رئيس التحرير: عادل صبري 08:49 صباحاً | الجمعة 04 يوليو 2025 م | 08 محرم 1447 هـ | الـقـاهـره °

«المطر» للعذاب و«الغيث» للرحمة في آيات القرآن.. هل هناك فرق بينهما؟

«المطر» للعذاب و«الغيث» للرحمة في آيات القرآن.. هل هناك فرق بينهما؟

منوعات

الفرق بين الغيث والمطر

«المطر» للعذاب و«الغيث» للرحمة في آيات القرآن.. هل هناك فرق بينهما؟

أحلام حسنين 24 أكتوبر 2019 13:00

مع أجواء المطر التي تشهدتها البلاد هذه الأيام، وما خلفته من خسائر مادية وبشرية على المحافظات التي تساقطت عليها، بدأ البعض على مواقع التواصل الاجتماعي، يتحدث عن الفرق بين  "المطر" وأنه "عذاب"، و"الغيث" الذي يعد رحمة للعباد، فهل حقا هناك فرق بينهم؟

 

 

حين تتدبر آيات القرآن الكريم تجد أنه فرق في الاستعمال بينهم، إذ أن المطر ارتبط بآيات العذاب والعقاب، أما الغيث فجاء مقرونا بالخير الوفير والرحمة.

 

ويبدو ذلك في قوله تعالى :"وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ" سورة الشوري الآية 28.

 

أما لفظ "مطر" فورد ذكره في القرآن في مقام العذاب والعقاب، ففي قوله تعالى :"وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ" سورة الأعراف: 84، وقال تعالى :"وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ" سورة هود الآية 82.

 

كذلك ورد لفظ المطر في صورة العذاب في سورة الشعراء الآية 173 :"وأمطرنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ".

 

الغيث..رحمة "إغاثة" 

 

ويوضح مركز الفتوى على موقع "إسلام ويب"، إن كلمة الغيث أصرح في الرحمة لما فيها من معنى الإغاثة.

 

فكما جاء في قوله تعالى، في سورة يوسف الآية 49 :"ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ".

 

وجاء في "معجم الفروق الدلالية في القرآن الكريم"، أن "الغيث" تستخدم في سياق الخير والرحمة، والمطر النافع المخصب للأرض والنبت.

 

وقال أبوهلال العسكري في الفروق اللغوية، إن "الغيث" في القرآن الكريم يدل على النفع والرحمة، أو طلب الاستنجاد والنصرة.

 

المطر "خير وشر"

 

أما كلمة المطر فيصح إطلاقها على الخير والشر، فقد يُستخدم لفظ المطر في الخير أيضا، كما في حديث الصحيحين: مطرنا بفضل الله ورحمته، وكما في قوله تعالى في القرآن الكريم: "وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا" {النساء:102}. 


كما أنها قد تستعمل في العذاب، كما في قوله تعالى: وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ {الأعراف:84}، وقوله تعالى: وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ {الأنفال:32}.


وفي صحيح البخاري في تفسير سورة الأنفال: قال سفيان بن عيينة -رحمه الله-: ما سمى الله مطرًا في القرآن إلا عذابًا.

 

وتعقب قول ابن عيينة بآية النساء: " وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ"،  فلا تدخل تحت هذه القاعدة؛  فالمطر  هنا يراد به الغيث، وهو: رحمة، فلم يستعمل في العذاب، وإنما حصل التأذي بثقل حمل السلاح حينئذ.

 

وقد جاء في تفسير البغوي: ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم، رخص في وضع السلاح في حال المطر والمرض، لأن السلاح يثقل حمله في هاتين الحالتين. 

 

وجاء في فتح الباري لابن حجر، إنه يقال "مطرت السماء وأمطرت"، ويقال: مطرت في الرحمة، وأمطرت في العذاب.

 

وعن الأصمعي  قال: مررت ببعض قبائل العرب وقد مطروا فسألت عجوزا منهم:أتاكم المطر؟ فقالت: "غثنا ما شئنا غيثا".

 

-وعقب القرطبي نقلا عن الماوردي قائلا: "الغيث" ما كان نافعا في وقته، و"المطر" قد يكون نافعا وضارا في وقته وفي غير وقته.

 

وأوضح الشيخ محمد صالح المنجد، في تفسيره للفرق بين "الغيث" و"المطر"، عبر موقعه الإسلام سؤال وجواب، إن غالب استعمال القرآن للفظ (المطر) في العذاب كما قال ابن عيينة، إلا أن العلماء استثنوا منه قوله تعالى: إن كان بكم أذى من مطر.

 

وأشار المنجد إلى قول الحافظ ابن حجر: " وقال ابن عيينة: ما سمي الله مطرا في القرآن إلا عذابًا"، أي ما أطلق المطر في القرآن إلا على العذاب، وتُعُقِّب بقوله تعالى: ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر ، كما ورد فيفتح الباري.

 

لا فرق في "الاستعمال"

 

وأكد المنجد أنه ما مضى من البحث والنظر إنما يتحرى معرفة أساليب البيان في القرآن، وموارد استعمالات الكلمة فيه ؛ ليس هو بحثا عما يحل ويحرم، أو يجوز أو لا يجوز من الكلام .

 

وإلا ؛ فإن استخدام لفظ المطر في لغة العرب، بل وفي السنة النبوية أيضا : جار في سياقات الرحمة ، كما هو جار في سياق العذاب.

 

فعن زيد بن خالد رضي الله عنه، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية، فأصابنا مطر ذات ليلة، فصلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح، ثم أقبل علينا فقال: أتدرون ماذا قال ربكم؟. قلنا: الله ورسوله أعلم، فقال:   (قال الله: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بي، فأما من قال: مطرنا برحمة الله وبرزق الله وبفضل الله، فهو مؤمن بي، كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنجم كذا، فهو مؤمن بالكوكب كافر بي)  ، رواه البخاري.

 

وعن أنس، قال: قال أنس: أصابنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مطر، قال: فحسر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبه، حتى أصابه من المطر، فقلنا: يا رسول الله لم صنعت هذا؟ قال: لأنه حديث عهد بربه تعالى، رواه مسلم.

 

وأكد المنجد أن الصواب أنه لا فرق بينهما ، من حيث الاستعمال، في خير أو في شر، موضحا أن  لفظ (المطر) استخدم في القرآن غالبًا للعذاب، إلا أنه يستخدم أيضا في سياق الرحمة والغيث في مواضع قليلة، وثبت السنة بذلك الاستخدام، دون تفرقة.

 

وأضاف أنه لا بأس باستخدامه في الكلام العادي، ولا كراهة فيه بوجه ؛ لأنه استخدم في السنة ولغة العرب كذلك

 

لغويا "مترادفين"

 

هكذا بدى استعمال لفط "المطر" و"الغيث" في بيان القرآن الكريم، أما على المستوى اللغوي، فذهبت المعاجم اللغوية إلا أنه لا تفرقة في المعنى بين الكلمتين.

 

وكلمة "الغيث" تعني المطر والكلأ (العشب)، و(المطر): الماء المنسكب من السماء.

 

و يقول الدكتور أحمد مختار عمر في "قاموس القرآن"، إن كثير من اللغويين ذهبوا إلى ترادف لفظي الغيث والمطر وتطابقهما في المعنى، ولكن تتبع استعمال القرآن يدل على وجود صفة مميزة تفرق بينهما بعد إشراكهما في أصل المعنى.

 

ونقل عمر عن الثعالبي:(المطر) إذا جاء عقيب المحل أو عند الحاجة إليه فهو (الغيث)، ونقل القرطبي:(الغيث) (المطر) وسمي غيثا لأنه يغيث الخلق.

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان