضان 1445 هـ | الـقـاهـره °

كورونا والشائعات.. أسباب وتوصيات قبل أن يقتلنا الوهم

كورونا والشائعات.. أسباب وتوصيات قبل أن يقتلنا الوهم

محمد الوقاد 22 مارس 2020 20:51

لم يكن انتشار الأخبار المزيّفة التي تحيط بفيروس "كورونا" مفاجئًا؛ فالوباء يثير مجموعة واسعة من العواطف والمخاوف، التي يسهل استغلالها من أجل جذب الانتباه وتشجيع مشاركة المحتوى، ويجعل عدم اليقين السائد ونقص المعرفة المهنية من الصعب على الجمهور فهم الأبعاد الكلية للظاهرة، خاصة بالنظر إلى التفسيرات المتناقضة في وسائل الإعلام.

 

ما سبق كان تحليلًا سريعًا وموجزًا، للباحث الأمريكي "ستيفن كوك" حول مسألة ارتباط الفيروس التاجي بانتشار غير مسبوق للشائعات، بهذه الكثافة والحدة.

 

وجاءت الأخبار المزيفة عن الفيروس التاجي في نوعين..

 

أولًا: المعلومات الخاطئة، أي نشر معلومات كاذبة تمامًا، حتى لو لم تكن متعمدة أو ضارة، بناء على تخمين لا أساس له وفي ضوء اعتبارات مختلفة.

 

ويبدو أن الشائعات تعكس حاجة بشرية لتلقي معلومات وافرة حول ظاهرة غير معروفة وتثير القلق العميق.

 

وتتضمن المعلومات تقارير عن انتشار المرض حتى في الأماكن التي لم يتم تحديد حالات فيها، وشائعات كاذبة حول اكتشاف علاجات للفيروس، وادعاءات كاذبة بشأن كيفية انتشاره، والجزم بأن الفيروس سيضعف في الصيف، أو ترويج لإصابة زعماء معينين من قبل أعدائهم، مثل الترويج لدخول زعيم "حزب الله" "حسن نصر الله" الحجر الصحي بعد إصابته.

 

ثانيا: معلومات بهدف التضليل؛ حيث يتم نشر المعلومات الكاذبة بشكل متعمد وخبيث، لتحقيق مكاسب شخصية أو لإحداث ضرر لطرف آخر. وفي مثال على ذلك تأتي الاتهامات بإخفاء عدد المصابين لكل من روسيا وتركيا، والشائعات عن اكتشاف "عقار معجزة"، وإلقاء اللوم في نشر الفيروس على الأقليات.

 

وترتبط الشائعات الإضافية بمصدر الفيروس، الصين، حيث تنتشر الشائعات بأن الفيروس سلاح بيولوجي أمريكي، والعكس صحيح. كما تم ذكر إسرائيل والولايات المتحدة في إيران باعتبارها مسؤولة عن نشر الفيروس.

 

من ينشر التضليل ولماذا؟

وتوجد أدلة على قيام دول بنشر معلومات مضللة بدوافع استراتيجية ومحلية، أو في سياق تنافس القوى العظمى.

على سبيل المثال، تمَّ اتهام الصين بالتلاعب بالعالم في محاولة لتصوير كفاحها ضد الفيروس التاجي كقصة نجاح، وفي المقابل جرى إلقاء اللوم على الولايات المتحدة كمصدر للفيروس.

 

ويتمّ نشر المعلومات المضللة من قبل الدول بشكل علني وسري، وعلى سبيل المثال، اتهمت السلطات الإيرانية الولايات المتحدة بمحاولة تعزيز التقييم بأن المؤسسات الإيرانية فشلت في التعامل مع الفيروس.

 

وسرًا، على سبيل المثال، اتهمت تايوان الصين بنشر شائعات بشأن التستر على حالات فيروس "كورونا" في تايوان.

 

وادّعى مسؤولون كبار في وزارة الخارجية الأمريكية أن حسابات وسائل التواصل الاجتماعي الروسية تنشر معلومات مضللة بأنّ الفيروس سلاح بيولوجي أطلقه الأمريكيون من أجل الإضرار بالاقتصاد الصيني.

 

وتنشر الدول المعلومات المضللة لأسباب مختلفة، مثل صرف انتباه المدنيين، ومنع الانتقادات المحلية، أو التحكم في النظام العام.

 

وفي بعض الأحيان تكون هناك أسباب استراتيجية، على سبيل المثال، محاولة إثارة الذعر العام في دولة أخرى وتقويض ثقة الجمهور في النظام هناك.

 

كما تشارك الجماعات المناهضة للمؤسسات في نشر المعلومات المضللة، وتشمل هذه العناصر مجموعات الجريمة المنظمة، ومروجي نظريات المؤامرة، والجماعات الفوضوية التي لها مصلحة في تقويض الثقة في المؤسسة الطبية والسياسية.

 

كما تعمل وسائل الإعلام، أحيانًا فعلًا، على بثّ الذعر ونشر المعلومات غير الموثوق بها أو إعادة نشرها، بالرغم من أنه عندما يتعلق الأمر بوسائل الإعلام، فغالبًا ما يكون ذلك معلومات خاطئة، وليس تضليلًا.

 

العواقب المحتملة

 

وللفيروس نفسه تأثيرات شديدة على الصحة العامة والاقتصاد والتماسك الاجتماعي في الدول، وكذلك على الوضع الجيوسياسي العالمي.

 

ولدى الأخبار المزيفة القدرة على جعل الضرر يتفاقم مع زيادة الذعر وخلق الأوهام حول الاحتمالات كافة.

من ناحية أخرى، يمكن أن يؤدي التقليل من أهمية الخطر، والشائعات التي لا أساس لها حول العلاجات، إلى التهاون العام، ما يجعل من الصعب على الدول التعامل مع الوباء، ويمكن لنشر الأخبار المزيفة حول مصدر الفيروس وطريقة انتشاره أن يؤدي إلى تبادل الاتهامات بين الدول أو تشتيت السكان المحليين عن إخفاقات الحكومة.

 

بالإضافة إلى ذلك، فإن لوم الأقليات على انتشار الوباء قد يضر بالتماسك الاجتماعي، ويمكن أن يتسبب إلقاء اللوم على دول أخرى في توتر سياسي دولي.

 

محاولات للتعامل

 

وأعلنت شركات التكنولوجيا العالمية مثل "جوجل" و"فيسبوك" وغيرها تعاونها مع منظمة الصحة العالمية والمراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها من أجل منع نشر الأخبار المزيفة التي تحيط بأزمة "كوفيد-19".

 

وتوجه الشركات المستخدمين إلى المواقع الرسمية لهذه المنظمات وتتعاون مع مدققي الحقائق من أجل التحذير من المعلومات الكاذبة والمضللة ووضع علامة عليها وحذفها. على سبيل المثال، عندما يقوم "فيسبوك" و"تويتر" بتحديد المستخدمين الذين يبحثون عن محتوى حول الفيروس التاجي، يقوم الموقع بتوجيههم إلى موقع المراكز الموثوقة.

 

وتوجد أدوات تكنولوجية لمكافحة التضليل. وتشمل هذه إضافات متصفح الإنترنت، على سبيل المثال "Adblock

Plus" و"Botcheck.me"، والمنصات مثل "Bot Sentinel" وأدوات أخرى، يعتمد بعضها على الذكاء الاصطناعي، ويتمثل دورها في العثور على المحتوى الذي تم التلاعب به وبرامج الروبوت ومواقع الويب المزيفة وغيرها.

 

وفي غالبية البلدان، لم يتم إطلاق جهود واسعة النطاق لمكافحة الأخبار المزيفة بشأن الوباء.

 

وفي بريطانيا، تم تشكيل فريق لمكافحة التضليل يضم خبراء إعلاميين. ويتلخص هدفهم في تحديد نطاق الضرر الناجم عن التضليل والاستجابة وفقا لذلك.

 

وفي الهند، قررت الدولة إرسال رسائل نصية للمواطنين بمعلومات موثوقة، وتم توجيه شركات الاتصالات لإنشاء مقطع صوتي بمعلومات موثوقة كنغمة رنين لأولئك الذين يتصلون من الهواتف المحمولة. وفي الصين وإيران، هناك قوانين صارمة ضد نشر الأخبار المزيفة.

 

ومع ذلك، قدمت وسائل الإعلام التقليدية، التي تميل إلى البث على مدار الساعة في أوقات الأزمات، تقارير ومقالات لا حصر لها حول الفيروس المجهول.

 

نتيجة لذلك، سرعان ما دخلت وسائل الإعلام في حالة من الفوضى من المعلومات التي لا أساس لها وكان لها الدور الأكبر في بث الذعر.

 

وفي حالة وجود فجوات معرفية هائلة فيما يتعلق بهذه الظاهرة غير المسبوقة، من السهل جدا نشر الشائعات والتخمينات والأخبار المزيفة.

ويرى الباحث البريطاني "تشارلز ليستر" أنه من الضروري تطوير آليات وتفاهمات تدمج الدولة والمجتمع المدني وشركات التكنولوجيا العالمية، من أجل الحد من هذه الظاهرة، على الرغم من أنه من الواضح أنها لن تختفي تماما.

 

توصيات

 

وفي دراسة نشرها مؤخرا، معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، جاءت عدة توصيات للتعامل مع الظاهرة، على النحو التالي:

 

1- زيادة الشفافية حول أبعاد الوباء وطرق مواجهته في الدول الأخرى التي تم تنفيذها بنجاح من قبل وزارات الصحة، مثل تقييد الحركة والتجمعات العامة.

 

2- زيادة الوعي العام بالحاجة إلى الحد من الخطاب المضلل حول الوباء والحاجة إلى حقائق ومعرفة مستنيرة في هذا الوقت، من خلال فهم أنواع الأخبار المزيفة الموجودة والدوافع لنشرها.

 

ويشمل ذلك اتخاذ نهج استباقي لزيادة وصول الجمهور إلى المعلومات، مثل إرسال المعلومات مباشرة إلى هواتف المواطنين وإنشاء موقع إلكتروني لوزارة الصحة يجمع معلومات موثوقة للجمهور عن الوباء وطرق التعامل معه في جميع أنحاء العالم.

 

3- تعزيز الرسائل القائمة على الحقائق في وسائل الإعلام التقليدية والجديدة فيما يتعلق بالظاهرة، من أجل مواجهة الأخبار المزيفة.

 

ويجب على وسائل الإعلام صياغة قانون أخلاقي لأوقات الأزمات يضبط نشر المعلومات العلمية التي لم يتم إثباتها ودعمها بما فيه الكفاية.

 

ويقترح المعهد من أجل تنفيذ هذه التوصيات، إنشاء منظمة محددة ومتكاملة تركز على التعاون بين الوزارات الحكومية ذات الصلة ومنظمات المجتمع المدني، بما في ذلك وسائل الإعلام ومعاهد البحوث.

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان