رئيس التحرير: عادل صبري 10:18 مساءً | الجمعة 19 أبريل 2024 م | 10 شوال 1445 هـ | الـقـاهـره °

تطور الدور السياسي للكنيسة المصرية بعد ثورة 25 يناير

تطور الدور السياسي للكنيسة المصرية بعد ثورة 25 يناير

ملفات

ملامح تطور السياسة القبطية بعد ثورة 25 يناير

تطور الدور السياسي للكنيسة المصرية بعد ثورة 25 يناير

فكر - ماريان ميخائيل يوسف 10 أغسطس 2015 18:27

اتسمت الثورة المصرية التي تفجرت في 25 يناير 2011  أنها لم يكن لها تنظيم أو قيادة تقودها على غرار الثورات أو حتى الانقلابات الكبرى ومع هذا لا يمكن إغفال حقيقة هامة، وهى أن الشباب هو مفجر هذه الثورة والعامل الاساسى الذى دعا لقيامها، ولكن انضم إليهم بعد ذلك أغلبية القوى السياسية، مما أكسب الثورة بعداً شعبياً؛ فهى لم تكن ثورة فئوية انما كانت ثوره شعبية، ثار فيها الشعب بسبب ما وصلت اليه البلاد من فساد.

وبالرغم من ان ثورة 25 يناير كانت تبشر بقدوم عصر جديد من المشاركة الشعبية في تفاعلات المجال العام، وتنير الطريق أمام مختلف فئات الشعب وطوائفه في ممارسة حق التعبير عن الرأى والاختيار المباشر دون تدخل من الدولة إلا أنه سرعان ما اختفت تلك الطموحات في أول مشهد سياسي  بعد الإطاحة بمبارك عندما تحول استفتاء 19 مارس 2011 على التعديلات الدستورية، إلى استفتاء على الهوية عبر فرز واستقطاب طائفي، فكان البعض مع التعديلات والبعض الاخر ضد التعديلات.[1]

وازداد الأمر سوءا بوقوع عدة أحداث عنف طائفي حيث وقعت اعتداءات على كنائس وممتلكات قبطية بدأت بحادثة هدم كنيسة "صول"  في الجيزة في مارس 2011، ثم هدم كنيسة المريناب بأسوان في سبتمبر 2011، ثم وقع حادث ماسبيرو في أكتوبر 2011 وهو الحادث الطائفي  الأسوأ في الفترة الانتقالية عقب تنحي مبارك،  والذي كان له أسوأ الأثر على  مدى المشاركة العامة للأقباط بعيدا عن وصاية الكنيسة.

وشهدت الفترة الانتقالية التي أعقبت ثورة يناير مشاركة الأقباط، في تأسيس أحزاب سياسية، والانضمام إليها، مثل حزب "المصريين الأحرار" الذي أسسه رجل الأعمال نجيب ساويرس، والحزب "المصري الديمقراطي الاجتماعي".

وبعد مرحلة الصعود الكبير للإسلاميين في الانتخابات البرلمانية، جاء محمد مرسي رئيسا للجمهورية في الانتخابات الرئاسية  2012 كأول رئيس مدني منتخب ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، ومع تفاقم الأزمة بين مرسي ومعارضيه، ازدادت حدة الاستقطاب السياسي، وازدادت مساحة التراشق الطائفي.

دفعت محصلة هذه العوامل  الأقباط إلى العودة إلى أحضان الكنيسة مجددا  وتزامنت تلك التطورات، مع تولي الأنبا تواضروس الثاني منصب بطريركية الكرازة المرقسية  في نوفمبر 2012. وبات الدور السياسى للبابا واضحا مرة اخرى خاصة بعد مظاهرات 30 يونيو وصولا إلى مشهد الثالث من يوليو 2013 الذي شهد الإطاحة بمحمد مرسي وعزله عن منصبه،  بحضور البابا تواضروس في تفاصيل المشهد، إلى جانب وزير الدفاع الفريق عبد الفتاح السيسي،  وفضيلة شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب واخرين.[2]

 

المبحث الاول

المشاركة السياسية للأقباط

مع اندلاع ثوره 25 يناير وسقوط عهد مبارك ظهرت ميول الكنيسة وارتباطها بنظام مبارك حيث كانت ترفض فى البداية الدعوة لإسقاط النظام وكانت ترفض ايضًا مشاركة الاقباط فى هذه المظاهرات، وادى ذلك الى تراجع الدور السياسى للكنيسة الى حد كبير وبدأ الاقباط يرفضون رد فعل الكنيسة على احداث العنف الطائفى التى يتعرضون لها خاصة بعد تصاعد الاحداث الطائفية فى نجع حمادى واطفيح وامبابه، وكانت مظاهرات الاقباط تخرج عن الشكل التقليدى الذي دائماً ما يكون داخل اسوار الكاتدرائية.

لكن بعد ذلك بدأت الائتلافات والحركات الاحتجاجية القبطية تخرج لتعبر عن مطالب الاقباط عامة وانضموا الى مليونيات التحرير للجمع بين مطالبهم ومطالب القوى السياسية الاخرى وشكلت هذه الائتلافات ظاهرة جديدة فى تاريخ الكنيسة القبطية.[3] كما شهدت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية فى مابعد الثورة إقبالا جماهيريا شعبيا غير مسبوق من قبل كافة فئات المجتمع وتشكلت مجموعات قبطية للتوعية بأهمية المشاركة فى المرحلة الانتقالية.ايضا فى الانتخابات الرئاسية الاخيرة كان هناك توجه شبه عام من المصريين جميعا تجاه انتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسى وايضا كان للاقباط دور هام فى تدعيمه.[4]


اولا : ظهور حركات اجتماعية جديدة

إن مشاركة الشباب فى العمل الاجتماعى والسياسى تتأثر بالمشاركة المجتمعية العامة وقد نتج عن قلة تفاعل المواطنين مع الحياة السياسية حالة من الاغتراب لدى الشباب، لكن منذ عام 2004 شهدت مصر عددا كبيرا من الحركات الاحتجاجية والتى كان اهمها حركتى كفاية و6 ابريل. اما ايام ثوره 25 يناير وبعدها نشطت الكثير من الحركات الاجتماعية والالكترونية الاخرى وكان لها دورا هاما فى رفع الوعى السياسى لدى المواطنين وكان لها تأثير واضح فى تحريك الشارع، ولذلك تعتبر الحركات الاجتماعية الجديدة والحركات الالكترونية بمثابة انطلاقة جديدة للعمل المدنى فى حشد وتعبئة الشارع خلال وبعد الثورة.[5]

أما عن الحركات الاحتجاجية القبطية فنجد انه بالرغم من تصاعد وتيرة الاحداث وخاصة الاعتداءات على الاقباط فى الكشح عام 2000 الا انه لم يكن هناك ظهور للشباب الاقباط كقادة لاى احتجاجات للتعبير عن غضبهم، ولكن بدأت الشرارة الاولى لمظاهرات الاقباط كرد فعل لما حدث فى عام 2001 بسبب ما يتعرضون له من عنف طائفى، وكانت المظاهرات رد فعل لما نشر فى جريدة النبأ حيث نشرت الجريدة وقائع مغلوطة عن راهب له فضائح اخلاقية، وبعدها تكررت هذه الاحتجاجات اثر بعض الخلافات الطائفية، ايضا كانت هناك بعض المظاهرات التى تؤيد البابا فى رفضه لتنفيذ احكام المحكمة الادارية العليا بشان الزواج الثانى، وقد كانت كل هذه المظاهرات تدعم قرارات الكنيسة تجاه ما تتخده ضد احداث العنف وكانت هذه المظاهرات تساند البابا حتى حادثة الاعتداء على الاقباط فى نجع حمادى.[6]

كل تلك الاحتجاجات كانت داخل الكنيسة او الكاتدرائية حيث كان الاقباط يرون ان الكنيسة هى الممثل الوحيد لهم والمعبر عن مطالبهم. اما الظاهرة التى بدت غريبة هى انتشار عدد من الحركات الدينية المسيحية فى الشارع المصرى بعد احداث نجع حمادى واطفيح، وهذه الحركات يبلغ عددها 36 حركة بحسب ما اعلنه المجلس الاستشارى القبطى، ومن اشهرها (اتحاد شباب ماسبيرو) و(ائتلاف اقباط مصر) و(اقباط بلا قيود) و(الاقباط احرار) و(الاخوان المسيحيين) و( الاتحاد المصرى للاقباط ) وحركه (صوت المعمدان ).[7]

وفى هذا الصدد ذكرت د. مى مجيب : "بعد الثورة ظهر دور الاقباط واضحا فى الائتلافات والاتحادات القبطية التى كونوها والتى كان اشهرها ائتلاف شباب ماسبيرو، كما ان هاله شكر الله كانت اول رئيسة حزب مسيحية وهو حزب الدستور" [8] فقد كان اهمال مطالب الاقباط فى عهد الرئيس مبارك له دور فعال فى معاداة الشباب القبطى للنظام حيث لم يكن هناك اى محاولة قبطية للحوار داخليا واهم هذه الحوارات ما يخص قانون الاحوال الشخصية الموحد للمسيحيين الذى لم تنظر الحكومة اليه، ايضا كان هناك تجاهل لمطالب الاقباط التى كان اهمها الغاء المادة الثانية من الدستور، والاسراع باصدار قانون العبادة الموحد.

ايضا كان تراجع تأثير الكنيسة السياسى على الاقباط له دور فعال فى ظهور تلك الحركات السياسية القبطية لانه بسبب رفض الكنيسة للثورة فى ايامها الاولى وتضامنها مع النظام وعدم اتخاذ الكنيسة موقفا جادا من احداث كنيسة القديسيين بأطفيح فى مارس 2011، وجد الشباب ان الكنيسة تطالب بعدم التظاهر وانه قد تراجع دورها فى التعبير عنهم خاصة مع انشغال الكنيسة بالانتخابات الباباوية بعد رحيل البابا شنودة، كل هذا دفع الشباب القبطى لتكوين حركات سياسية والاعتصام كمواطنين مصريين لهم الحق فى الضغط على النظام لتحقيق مطالبهم فى القصاص من المعتدين.[9]

فمنذ أحداث العمرانية 2010 وتفجيرات كنيسة القديسين يناير 2011، ظهرت تجليات الحراك الشبابى القبطى للخروج من الكنيسة للوطن، أعلن الكثير منهم  رفضه لدعوة البابا الراحل شنودة الثالث بمقاطعة تظاهرات 25 يناير، وشهد الميدان وجودا قبطيا ملحوظا.[10] واكد على ذلك استاذ سمعان عبد الملاك قائلا  " ان احداث العمرانية فى اخر 2010 خرج بعدها الاقباط بمظاهرات ضد الشرطة فى العمرانية والجيزة وكانت هذه المظاهرات مؤشرا لنزول الاقباط فى 25 يناير" [11]

كانت الحركة الاكثر بروزا هى ائتلاف شباب ماسبيرو ويرجع البعض عومل ظهورها الى حادث اطفيح والبعض الاخر يقول ان الظهور الحقيقى كان بعد الانفصال عن رأى الكنيسة فى مارس 2011 والبعض الاخر يقول انه ظهر بعد احداث امبابة.[12]

وقد قرر الاتحاد الانفصال عن الكنيسة فى مارس 2011 عندما طلب البابا فض الاعتصام فرفعوا شعار ( عفوا قداسة البابا انت ابونا الروحى ولكن ليس لديك سلطة سياسية علينا ) ومن هنا بدأ الصوت العالى ضد الكنيسة لرفع يدها عن التدخل السياسى وبعد تشكل الاتحاد خرج فى مظاهرات وصبح له فروع فى عده محافظات، واستطاع الاتحاد ان يتواجد سياسيا ثم بدأ التنسيق مع الحركات الشبابية التى خرجت بعد الثورة، واصبح الاتحاد عضوا فى جبهه الانقاذ الوطنى، وكان للاتحاد هدفان : الاول هو انشاء منبرا علمانيا موازيا للكنيسة يتحدث عن الاقباط حتى لا تتحدث الكنيسة بمفردها عنهم، والثانى هو تحقيق العدالة لكل المواطنين ومناهضة التمييز الدينى.[13]

بعد احداث اطفيح وخروج هؤلاء الشباب للتعبير عن مطالبهم دفعهم ذلك الى الخروج فى 25 يناير مرددين الشعارات المطالبة باسقاط النظام وعبروا عن غضبهم من وزارة الداخلية حيث كانوا يعتبرونها المسئولة عن ما يحدث لهم.


ثانيا : الانتخابات الرئاسية

خلال الفترة الزمنية التى يتضمنها هذا الفصل حدثت انتخابات رئاسية مرتين: الاولى كانت عام 2012 والثانية عام 2014.

ا- الانتخابات الرئاسية 2012 :

كان اقبال المصريين كبيرا على المشاركة فى الانتخابات الرئاسية لعام 2012 بسبب طول الفترة الانتقالية ورغبة الشعب فى عودة الاستقرار خاصة بعد المواجهات التى حدثت بين المجلس الاعلى للقوات المسلحة والمتظاهرين فى ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء، ولذلك كان الشعب يريد انتخابات رئاسية فى اقرب وقت لانهاء تلك المرحلة ولكن جاءت نتيجة الجولة الاولى من الانتخابات صادمة للبعض بسبب تشتت الاصوات بين احمد شفيق (اخر رئيس وزراء فى عهد مبارك ) ومحمد مرسى (التابع لجماعه الاخوان ) .[14]

وكان وضح الكنيسة حرج فى تلك الانتخابات ففى حين قيام القائم مقام الانبا باخوميوس بالتأكيد على إنه لا توجد توجيهات من الكنيسة للتصويت لمرشح بعينه، نجد ان هناك بعض كهنة الكنيسة قاموا بتشجيع الاقباط نحو التصويت لشفيق، ولكن في صورة مقترح وتوصية وليس أمرا دينيا. واكد على ذلك مينا نبيل قائلا : " نعم كان يوجد دعم من الكنيسة لشفيق وربما كان ذلك سبب من اسباب خسارته لان كان يوجد حشد مقابل فى الطرف الاخر لصالح مرسى " [15]ومع ذلك كان وضع الاقباط منقسما حيث صوت المعظم لمصلحة حمدين صباحي وعمرو موسى وغيرهم في الجولة الاولى، ولكن قد خابت امالهم بوصول احمد شفيق الذي يراه البعض انه جزء من النظام السابق، ومرسي مرشح الاخوان المسلمين الى جولة الاعادة. أما البعض الاخر من الاقباط فقد صوت لشفيق في المرحلة الاولى وايضا صوت له في المرحلة الثانية، بينما  بعض الاقباط قاطعوا التصويت أو قاموا بابطال اصواتهم لانهم غير مقتنعين بأي من المرشحين، فمن وجهة نظرهم يمثل شفيق النظام السابق ومرسي يمثل الدولة الدينية، وبعضهم تم منعهم من المشاركة فى الانتخابات ببعض الدوائر.[16]

2- الانتخابات الرئاسية 2014 :

بناء على ما قدمه تقرير البرلمان العربى وتقرير جامعة الدول العربية فان تلك الانتخابات تميزت بوجود مشاركة شعبية واضحة بين جميع فئات الشعب المصرى وسط اجواء من الاحتفالات من جانب المواطنين امام اللجان وترديد الاغانى الوطنية احتفالا بالعملية الانتخابية.[17] وايضا كانت هناك مشاركة فعالة وايجابية من جانب الأقباط في هذه الانتخابات والتي اعتبروا  أنها الجزء الأهم من استحقاقات خارطة الطريق واستكمال ثورة الثلاثين من يونيو والخلاص من العنف والإرهاب.

ولذلك شاركت الكنيسة بقياداتها في التصويت ودعوة الشباب إلى تلبية نداء الوطن، دون التدخل في اختيار مرشح بعينه، ولكن الحث على المشاركة الوطنية، وقامت قيادات الكنيسة وعلى رأسها البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية بالإدلاء بصوته في الانتخابات في لجنة في العباسية. ودعا بابا الكنيسة كل المصريين مسلمين ومسيحيين إلى المشاركة في الانتخابات، مشيرا إلى أن أقباط الصعيد أدلوا بأصواتهم دون تهديد أو مشاكل، كما قام العديد من أساقفة الكنيسة بالإدلاء بأصواتهم في مختلف محافظات الجمهورية، كما قام عدد من الآباء الرهبان والكهنة قد ذهبوا أيضا للادلاء بأصواتهم.

اما على المستوى الشعبي اى مشاركة الاقباط فهى لم تختلف عن مشاركة الكنيسة فقد شهدت معظم محافظات الجمهورية  مشاركة قوية من الأقباط في أول يوم لانطلاق الانتخابات الرئاسية حيث خرجت تكتلات تصويتية كبيرة من الرجال والسيدات للإدلاء بأصواتهم داخل صندوق الاقتراع وكان إقبال الأقباط على التصويت ملحوظا، كما تزايدت أعداد الناخبين على لجان قرى الصعيد.[18]

ثالثا : الانتخابات البرلمانيه:

لقد كانت تلك الانتخابات هى الاولى بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير فكانت بمثابة خطوة هامة فى صراع مصر من اجل الديمقراطية ومرت تلك الانتخابات فى اجواء من القلق بسبب تدهور علاقة المجلس العسكرى بكثير من فئات الشعب المصرى وتمت على ثلاث مراحل فى الفترة من 28 نوفمبر 2011 الى 22 فبراير 2012. [19]

وقد عكست نتيجة الاستفتاء على الدستور الاوضاع  الطائفية في مصر بين المسلمين والمسيحيين، وانعكس ذلك على الانتخابات البرلمانية، حيث ان الناخبين الإسلاميين يدعو للتصويت لصالح الإخوان أو السلفيين، وفي المقابل ظهر الناخبين الأقباط يقومون بالتصويت لصالح الكتلة المصرية. وكان دور الكنيسة عليه جدل واسع فقد قيل ان الكنيسة تحث الأقباط على التصويت لأسماء معينة على المقاعد الفردية بالإضافة إلى قائمة الكتلة المصرية لأنها تخشى من وصول الإسلاميين إلى الحكم وانفرادهم بصنع القرار. واكدت على ذلك د. مى مجيب وقالت: "فى الانتخابات البرلمانية 2011، الانبا موسى نفسه قال ان الكنيسة سوف تدعم الكتلة المصرية، فكان موقف الكنيسة واضحا " [20] وبالفعل كان تصويت الأقباط المكثف للكتلة وعلى رأسهم حزب " المصريون الاحرار " رغم أن أكثر المرشحين على قائمته مسلمون، وكان ذلك عامل مهم فى حصول الكتلة المصرية وعلى رأسها أحزاب التجمع والمصريون الأحرار والمصري الديمقراطي الاجتماعي المركز الثالث في المرحلة الأولى لانتخابات برلمان 2011 بعد حزبي "الحرية والعدالة" و"النور" [21]

واكد على ذلك مينا نبيل قائلا : " الانتخابات البرلمانيه 2012 اكتسحها الاخوان بالرغم من ان الكنيسه كانت تدعو لتدعيم الكتله المصرية".[22]

أما عن مقاعد الاقباط فى البرلمان فنجد انه لم تتغير النسبة القليلة لتمثيل الأقباط في البرلمان المصري كثيرا عن البرلمانات السابقة للثورة، ولكن انتخابات مجلس الشعب بعد الثورة شهدت إقبالا كبيرا من الأقباط، الذين تمكنوا من الفوز بستة مقاعد منتخبة، وهو أكبر عدد يحصلون عليه منذ سنوات عديدة، لكن النسبة لاتزال قليلة مقارنة بعددهم في المجتمع، وقد حصل الأقباط علي أحد عشر مقعدا في برلمان ما بعد ثورة يناير (ستة منهم بالانتخاب، وخمسة بالتعيين) من بين 508 مقعدا، أي أن النسبة تصل إلى نحو 2.2% من إجمالي عدد النواب.[23]


المبحث الثانى

طبيعة العلاقة بين الكنيسة والدولة

دائما ما تميل الكنيسة إلى ربط تأمينها بالنظام وتنظر له على انه حامى لها، فنجد انه بعد نجاح ثورة يناير فى إسقاط النظام، تباينت العلاقة بين الدولة والكنيسة والاقباط وتأرجحت صعودا وهبوطا، فخلال الفترة التى يتضمنها هذا الفصل تعاقب على رئاسة مصر الكثيرين فنجد انه عقب الثورة مباشرة استلم المجلس العسكرى ادارة البلاد وتم عمل انتخابات رئاسية فاز بها الرئيس السابق محمد مرسى ثم قامت ثورة الثلاثين من يونيو واستلم الرئاسة الرئيس عدلى منصور وحدثت انتخابات رئاسية مره اخرى وفاز فيها الرئيس عبد الفتاح السيسى رئيس مصر حاليا، ونجد ان كل منهم كانت له مواقفه الخاصة مع الكنيسة، كما انه فى تلك الفترة ايضا تنيح البابا شنوده واخذ مكانه القائم مقام الانبا باخوميوس الى ان سلم الكنيسة الى نيافه البطريرك الحالى البابا تواضروس، وايضا كان لكل منهم دور مختلف عن الاخر، كما اتسمت تلك الفتره بزيادة الوعى السياسى لدى الشعب عامة وهو ما بدى واضحا فى زيادة المشاركة السياسية وزيادة عدد الاحزاب والحركات الاجتماعية والاحتجاجية، وايضا ذاد الوعى السياسى لدى الاقباط كجزء من الشعب وزادت المشاركة السياسية لهم عن فترة ما قبل ثوره 25 يناير.


اولا : دور القيادة الكنسية:

لقد تغير موقف الكنيسة من ثورة  يناير، فنجد انه بعد نجاحها فى إسقاط النظام، تغير موقف الكنيسة منها وقام البابا شنودة باصدار بيان ليحيى فيه شباب الثورة والجيش على ما قاموا به، وتحولت علاقة الكنسية تجاه النظام من التأييد إلى المقاومة خاصه بعد أحداث ماسبيرو التى شهدت مواجهات عنيفة بين قوات الجيش والأقباط وراح ضحيتها الكثير من الاقباط واصيب البعض الاخر، مما ادى الى عودة الأقباط إلى أسوار كنيستهم مرة أخرى. [24]

وذكر الاستاذ سمعان عبد الملاك عن موقف الكنيسة من تظاهرات 25 يناير قائلا : " البابا شنوده قال فى برنامج لعمرو اديب على الهواء مباشر انه مع مبارك ويرفض المظاهرات بينما قال شيخ الازهر رأيه بطريقة لم توضح موقفه صراحة، وربما قال البابا ذلك لان كان عنده معلومة بخطورة تصاعد التيار الدينى". [25]

وعن رفض الكنيسة لمظاهرات 25 يناير قالت جانيت جون : " ان من اهم اسباب رفض الكنيسة فى البدايه لنزول الاقباط ان البابا كان خائف على اولاده، كما انه كان من غير المعروف ما الذي سيحدث، فالبابا كان يرى ان هناك انسحاب من الشرطة وانه لايوجد تأمين، وان الاقباط سوف يصبحون فى مواجهة المشهد، واثر ذلك على مشاركة الاقباط فيها لكن الاقباط شاركوا خاصه فى ال18 يوم الاخيرة وكان النزول شعبى عام " [26]

وايضا قالت د. مى مجيب : " رفضت الكنيسة هذه التظاهرات فى البداية وقالت لا نؤيد مطالب لانعرف مصدرها وذكر ذلك فى عظات البابا شنوده فى تلك الفترة وكانت اقواله تحث على انه لا يجب الخروج عن الحاكم كما تكلم الانبا موسى ايضا فى نفس الموضوع داعيا الشباب فى البداية بعدم المشاركة، هذا على مستوى الكنيسة الارثوزوكسية ايضا على مستوى الكنيسة الكاثوليكية حدث نفس الشئ كانت تنادى بعدم المشاركة ". [27] واكد على ذلك استاذ مينا نبيل قائلا :" فى مظاهرات 25 يناير كان بعض الكهنة والقيادات الكنسية خائفين على اولادهم ولكن اوضح أن رفض الكنيسة لنزول المسيحيين موقفا سياسية غير مقبول وانتقد موقف الكنيسة فى عدم تبريرها لسبب رفضها للمظاهرات فكان يجب ان تبرر موقفها هل يعتبر تأييد للنظام ام خوف على ابناءها ؟" [28]

وبعد أن تنيح البابا شنوده تم اختيار الانبا باخوميوس ليكون قائم مقام لشؤون الكنيسة القبطية، في 27 مارس 2012 واستمر حوالى 8 أشهر في الفترة من مارس 2012، حتى تم اختيار البابا تواضروس بالانتخاب في 7 نوفمبر 2012. وقد أدار الأنبا باخوميوس المرحلة الانتقالية للكنيسة بهدوء رغم مروره على عدد من المشكلات الصعبة، منها لائحة انتخاب البابا لعام 1957 واعترافه بأنها غير مناسبة ويجب تغييرها، لكنه فضل تنفيذ هذه اللائحة القديمة على التعديل فى فتره حكم الاخوان.[29]

وأكدت على ذلك د. مى مجيب وعلقت قائلة " كانت فتره القائم مقام الانبا باخوميوس فترة استثنائية داخليا وخارجيا، فداخليا : لانها كانت فترة لابد فيها من اعادة تنظيم البيت من الداخل لان البابا شنوده كان شخصية قوية دينيا وسياسيا، وكانت الكنيسة فى اشد الحاجه لان يحل محله قيادة قوية، اما على المستوى السياسى: كان الوضع كارثى لانها كانت فترة انهار فيها المجلس العسكرى وتعالت النداءات باسقاطه وكانت هناك مطالب بتعجيل الانتخابات "[30]

اشتهر قائم مقام البطريرك بحسه الوطني العالي وحرصه على الوحدة الوطنية وأسلوبه الهادئ والحكيم في مواجهة المواقف، وكان ذلك بارزا فى الازمات التى مرت بها الكنيسة خاصة أزمة وفاء قسطنطين عام 2004، وأزمة تعرض الكنائس القبطية التابعة له في طرابلس وبنغازي وسرت للقصف والتدمير خلال الثورة الليبية عام 2011. وقالت عنه جانيت جون : " كان الانبا باخوميوس مهتم بتنظيم الكنيسة لاختيار البطرك وكان دوره عظيم ولم يهمه ما يحدث سياسيا، فكل هدفه كان تسليم الكنيسة للبطرك الجديد". [31]

اما عن الدور السياسى للانبا باخوميوس فكان دورا مؤثرا، فهو كان رفضا لمشاركة الكنيسة فى الحياة السياسية إلا فيما يخدم هدفها الروحى، ففي الفترة التي تولى فيها، وبعد توليه بـ3 شهور منصب قائم مقام الكنيسة القبطية الارثوذكسية أجريت أول انتخابات رئاسية بعد 25 يناير فاز فيها الرئيس محمد مرسي المنتمى لجماعة الاخوان المسلمين، وكان قد اصدر تعليماته مؤكدا علي الدور الوطني للأقباط في المشاركة الإيجابية بالانتخابات، ووقوف الكنيسة علي مسافة واحدة من كل الأطراف، وأنه علي كل إنسان الانتخاب الحر بما يمليه عليه ضميره، واختيار من يري فيه نهضة مصر، وحرج على الكهنة والأساقفة إعلان دعم مرشح بعينه.[32]

ايضا كان له موقفا واضحا في مواجهة السلطة فى فتره حكم محمد مرسى، فقام بسحب ممثلي الكنائس من اللجنة التأسيسية الأولى لوضع الدستور حيث سيطر الإخوان على أغلب أعضائها، وسبق القوى المدنية في إعلان الانسحاب مما شجع الجميع السير على دربه لتنفض هذه اللجنة فيما بعد، وقام بذلك قبل يومين من تجليس البابا تواضروس وكان ذلك في 16 نوفمبر 2012 لمنع تعرضه لمشاكل مع السلطة فى بداية توليه رعاية الكنيسة، كذلك واجه الإخوان في تهجير مسيحيي دهشور، ورفض فكرة عقد الجلسات العرفية.[33]

وعن سبب انسحاب الكنيسة من الجمعية التأسيسية للدستور ذكر القس بولس جميل : " كان هناك بعض المواد التى اعترضت عليها الكنيسة لانها ليست فى صالحها ولم تتلقى اى استجابة او رد فعل او حوار فكان موقف الكنيسة هو الانسحاب". [34]

وفي الوقت نفسه، فشلت جماعة الإخوان المسلمون في التعامل مع مخاوف الأقباط بشأن الحرية الدينية وتهميشهم في مؤسسات الدولة، وبالرغم من انه تم تعيين د/ سمير مرقص مساعدا للرئيس لشؤون التحول الديمقراطي، الا انه قدم استقالته بعد عدة أشهر عندما اكتشف أنه لم يساهم في عملية صنع القرار، واحتجاجا على ممارسات الإخوان المسلمين الاستبدادية في السلطة خاصة بعد صدور الاعلان الدستورى الذى قام فيه مرسى بتحصين قراراته من الطعن القضائي عليها.[35]

وعلقت د. مى مجيب على تلك الفتره بان: "العلاقة بين الكنيسة والدولة كانت ثنائية لكن لم يقدر مرسى على اختزال الاقباط فى الكنيسة كأيام مبارك، فكانت هذه العلاقة يشوبها الحظر حيث كان هناك تخوف من ان مرسى لن يفى بوعوده بدليل كلامه فى خطاباته (أهلى وعشيرتي)، فكان يتحدث عن فئة معينة بالرغم من انه قال لن يحدث استبعاد لاحد وانه سوف يعين نائب قبطى، وبالفعل عين د. سمير مرقص نائب له لكنه استقال بعد ذلك اعتراضا على الاعلان الدستورى. "  [36] ايضا اكد القس شنوده وهيب على سوء تلك الفتره قائلا : " كانت فترة حكم مرسى فترة سيئة جدا بالنسبة للكنيسة والازهر وكافة مؤسسات الدولة، وكانت اول مرة يحدث فيها اعتداءات على الكاتدرائية، هذا بالاضافة الى سوء الاوضاع الاقتصادية والسياسة والاجتماعية عامة" [37]

أما عن موقف الكنيسة من ثوره 30 يونيو فنجد ان الوضع عامة كان به حالة من الغضب الشديد في الشارع المصري، وقد أعطى الجيش مهلة زمنية للنظام السابق، بدأت بأسبوع ثم 48 ساعة، وبعدها كان يجب اتخاذ قرار، ولذلك اجتمعت قيادة الجيش بالكنيسة وشيخ الازهر إضافة إلى قيادات شبابية وشخصيات عامة، للتشاور حول ما يجب فعله، بعد أن ساء الأمر وزاد والاحتقان في ظل رفض نظام الرئيس المعزول محمد مرسي لأي استجابة.

واكد على ذلك القس بولس جميل قائلا : " اعطت الكنيسة حرية التعبير عن الرأى ولم تجبر احد على شئ وكانت مع التغيير للافضل وايدت ثوره 30 يونيو وشارك الاقباط بصورة كبيرة فى المظاهرات للتغيير ورفض الظلم" [38]

وقامت الكنيسة بلعب دورا مهما في الإطاحة بمرسي  فبعد الاحتجاجات واسعة النطاق التى حدثت في 30 يونيو، دعا الجيش ممثلي السلطة القضائية والحركات الشبابية والمعارضة السياسية ورئيس حزب النور السلفي والدكتور محمد البرادعي ممثلا عن جبهة الإنقاذ، بالإضافة إلى شباب حركة تمرد، والكنيسة القبطية والأزهر، لمناقشة حل للأزمة السياسية، واتفقوا على عزل الرئيس السابق مرسي والقى كلا من البابا تواضروس وشيخ الازهر وشباب المعرضه كلمة لدعم التدخل العسكرى وايدوا اقامه انتخابات رئاسية مبكرة.[39]

ودعا البابا تواضروس الشباب إلى التعبير عن رأيهم دون غضب، ودون التعدي على مؤسسات الدولة، ووجه حديثه لهم قائلا "عبر عن رأيك وكن شجاعا، وتجنب الدم والصدام والعنف ". كما شاركت الكنيسة في اجتماع القوى الوطنية والسياسية يوم 3 يوليو، من أجل وضع بنود خارطة المستقبل، والتفكير في مرحلة ما بعد عزل محمد مرسي، وهو ما كان محل ثناء وتقدير القوى السياسية، التي اعتبرت أن مشاركة البابا تواضروس في هذه الجلسة المهمة، من أبرز المواقف الوطنية التي شهدها المجتمع خلال العقود الأخيرة، وايضا مشاركة الكنيسة في الثالث من يوليو كانت مشاركة وطنية، وليست سياسية، لأنها كانت لمحاربه الارهاب وهذا فى صالح مصر.

وعن الموقف الكنسى من تظاهرات 30 يونيو قالت د. مى مجيب " كان موقف الكنيسة واضحا من اول ابريل منذ ان بدأت حركة تمرد تقوم بعمل الاستمارات، فقد ايدت الكنيسة هذه التظاهرات، ويرجع ذلك الى سوء الاحوال الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ايضا حدوث اعتداءات على الكاتدرائية الامر الذى لم يحدث من قبل، ايضا تزايد الانتماء لحزب الحرية والعدالة، فلم يكن هناك اى ممثل تنفيذى للاقباط". [40]

وشاركت الكنيسة ايضا في اللجنة التى صاغت النسخة المعدلة من دستور 2012 الذي تم إقراره تحت حكم الإخوان المسلمين وعلاوة على ذلك، وكتب البابا تواضروس مقالا في صحيفة الأهرام لحث المصريين للموافقة على الاستفتاء على الدستور فى يناير2014، كما شجع السيسي على خوض الانتخابات الرئاسية واصفا ذلك بالواجب الوطني.[41]

وتوالى الدور الوطني للكنيسة، من خلال امتصاص غضب الجماعات والتيارات الإسلامية التي قامت باعتداءات  على الكنائس خلال شهر يوليو بعد عزل مرسى، وايضا ما حدث بعد ذلك من اعتداءات على الكنائس بعد فض الاعتصامات في رابعة العدوية وميدان النهضة.[42] ويرى البابا تواضروس  أن الكنيسة بذلك لا تلعب أى دور سياسى فى مصر، لكنها تقوم بدور وطنى، فهى مؤسسة روحية بالدرجة الأولى، تقدم أدوارا اجتماعية ووطنية تخدم المجتمع، بصفتها أحد مؤسسات الدوله الرئيسية، بجانب الأزهر والجيش والقضاء والشرطة، وأكد البابا ان علاقة الكنيسة بالشباب القبطى قوية، رغم حالة التمرد الداخلى التى يمر بها الشباب ضد قبول اى سلطة سواء من البيت أوالمدرسة أوالجامعة أوالسلطة السياسية أو الروحية.[43]

فالكنيسة القبطية إتجهت نحو إعلاء المصلحة الوطنية للمجتمع، ومنع انزلاقه في حرب أهلية، وحماية المصريين من الشجار والعنف، ولم يكن هناك بديل سوى الإطاحة بمحمد مرسي وجماعة الإخوان، والإتفاق على خارطة طريق للمستقبل، وإعادة بناء مؤسسات الدولة.

وعن الدور السياسى للبابا تواضروس قالت د.مى مجيب : " لقد تراجع الدور السياسى للبابا بسبب ان الاقباط رفضوا وضع اختزالهم فى شخص البابا، كما ان النظام المصرى عامه هو من يستغل المؤسسات الدينيه لكى يكسب التأييد " [44]


ثانيا: دور الأقباط

كانت ثورة  الخامس والعشرون من يناير بمثابة انتفاضة الشعب من احتمال الفقر والظلم والفساد ليثبت للعالم أن لابد من انهاء الفساد وأن مصر أكبر من أن تهان أو تورث، والأقباط كانوا جزءا من الشعب الذى خرج عن صمته ليعبر عن هذا الغضب خارج أسوار الكنيسة، ليرفعوا علم مصر بدلا من الصليب، وربما ساعدت الحوادث الطائفية كحوادث الاعتداء على كنائس صول وإمبابة والمريناب بعد شهر واحد من سقوط النظام فى الحادى عشر من فبراير 2011 بمثابة الدافع لدى الاقباط لانفصالهم السياسى عن السلطة الكنيسة وخروجهم إلى الشارع والنزول الى ملعب السياسة لممارسة دورهم كمواطنين لهم كل الحقوق وعليهم جميع الالتزامات. وعن اندماج الاقباط قال استاذ سمعان عبد الملاك : " الاقباط انفصلوا عن الكنيسة من قبل يناير فكانت احداث العمرانيه هى اول مره لخروج الاقباط للتظاهر خارج الكنيسه ولذلك شارك الاقباة فى 25 يناير " [45]

وساعد صعود حركات سياسية جديدة معارضة لنظام مبارك، مثل (حركة 6 أبريل ) و(شباب من أجل العدالة والحرية)، و(الحركة المصرية من أجل التغيير) الاقباط، ووفر  لبعض الشباب الأقباط إطارا جديدا للدفاع عن حقوقهم خارج الكنيسة، فقد قرر بعض من الشباب الأقباط الذين شاركوا في الانتفاضة ضد نظام مبارك، تأسيس حركة شبابية للدفاع عن حقوق الأقباط، واسسوا "اتحاد شباب ماسبيرو" واقاموا اعتصامات للاحتجاج على التمييز على أساس الدين، رفضت الحركة وضع الكنيسة بصفتها الممثل السياسي الوحيد للطائفة القبطية.[46]

ومع أن الشباب انخرطوا في البداية في النشاط السياسي بهدف الدفاع عن حقوق الأقباط، الا ان ذلك دفعهم الى التفاعل  مع الجماعات السياسية الأخرى للحصول على حقوق متساوية في إطار نظام ديمقراطي يقوم على مبدأ المواطنة لجميع المصريين. ايضا نظم الاقباط احزابا وانضموا اليها، فقد أسس رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس حزب المصريين الأحرار، وساهم مثقفون مسيحيون  مثل عماد جاد وحنا جرجس، فى تأسيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعى.[47]

اما عن الفتره الانتقاليه بعد ثوره 25 يناير فكانت هناك علاقة ثلاثية بين الكنيسة والدولة  والاقباط وتقول عنها د. مى مجيب : " كان موقف الاقباط فيه تحفظ الى ان حدثت احداث ماسبيرو 2011 وحدثت المواجهة بين الاقباط والمجلس العسكرى حيث دهس فيها الاقباط تحت دبابات الجيش ومن هنا بدأ دخول الاقباط بشكل كبير للحياة السياسية ".[48] وايضا قالت جانيت جون عن تلك الفترة " كانت عبارة عن علاقة شد وجذب فالاقباط كان لديهم شعور بان لديهم حقوق سيتم تنفيذها كالباقى لانهم شعرو انهم جزء من الواقع  ولكن حدثت ضغوط سياسية وكان المجلس العسكرى يحاول ارضاء الجميع الا انه لم يعطى الاقباط مطالب وحلول ترضيهم " [49]

وعلق القس شنوده وهيب على تلك الفتره قائلا : " اهم ما حدث فى تلك الفترة هو حادث ماسبيرو سواء المسؤل عنها المجلس العسكرى او غيره، المهم فيها ان الدوله لم تستطع حماية الاقباط، وهذه هى المشكلة انه بالرغم من اننا جميعا مسلمين واقباط تحت حماية الدولة الا ان الدولة سمحت بدهس الاقباط " [50]

وحين دعت قوى معارضة بمصر إلى مظاهرات حاشدة في 30 يونيو تطالب فيها برحيل الرئيس محمد مرسي وإقامة انتخابات رئاسية مبكرة، أعلن عدد من الحركات القبطية مشاركتها بكثافة فى تلك المظاهرات غير مهتمين بتهديدات بعض قيادات التيار الإسلامى لهم لإجبارهم على عدم النزول. وفى هذا الصدد ذكر القس شنوده وهيب :" الاقباط منذ احداث 25 يناير الى تظاهرات 30 يونيو بدأ الوعى السياسى يزداد  لديهم فهم من يقولوا للكنيسة نريد المشاركة فى الحياة السياسية لان ذلك من مصلحتنا والكنيسة من جانبها لا تمانع " [51] وبالطبع لم يكن كل من خرجوا فى 30 يونيو 2013 لإنهاء حكم الإخوان فى مصر جميعهم من المسيحيين، حيث ان المصريون من كل الفئات والطوائف خرجوا لإنهاء تلك المأساة، ولكن المسيحيين المصريين حملوا معهم هما إضافيا، وهو تهديدالإخوان لهم، وما الذى سوف ينتظرهم فى حال تمكين الإخوان من جميع مؤسسات الدولة.

وفى هذا الصدد قال استاذ سمعان عبد الملاك : " الكنيسة كانت مؤيدة فى صمت فهى لا يجب ان تعلن عن ثورة ضد الحاكم بل هى تصلى له وهذه المرة الكنيسة لم توجه ولن انضمت للجيش بحكم انها جزء من الدولة، وايضا شعر الاقباط بذلك وبالتالى كان هناك نزول ومشاركات غير عادية" [52]  وشارك ائتلاف شباب ماسبيرو فى تظاهرات 30 يونيو وقالوا "ان الثورة ثورة شعب وليست طائفية أو دينية، فهى محاولة لاسترجاع الوطن الذى يعانى من جراء سياسات رئيس يحكم من خلال مكتب الإرشاد".[53]

خرج الاقباط وشاركوا بالرغم من اعلان البابا تواضروس موقف الكنيسة من تظاهرات 30 يونيو المطالبة بإسقاط الرئيس محمد مرسى، حيث أكد أن المؤسسة الدينية ليست لها علاقة بالأمر، وأن الأقباط أحرار بشأن المشاركة من عدمها، كما أصدر الأنبا رافائيل، سكرتير المجمع المقدس، بيانا رسميا أكد فيه أن الكنيسة ليس لها أى شأن أو تتدخل فى توجيه الأقباط بخصوص أى مظاهرات أو اعتصامات.[54] وايضا شاركوا فى النزول لتأييد السيسى حين دعا جموع المصريين للنزول لتفويضه لمحاربة الإرهاب، وامتلأت الميادين بالمصريين وبينهم الأقباط، وكالعادة عاقب الإخوان الأقباط على تأييدهم السيسى وحرقت كنائسهم وسالت دماؤهم، ونهبت ممتلكاتهم.[55]

وعن مشاركه الاقباط فى مظاهرات 30 يونيو قالت د. مى مجيب : "بالرغم من موقف الكنيسة الذى كان مع عزل مرسى الا ان الاقباط فى هذه المرة لم ينزلوا بسبب دعوة الكنيسة للنزول، فكان موقف الاقباط هنا داعما للمظاهرات وللكنيسة " [56]  وعلق ايضا مينا نبيل على ذلك قائلا: " السيسى كان عنده ذكاء لدعوة كل الطوائف فى المؤتمر، الكنيسة والازهر ورئيس حزب النور، ولم يكن هناك اى توجيه من الكنيسة للشعب لانتخاب السيسى ولكن السيسى غير معروف سياسته تجاه الكنيسة الى الان ربما بسبب القضايا الكثيرة التى يواجهها لكن كان هناك بعض الاحداث لم يأخذ فيها رد فعل كتهجير الاقباط، واحداث جبل الطير وكنيسة الجلاء فكنت اتمنى ان يكون هناك رد فعل " [57]


خاتمة

خلال الفترة من حكم مبارك الى ثورة 30 يونيو مرت العلاقة بين الكنيسة والدولة بمراحل مختلفة، تباين فيها صعود وهبوط الدور السياسى للكنيسة، فقد مرت العلاقة الثلاثية بين الدولة والكنيسة والاقباط بحوالى ستة مراحل يمكن تقسيمها كالتالي:

المرحلة الاولى ( زيادة الدور السياسى للكنيسة ) : وتمثلت فى فترة حكم مبارك، حيث كان هناك اعتماد متبادل بين النظام والكنيسة، فقد تولى مبارك السلطة في وقت كانت العلاقة بين الطرفين في أسوأ حالاتها بسبب قيام السادات بتحديد اقامة البابا شنودة، فسعى مبارك لتدعيم علاقته بالكنيسة، لكن ساعد نظامه على جعل  البابا شنودة هو الوسيط ما بين الدولة والأقباط فاختزل الأقباط في شخصه، كما ان نظام مبارك هو من أسهم في عزل المسيحيين داخل كنيستهم معتمدا على عدة وسائل، لعل اهمها استخدام الإسلاميين كفزاعة لإخافة الأقباط، لكن فشلت سياسه مبارك في إقناع الأقباط بأنه يحميهم ويدافع عن حقوقهم، خاصه بعد تفجير كنيسة القديسين وشعور الاقباط بالغضب نتيجه عدم وجود رد فعل من الكنيسة كالعادة، وجاء ذلك  متزامنا مع تنامى الدعوات لاسقاط النظام.

المرحلة الثانية ( تراجع الدور السياسى للكنيسة ) : جاء ذلك بعد تمرد قطاع من الأقباط على سلطة الكنيسة الذى كان متمثلا في انخراط عدد من الشخصيات القبطية في الحركة السياسية المضاده لنظام مبارك، مثل: أمين إسكندر وجورج إسحق، اللذين أسهما في تأسيس حركة  كفاية، كما ان ثورة 25 يناير كانت فرصة للأقباط لإعلان رفضهم لهذه السياسات الاختزالية، وهذا ما بدا واضحا في رفضهم لدعوة الكنيسة لهم بعدم المشاركة في المظاهرات والاعتكاف داخل كنائسهم، لم يقف تمرد الشباب القبطي على دور الكنيسة عند حدود لحظة رحيل مبارك بل استمر وهو ما بدا واضحا في الاعتصام والتظاهر أمام ماسبيرو عقب أحداث كنيسة صول بالجيزة واحداث إمبابة وأسوان، وقد عبر هذا الخروج في رأي البعض عن بدايه الانفصال السياسي عن السلطة الكنسية، كما برزت العديد من التنظيمات والحركات والاتحادات القبطية التي لم تتبلور أهدافها ولكنها تؤكد على الاستقلالية عن الكنيسة والانفصال السياسي عنها.

المرحلة الثالثة ( عودة الاقباط للكنيسة ) : تمثلت فى المرحلة الانتقالية، التي تولى فيها المجلس العسكري بقيادة المشير حسين طنطاوي السلطة بعد تنحي مبارك، خاصه بعد حادثة ماسبيرو في شهر أكتوبر 2011، حيث كان هذا الحادث هو الأخطر في أحداث العنف ضد الأقباط لأنها كانت ضربه عنيفه للاقباط راح ضحيتها الكثير، ولذلك شكل هذا الحادث تحولا كبيرا في علاقة الأقباط بالدوله والكنيسة.

المرحلة الرابعة ( تصاعد النزعة الطائفية ) : بدأت هذه المرحله مع الاستفتاء على التعديلات الدستورية في مارس 2011، حيث كان هذا الاستفتاء عباره عن  حالة من الفرز الطائفي وتقسيم المجتمع بين مسلمين مؤيدين ومسيحيين معارضين، خاصه مع تنامى مخاوف المسيحيين من تداعيات صعود الإسلاميين، بالرغم من أن الإخوان المسلمين بذلوا محاولات جادة عقب الثورة لطمأنة الأقباط، لكن ادت احداث العنف الطائفى بعد الثورة الى قلة حماس بعض المسيحيين ممن خرجوا للميادين أثناء وبعد الثورة، لكن البعض الاخر اصر على تمسكهم وسعهيم لانتزاع حقوقهم عبر دولة المواطنة وبعيدا عن وصاية الكنيسة.

المرحلة الخامسة ( الصدام بين الكنيسة والنظام  ) : رأى بعض الأقباط  أن الوضع في ظل حكم الإخوان المسلمين لم يكن أفضل حالا من وضهم فى فتره حكم مبارك بل ازداد سوءا، فقد بلغ الصدام بين الكنيسة ونظام الرئيس مرسي ذروته بقرار ممثلي الكنائس المصرية بالانسحاب من الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور اعتراضا على المادة 219 من دستور 2012 والخاصة بتفسير مادة الشريعة الإسلامية، فجرى تمرير مشروع الدستور في غياب ممثلي الكنيسة وجاء ذلك متزامنا مع تولى الأنبا تواضروس منصبه رسميا كبطريرك للأقباط الأرثوذكس في مصر قبل ثلاثة أيام فقط من انفجار أزمة الإعلان الدستوري المكمل، فكانت هذه أول أزمة سياسية تواجهه لاسيما أنها فرضت نفسها على الكنيسة والأقباط، وكان ذلك إشارة قوية إلى عمق الأزمة بين نظام مرسي والكنيسة، ايضا حدث صدام كبير عند الاعتداء على الكاتدرائيه فكان ذلك الحادث هو الاول من نوعه، كل هذا ادى الى انضمام الاقباط لرأى الكنيسه ورأى غالبيه الشعب فى ان تلك الفتره سيئه على كل الفئات.

المرحلة السادسة ( التوافق الكنسى – القبطى ) : بما ان الدور السياسي للكنيسة كان ضرورة لا اختيارا للبابا تواضروس، خاصة منذ دعوه السيسى له ولشيخ الازهر وشباب المعارضة لمناقشة حل للأزمة السياسية، واتفقوا على عزل مرسي حيث لم يكن البابا  ساعيا للوصل الى اى دور سياسي للكنيسة، وإنما كان دفاعا عن مصالح الأقباط الذي رأت الكنيسة بالاضافة الى كونه دور وطنى وليس سياسى لانقاذ الدولة.

وهذا ما بدا واضحا من جهة الاقباط الذين خرجوا فى 30 يونيو 2013 لإنهاء حكم الإخوان مشاركه مع المصريون من كل الفئات والطوائف. فى كل تلك المراحل نلاحظ ان الكنيسه لاتسعى الى لعب دور سياسى فهى مؤسسه دينيه روحيه بالدرجه الاولى، ولكن هى مؤسسه وطنيه يفرض عليها الوضع السياسى فتضطر للتعامل معه بالطريقه التى تحافظ على امنها وامن ابناءها ومحاوله تحقيق ابسط المطالب لهم.

عن موقع فكر

اقرأ أيضا..

 

الكنيسة تطرح استبيانًا للشباب القبطي

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان