"الشيء الوحيد الذي منحه إياي والدي بخلاف الحياة، البنية القوية، والصلة الوثيقة بعائلة ثمبو الملكية: دولي هلاهلا، هو اسمي عند الميلاد. ومعناه الدارج هو المشاغب. ورغم أنني لا أومن بأن الأسماء تصنع قدر الإنسان، لكن في السنوات التي تلت صار الأصدقاء والأقرباء يعزون الزوابع التي سببتها وواجهتها لاسمي."
الطفل الكبير، نيلسون مانديلا الذي غيبه الموت أمس عن عمر ناهز (95 عامًا)، قال هذه العبارات، عن الطفل الصغير " دولي هلالا"، في سيرته الذاتية، التي نشرتها دار براون العالمية قبل سنوات.
هذا الزعيم سبّاق دائمًا إلى خطف أنظار العالم. ففي 11 فبراير 1990، كان بطلاً لأبرز صورة ستظل محفورة في ذاكرة الإنسانية، يوم خرج من محبسه في مشهد خفقت له القلوب. نفس الرجل الذي قاد عملية مصالحة وطنية مع البيض، " تجربة السجن علمتني أن أحرر المظلومين والظالمين"، هو الرجل الذي صار أيضًا أول رئيس أسود لجنوب إفريقيا، حتى تخلى عن السلطة بعد انتهاء فترة ولايته، ليتفرغ للعب مع أحفاده.
الزعيم الأسود، الرئيس الأسبق لبلاده، الذي قضى 27 عاماً في السجن بسبب كفاحه ضد سياسة التمييز العنصري التي فرضها البيض، تحول إلى الرمز العملاق لسجين مقاومة التمييز العنصري، حيث ظل متمسكا بمواقفه وهو داخل السجن، حيث رفض عرضًا في سبعينات القرن الماضي بالإفراج عنه مقابل عودته لقبيلته فى ترانسكاي والتخلي عن المقاومة، كما رفض عرضًا بالثمانينيات مقابل إعلانه رفض العنف.
هذا الرجل كان يعني الكثير لأمة "قوس قزح"، التي لا يشعر أبناؤها، خصوصاً السود منهم، أن مرحلة بناء بلدهم اكتملت نتيجة ارتفاع اللياقة البدنية للفساد والفقر والجريمة في البلاد.
قبل موته كان مانديلا يشعر بأسى - كما ذكر مقربون منه - لأن رئة بلاده (جنوب أفريقيا) تعاني من التهاب سياسي واقتصادي حاد، " أوجدت سياسة الأبارتهايد جرحاً غائراً مستديماً في شعبي، وسيقضي كثير منّا سنوات إن لم يكن أجيالاً لنشفي منه". يعترف مانديلا.
الرجل الذي يحب اللعب مع أحفاده، وهو يسمع الموسيقى الإفريقية، يعاني أطفال بلاده من هجمات الحرمان والإيدز. يقول تقرير منسوب لليونيسيف، مطلع العام الحالي، إن "أكثر من نصف عدد أطفال جنوب إفريقيا يعانون من الفقر المدقع، وأن واحداً من كل أربعة أطفال مصاب بالإيدز".
المحارب الذي يعتبر المقاومة السلمية أكبر أداة للتغيير، أجبر على قبول خيار المقاومة المسلحة ( 1960 ) بعد أن قامت شرطة " الأبارتهايد" بإطلاق النار على متظاهرين عزل. في العام 1964 حُكم عليه بالسجن مدى الحياة بتهمة التخطيط لعمل مسلح والخيانة العظمى. لم يسترح " تاتا"، أو الجد مانديلا حتى بعد تدهور صحته في الخمس سنوات الأخيرة بسبب متاعب الرئة " إن الانسان الحر كلما صعد جبلا عظيماً وجد وراءه جبالا أخرى يصعدها".
غاندي إفريقيا، نقل بلاده من حكم الأقلية البيضاء إلى حكم الأغلبية السوداء، لكن هذا لم يمنع الغرب من انتقاده لمناصرته القضية الفلسطينية، والرئيس الكوبي السابق، فيدل كاسترو، لكن كل هذا لم يمنع الجمعية العامة للأمم المتحدة من تسمية يوم مولده (18 يوليو) باليوم الدولي لنيلسون مانديلا تكريماً لإنجازاته للحرية والقيم الإنسانية، فيما جرى تكريمه بأكثر من مائتين وخمسين جائزة محلية ودولية، علاوة على عشرات الجوائز التي رفضها" أحب تكريم الآخرين".
معلوم أن الزعيم الإفريقي، الذي نعاه العالم ووصف بأنه "أبو الحرية"، سيظل مصدر إلهام لكل الشعوب، لكن غير المعلوم هو أن "ماديبا" صاحب المعنويات العالية، ستتمكن بلاده، وربما إفريقيا كلها أن تعوضه في السنوات أو حتى العقود المقبلة.
اخبار ذات صلة:
مانديلا .. قاهر العنصرية من خلف القضبان
الجارديان: “مانديلا” شخصية غيرت مجرى التاريخ
بالفيديو..«نيلسون مانديلا»..السجين الذى ناضل لحرية أمة
وفاة نيلسون مانديلا عن عمر يناهز 95 عامًا