لم يكد يضبط رابطة عنقه ويرتدي معطفه، حتى سمع صراخًا يأتي من ناحية المطبخ، خرج مسرعًا من الغرفة ليجد زوجته منزوية برعب في أحد أركانه وهي تشير إلى منطقة ما، سألها فأجابته بصوت مرتعش: "صرصار جري من فوق رجلي وانا بعمل الشاي، لا وايه عامل زي العجل وشكله مقرف"..
نظر الزوج باهتمام إلى ساحة العمليات التي شهدت الجريمة، وأخفض رأسه ليبحث عن هذا الضيف الصباحي المزعج، ففاجأه الأخير بفرار مفاجئ أثار مزيدًا من الذعر في أركان المطبخ، ومع ارتفاع صراخ الزوجة ارتبك صاحبنا في حركته فانزلقت قدمه بسبب نقاط من الماء متناثرة أسفل حوض المطبخ، ليقع وتتحول بذلته ذات اللون الكريمي إلى موزاييك قبيح المنظر.
حينها، علم المسكين أن الصيف قد دخل بكل مشتملاته، بما فيها هجمات الحشرات المنسقة، الناموس ليلا، والصراصير نهارا، صحيح أنهم ينظفون المنزل يوميًا، لكن ارتفاع درجة الحرارة يدفع الحشرات إلى الخروج من جحورها وطلب الضيافة في منازلنا، الباردة نسبيًا، صحيح أنهم يعلمون جيدًا أنهم ضيوف غير مرغوب فيهم، إلا أنه في النهاية، للضرورة أحكام، حتى في عرف ذوات الدم الأبيض.
بعد أن ظل الزوج يطارد الضيف الثقيل في المطبخ، نجح في قتله بشكل درامي، ولكن بعد مرور نحو45 دقيقة، نظر إلى ساعته ليعلم أنه قد تأخر على موعد عمله، دلف إلى غرفته سريعًا ليبدل بذلته التي تبدلت ملامحها، بقميص و"بنطلون"، ونزل مهرولا ليحاول اللحاق بموعده المتأخر.
في الطريق قرر تصفح "فيسبوك" على هاتفه المحمول، ليجد "كوميك" عن الصراصير، مكتوبًا فيه أن "أنثى الصرصار يكفيها معاشرة ذكر مرة واحدة لتنجب طوال حياتها.. يعني حامل مؤبد وانا بقول ليه الصراصير مبتخلصش..".
بعيدًا عن مدى صحة هذه المعلومة أودقتها، فإن الصراصير موجودة على سطح الأرض منذ أكثر من 250 مليون عام، وفقا لأبحاث ودراسات، لذلك فهي موجودة قبل وجود الإنسان، هل يبدوأننا من اقتحمنا عليها حياتها؟ الفكرة تبدومثيرة للضحك.
قد يكون من الجيد هنا استعراض عدد من الحقائق الغريبة عن الصراصير:
1- لديها قدرة كبيرة على المقاومة، حيث تعد الصراصير من الكائنات التي لديها قدرة كبيرة على احتمال الظروف المحيطة من الكوارث والأمراض وتستطيع أن تتأقلم معها بشكل سريع، كما أنه لديها القدرة على إنتاج مضادات مناعية تحميها خلال أصعب الأوقات، ويُمكنها أن تتناول أي شيء من التراب والخشب مما يجعلها تستطيع الصمود لفترات طويلة، كما أنها هي المخلوق الوحيد الذي بقى حيًا بعد الحرب النووية، وهوما يدعمه الحقائق بعد هجومي هيروشيما وناجازاكي في اليابان.
ويقال إن الصراصير تتمتع بنوع من الكروموسومات في جيناتها الوراثية تحول بينها وبين الهلاك، ويجتهد علماء الأحياء والبيئة بتحليل حاملات الجينات الوراثية لدى الصراصير أملًا في التوصل إلى عقار يقي من الإشعاعات النووية.
وهناك عبارة طريفة كانت تقول:
A nuclear war, will not be won by the Americans, Russians or the Chinese. The winner of World War III will be the cockroach.
وهي تعني: الحرب النووية لن تكسبها أمريكا ولا روسيا ولا الصين، الرابح في الحرب العالمية الثالثة سيكون الصرصور.
2- يستطيع تقليص حجمه للهرب من الخطر، حيث يُمكن للصرصور أن يقلص من حجمه إذا كان الأمر يستدعي ذلك من أجل الهرب، حيث يُمكّنه ذلك من اختراق فجوة صغيرة تصل حجمها إلى 15 ملم أوالسير داخل أنبوب صغير لا يزيد قطره عن 5 ملم ، كما أنه يستطيع الركض لمسافة 5 كم في الساعة الواحدة، مما يؤكد قدرة الصرصور على البقاء على قيد الحياة في الظروف القاسية.
3- أعدادها تفوق أعداد البشر والثديات الأخرى بأضعاف مضاعفة، وهي قادرة على العيش في جميع المناطق دون استثناء من الغابات المطيرة إلى الصحارى الجافة، ومن المناطق القطبية إلى البيوت الدافئة.
4- اكتشف علماء أن الصرصور يستطيع أن يستمر حيّا لمدة شهر كامل بعد قطع رأسه، وذلك لأن ليس له أنف ولا رئتين للتنفس، بل إن الأكسجين يصل للخلايا عن طريق شعيبيات متصلة بالقشرة الخارجية.
5- يُمكن للصرصور أن يحبس أنفاسه لـ 40 دقيقة: أحياناً تواجه البلاد كوارث طبيعية والتي يُمكن أن ينتج عنها انطلاق بعض الغازات السامة تقضي على الحيوانات والحشرات كما أنها تبيد البشر أيضاً ، ويمتلك الصرصور القدرة على حبس أنفاسه لحوالي 40 دقيقة حتى يستطيع الهرب من مكان الغازات السامة إلى مكان آمن ، وبذلك يتمكن من أن يبقى على قيد الحياة.
6- يستطيع الصرصور أن يصمد لشهر وأسبوعين كاملين دون الحصول على طعام أوماء ، كما أنه لا يعرف التعب والارهاق ويرجع ذلك إلى عدم امتلاكه قلباً حيث يحتوي جسمه على مجموعة أنابيب ضاغطة تسير بها الدورة الدموية في اتجاهين ، مما يعطيه قدرة أكبر على التحمل ولا يصيبه أمراض القلب المعروفة .
7- الصراصير تتأقلم مع المبيدات الحشرية، حيث يُمكن مقاومة الصراصير بالمبيدات الحشرية وقد ينجح الأمر في البداية ، ولكن مع الوقت تستطيع الصراصير أن تتأقلم مع هذه المبيدات كما أنها تنتج ذرية جديدة وقوية من الصراصير لا تتأثر بهذه المبيدات.
8- يقول "إيليا غوميرانوف"، عالم الحشرات من متحف علم الحيوان في جامعة موسكو، إن أجناس الصراصير تعرضت خلال مئات ملايين السنين، إلى أنواع مختلفة من السموم في الماضي والحاضر، وهي تحتفظ بمعلومات عن هذه السموم في الحمض النووي.
ويضيف أن عدد أجزاء تخزين المعلومات في الحمض النووي لدى الصراصير، أكثر من 10 آلاف، منها حوالي 150 مسؤولة عن حاسة الشم، وأكثر من 500 مسؤولة عن المذاق. ويبدوأن مئات الجينات مسؤولة عن عمليات التحليل الكيميائي.
ووفقًا للعالم، فإن تراكم الخبرات الوراثية يساعد الصراصير على التعرف على الغذاء وتمييز الجيد عن المسموم. كما أن الصراصير لا تحتاج إلى طفرات وراثية للتكيف مع الوسط المحيط، إذ يكفي تنشيط الجينات القديمة. وقال "ينتج جسم الصراصير عددا كبيرا من البروتينات المضادة للسموم، وهذه بمثابة ترياق لسموم مختلفة.
يبقى أن تعرف أن الصراصير في الصين ودول آسيوية وأوروبية تعد من أشهى الأطباق، وهناك مزارع في الصين تربي ملايين الصراصير لبيعها لشركات الأدوية، حيث تنتج الصراصير أحماضا أمينية وبروتينات تستخدم في إنتج مضادات حيوية شديدة الفعالية.