رئيس التحرير: عادل صبري 09:14 صباحاً | الخميس 28 مارس 2024 م | 18 رمضان 1445 هـ | الـقـاهـره °

مبارك..من زهو الانتصار إلى الانكسار ثم الإفراج

مبارك..من زهو الانتصار إلى الانكسار ثم الإفراج

ملفات

الرئيس السابق محمد حسنى مبارك

مبارك..من زهو الانتصار إلى الانكسار ثم الإفراج

الأناضول 21 أغسطس 2013 13:45

في عام 1973 يقف الفريق محمد حسني مبارك أمام الشعب المصري شامخًا مزهوًا، يشرح عبر شاشات التلفزيون إنجازاته كرئيس للقوات الجوية التي ساهمت في تحقيق "النصر عسكري" الوحيد لمصر على إسرائيل في ذلك العام.

 

وفي عام 2012 رقد الرئيس "المخلوع" محمد حسني مبارك مكتئبًا مشدوهًا في سجن مزرعة طرة، مكبلًا بحكم السجن المؤبد، ومطاردًا بلعنات الملايين من المصريين بتهمة تحقيق أكبر "نكسة" لمصر في العصر الحديث.

 

بين هذا المشهد وذاك يمر 39 عامًا، عبر فيها الرئيس الراحل من حياة عسكرية زاهية حافلة بالإنجازات والتكريم، إلى حياة مدنية دخلها نائبًا لرئيس الجمهورية ثم رئيسًا، وتدرج فيها من اعتباره بطلًا قوميًا ومنقذًا للبلاد إلى اعتباره ديكتاتورًا ومسئولًا عن أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية أطاحت به في أقوى ثورة شعبية تشهدها مصر في عصرها الحديث.

 

محمد حسني السيد مبارك، وشهرته حسني مبارك، (84 عامًا) بدأ نجمه يعلو واسمه يتردد على الألسنة في الشارع المصري أثناء حرب أكتوبر 1973 كقائد للقوات الجوية صاحبة "الضربة الجوية الأولى" التي افتتحت الحرب، وشلت النقاط الحيوية للقوات الإسرائيلية في سيناء؛ ما فتح الطريق أمام القوات البرية المصرية لعبور قناة السويس.

مشهد شرح خطة "النصر" الجوي

كبطل قومي يقف الفريق حسني مبارك مزهوًا بما حققته قواته الجوية من نصر في حرب 1973، يقف أمام شاشة التلفزيون وهو يشرح للشعب المصري خطة الهجوم والخسائر التي كبدها للجيش الإسرائيلي، في فرصة لم تتح لغيره من قيادات بقية أسلحة القوات المسلحة.

 

يتبعه بشهور قليلة مشهد تكريمه من الرئيس الراحل أنور السادات في احتفال مهيب بنتائج الحرب  في عام 1974، وتمر شهور أخرى ليختاره السادات نائبًا للرئيس في 1975.

 

في ذلك العام خلع مبارك بزته العسكرية المثقلة بنياشين التكريم للأبد، واقترب من كرسي الرئاسة الذي جلس عليه فجأة في 14 أكتوبر 1981 بعد ترشيح مجلس الشعب (البرلمان) له في استفتاء شعبي عقب اغتيال السادات.

 

مع وصوله للحكم أُفاض الإعلام الرئسمي في أن يطلق على مبارك لقب "صاحب أول ضربة جوية"، والذي اعتبره محللون أنه "مفتاح الشرعية" له أمام الشعب للاستمرار في الحكم الذي تولاه في أجواء صعبة.

مشهد رفع العلم

وزادت شعبية مبارك وشرعيته حين رفع العلم المصري على شبه جزيرة سيناء في إبريل 1982 بعد أن استكمل مفاوضات السلام التي بدأها السادات مع إسرائيل ثم استرجع ما تبقى منها، وهو منطقة طابا، عبر التحكيم الدولي عام 1989.

 

واستمر نجم مبارك في الصعود حين نجح في إعادة العلاقات المصرية- العربية التي تقطعت أوصالها بسبب الخلافات بين معظم الدول العربية وبين السادات إثر توقيعه اتفاقية السلام مع إسرائيل، وعاد مقر جامعة الدول العربية إلى القاهرة عام 1990 بعد 11 عامًا من نقله إلى تونس.

 

مرت السنوات العشر الأولى بردًا وسلامًا على مبارك بدون احتجاجات شعبية، رغم ما لاح فيها من بوادر أزمة اقتصادية نتيجة برنامجه للإصلاح الاقتصادي تحت إشراف صندوق النقد الدولي، والذي كان من تداعياته رفع الدعم عن بعض السلع الأساسية والتخلي عن إلزام الدولة بتعيين الخريجيين، غير أن الهجرة غير المسبوقة من جانب المصريين إلى دول الخليج العربي للعمل أجَّل تفجر أزمات اقتصادية مثل ارتفاع الأسعار والبطالة وزيادة الواردات مقابل الصادرات.

مشهد الجيش المصري في الكويت

في عام 1990-1991 كان فرصة مبارك للصعود كـ"نجم دولي" حين شارك الجيش المصري بقوة (40 ألف جندي) في التحالف الذي قادته الولايات المتحدة لتحرير الكويت من الاحتلال العراقي، وكان من أثره تدفق أموال خليجية على القاهرة، ومكافأة الغرب له بإسقاط جزء كبير من ديون مصر.

 

ورغم هالة النجاح التي رسمتها حرب تحرير الكويت حول مبارك، إلا أنها أخذت في التلاشي بعد فترة قليلة حين كشفت الحرب عن آثارها السيئة في جنبات الطبقة الفقيرة التي كانت تعتمد بشكل كبير على عائدات سفر أبنائها إلى العراق ودول الخليج.

 

وتزامن مع ذلك تطبيق وصف بالعنيف لبرنامج الإصلاح الاقتصادي ورفع الدعم، وبدأت آثار البطالة في الظهور، وخاصة مع ضياع فرص عمل داخلية عبر خصخصة شركات ومصانع بالدولة، مصحوبة بتراجع في عائدات الأراضي الزراعية، وتراجع في الصناعة الوطنية.

 

ومع بدء الألفية الثالثة، بزغت شخصية جمال مبارك، نجل الرئيس السابق، متصدرًا المشهد كرجل دولة في المؤتمرات الاقتصادية والزيارات الرسمية إلى الولايات المتحدة، معتمدًا على شرعية اكتسبها من تعيينه أمينًا عامًا لما سمي بلجنة السياسات في الحزب الوطني الحاكم.

 

مع ظهور هذه الشخصية بدأ جدل جديد يعلو في مصر عن مخاوف من توريث الحكم إلى جمال، وهو الذي بات رمزًا للخصخصة واقتصاد السوق ودولة رجال الأعمال التي كانت تقلق الطبقات الفقيرة.

 

وزاد من مخاوف المصريين من المستقبل المجموعة المحيطة بجمال من رجال أعمال وشخصيات ثارت حولها شبهات كبيرة، ومثلت مثالًا لاحتكار السلطة والمال وللفساد الصارخ، مثل زكريا عزمي وصفوت الشريف وأحمد عز وغيرهم.

 

وكلما زاد صعود نجم جمال كلما زاد الحنق الشعبي على والده من تردي الأوضاع المعيشية، بل وتردي مكانة مصر الدولية، تجلت ملامحه بقوة في الشارع في المظاهرات التي نظمتها الحركة المصرية من أجل التغيير "كفاية"، وما انبثق عنها من حركات تحمل نفس الفكر مثل، فنانون من أجل التغيير، وطلاب من أجل التغيير وحركة 9 مارس التي تشكلت من أساتذة جامعيين، وكانت كل هذه الحركات سندًا لإضرابات واحتجاجات عمالية واسعة، خاصة داخل المصانع؛ احتجاجًا على الخصخصة و تدني المرتبات مقارنة بالأسعار.

مشهد دهس صورة مبارك

 كان أقوى الاحتجاجات وأعنفها هو إضراب عمال المحلة الكبرى عام 2008، وكان مشهد دهس صورة كبيرة لمبارك في شوارع المحلة الكبرى بالأقدام أمام شاشات التلفزيون وأمام قوات الأمن المتحفزة أشد مظهر احتجاجي وأبرز تعبير عما وصلت إليه شعبية الرئيس وقرب نهايته.

 

لم يحرك هذا المشهد ساكنا لدى مبارك رغم تزايد الدعوات المنادية بأنه آن الأون لإقامة نظام تدعو لإقامة نظام ديمقراطي حقيقي يتمتع فيه المصريون بحرية التعبير دون قمع وتنكيل ويضمن تداول السلطة، بل عمد إلى تغييرات "ديكورية" في الدستور كانت تهدف في الأساس إلى "انتخاب" نجله جمال مبارك في إطار انتخابات رئاسية "تعددية صورية".

 

وهكذا تصلب الرئيس ودخل في "شيخوخة سياسية" من جانب، ومن جانب آخر لم تهدأ من وقتها المظاهرات والاحتجاجات منذ ذلك العام، وبات الهتاف الرئيسي لبعضها "يسقط يسقط حسني مبارك"، رغم بعض المحاولات من النظام لاحتوائها برفع نسبة الزيادة السنوية في المرتبات، إلا أن الشعور الطاغي كان أن النظام لا يبالي، وأنه يسير في طريقه لتوريث الحكم ويمتنع عن تقديم إصلاحات حقيقية، وظهر ذلك بجلاء في المؤتمرات السنوية التي كان يعقدها الحزب الوطني الحاكم آنذاك وجمال مبارك ومجموعته يتصدرونها باعتبارهم الحكام الفعليين للبلاد.

مشهد صورة خالد سعيد

في منتصف عام 2010 انتشرت على موقع "فيس بوك" صورة لشاب اسمه خالد سعيد عليها آثار تعذيب، مكتوب بجانبها أنه تعرض للتعذيب حتى الموت على يد رجال الشرطة في محافظة الإسكندرية (شمال البلاد) عقابًا له على ترويجه لفيديو يصور تعذيب أفراد شرطة لأحد المواطنين.

 

وصاحب الصورة تعليقات تحذر المصريين من أن الصمت أمام هذه "الجريمة" سيطلق يد الشرطة في تعذيب المواطنين، وظهر شعار "كلنا خالد سعيد" على صفحة تحمل نفس الاسم وتتبنى قضيته، وتدعو للتظاهر والاحتجاج حتى القصاص من أفراد الشرطة الذين قاموا بعمليات تعذيب، وإجبار الشرطة عمومًا على احترام المواطنين وإنهاء حالة الطوارئ التي رزحت تحت وطأتها البلاد لمدة 30 عامًا.

 

تتزايد الاحتجاجات مع التزوير الفاضح في انتخابات مجلس الشعب (غرفة البرلمان الأولى) في نوفمبر/تشرين الثاني 2011 وتظهر معها لهجة الاستكبار لدى الرئيس حين علق على قرار قوى المعارضة بتشكيل برلمان "مواز" قائلا جملته الشهيرة التي أثارت فيما بعد سخرية المصريين: "خليهم (دعوهم) يتسلوا".


وزاد من حالة السخط الشعبي الواضحة على الأوضاع السياسية والاقتصادية اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الجديدة، والتي كان مقررًا لها اكتوبر  2011، مع ما صاحبها من تصاعد اعتقاد المصريين بأن الأمور في الدولة ترتب لأن يكون الرئيس الجديد هو جمال مبارك، أو على الأقل أن يترشح والده "العجوز" مجددًا على أن تبقى السلطة الفعلية في يد نجله؛ مع ما يعنيه هذا للشارع المصري من استمرار ترنح البلاد تحت وطأة زيادة الفقر والبطالة والمعاملة المهينة من رجال الشرطة والفساد المستشري والمتغول في المجتمع.

مشهد بوعزيزي

هذه المرة المشهد من خارج مصر، من تونس، شاب فقير بائع للخضار تتعدى عليه إحدى أفراد الشرطة بالضرب؛ فيشتكى للجهات المعنية التي ترفض الاستجابة لشكواه؛ فيصل به اليأس مداه ويحرق نفسه؛ فيثور لأجله الآلاف من الشعب التونسي الذين حرك فيهم محمد بوعزيزي مشاعر القهر، يهتفون هم أيضًا بسقوط رئيسهم زين العابدين بن علي، وللمفاجأة يسقط الرئيس في غمرة أيام قليلة، في هذه المرة الهتافات أسقطت الرئيس فعلا.

 

حمل هذا المشهد أملًا جارفًا للمحتجين المصريين بأن هتافاتهم واحتجاجاتهم السنوات الماضية ستحقق هدفهم النهائي حتمًا، وسيسقط الرئيس، وتنادوا للخروج في مظاهرات حاشدة، اختاروا لها يوم عيد الشرطة، 25 يناير، باعتبارها الجهاز الذي مثل القهر والمعاناة للشعب وذراع البطش للنظام.

 

وللمفاجأة أيضًا استجاب عشرات الآلاف لدعوة التظاهر التي خرجت من عدة صفحات بينها صفحة "كلنا خالد سعيد"، قابلتها الشرطة بعنف، قابله المتظاهرون بالتحدي عبر الدعوة مجددًا للخروج بهدف صريح هو "إسقاط مبارك" في 28 يناير المعروفة إعلاميًا بجمعة الغضب.

 

مشهد رفع الأحذية 10 فبراير

هو مشهد السقوط الفعلي لمبارك الذي كان يتابعه المتظاهرون المعتصمون منذ "جمعة الغضب" في ميدان التحرير بالقاهرة وميادين أخرى، عبر شاشات عرض في الميدان وهو يلقي كلمة يعدهم فيها بالإصلاح، وهو معهم، أي يرفض صراحًة مطلبهم الأساسي برحيله؛ فارتفعت عشرات الأحذية في وجهه، ولم يجد الرئيس بدًا من الإعلان في اليوم التالي عن تخليه عن السلطة للمجلس العسكري.

 

مشهد مبارك في القفص

ظن مبارك أن رحيله من قصر الرئاسة بالقاهرة إلى منتجع شرم الشيخ (شرق البلاد) سيضع حدًا للتظاهر ضده، إلا أنه كان لبعض المصريين رأي آخر، وهو أن تتم محاكمته ومحاكمة رموز نظامه عن التهم التي ينسبونها له في حق الشعب، فكان صدور قرار بإحالة أوراقه إلى النائب العام تحت ضغط مظاهرات 8 أبريل/نيسان 2011، ثم قرار بدء محاكمته وإدخاله ونجليه ورموز نظامه قفص الاتهام تحت ضغط مظاهرات واعتصام 8 يوليو/تموز، وهو المشهد الذي شخصت له أبصار العالم كله..مشهد الانكسار الكبير: الرئيس ونجلاه في زنازين سجن واحد.

مشهد حكمت المحكمة

هو ليس آخر المشاهد التي تسجل قصة صعود ثم سقوط أطول رؤساء مصر عمرًا، سواء في السن أو في الحكم، بعد محمد علي، ولكنه مشهد له ما بعده، حين حكمت المحكمة بالمؤبد على مبارك ووزير داخليته في تهمة قتل المتظاهرين في ثورة 25 يناير، ليختتم حياته بلقب أول رئيس مصري يحكم عليه بالسجن، وهو الذي كان بمقدوره لو أراد أن يختتمها محتفظا بزهو القائد العسكري المنتصر، وإن كان سرعان ما تم إلغاء الحكم وإعادة محاكمته مع بقائه في السجن.

 

ولم تشأ الأقدار أن تنتهي فصول مبارك عند هذا الحد..فاليوم فتح القضاء المصري – بقرار إخلاء سبيله في آخر القضايا المحبوس فيها احتياطيا - الباب أمام خروجه من السجن لاول مرة منذ عامين.

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان