رئيس التحرير: عادل صبري 07:18 مساءً | الجمعة 19 أبريل 2024 م | 10 شوال 1445 هـ | الـقـاهـره °

مسيحيو مصر.. مخاوف مشروعة!

مسيحيو مصر.. مخاوف مشروعة!

ملفات

البابا شنودة والبابا تواضروس

مسيحيو مصر.. مخاوف مشروعة!

أسامة إبراهيم 26 ديسمبر 2013 14:44

مثلما كانت مصر على مدار تاريخها ملاذا آمنا ومأوى لأغلب أنبياء الله ورسله بداية من إبراهيم ويعقوب ويوسف،

فقد كان مجيء السيد المسيح والعائلة المقدسة إلى مصـر هو الحدث الأهم الذي جـرى على أرض الكنانة طوال تاريخها العريق، يأتي احتفال أقباط مصر بأعياد الميلاد هذه الأيام وسط مخاوف مشروعة بعد تكرار استهداف كنائسهم في الفترة الأخيرة من جانب بعض المتشددين.

 

الرحلة المقدسة

بدأت الرحلة المقدسة بخروج يوسف الشيخ من أرض فلسطين وخرجت معه السيدة العذراء القديسة مريم راكبة على حمار وتحمل على ذراعيها السيد المسيح، وقد اجمعت المصادر على أن مريم العذراء ركبت حمارا وسار يوسف جانب الحمار ممسكا بمقوده حسب المتبع عادة فى الشرق. ولم تكن هذه الرحلة بالأمر الهين بل كانت شاقة مليئة بالآلام والمتاعب.

 

لقد سارت السيدة العذراء حاملة طفلها السيد المسيح ومعها يوسف البار عبر برية قاسية عابرة الصحارى والهضاب والوديان متنقلة من مكان إلى مكان، وكانت هناك مخاطر كثيرة تجابهها مثل الوحوش الضارية التى كانت تهدد حياتهم فى البرارى وفى الرحيل عبر الصحراء حيث كانت عادة المسافرين أن يسافروا جماعات لأنه بدون حماية قافلة منظمة يكون أمل النجاة ضعيفا.

 

وكانت زيارة المسيح لمصر هى التمهيد الحقيقى لمجيء مارمرقس الرسول إلى مصر وتأسيس كنيسة الإسكندرية وسرى التدين إلى كل الناس فأصبح شعب مصر متدينا يعرف الله حق المعرفة ويعبده حق العبادة.

 

وحسب المصادر التاريخية القبطية- ومن أهمها ميمر البابا ثيئوفيلس (23) من باباوات الإسكندرية ( 384-412م )-  كانت هناك ثلاثة طرق يمكن أن يسلكها المسافر من فلسطين إلى مصر فى ذلك الزمان ولكن العائلة المقدسة عند مجيئها لم تسلك أيا من الطرق الثلاثة المعروفة لكنها سلكت طريقاً آخر خاصاً بها لأنها هاربة من شر الملك هيرودس.

 

لقد جاء المسيح إلى مصر وعمره ثلاثة شهور واستمر


بها 7 شهور- وتشير المصادر التاريخية إلى أن رحلة العائلة المقدسة أتت من بيت لحم إلى مصر عن طريق صحراء سيناء ودخلوا من جهة الفرمة ( بين بورسعيد والعريش ) ثم مدينة بسطة بجوار الزقازيق (الآن تل قديم ) ثم سارو إلى سمنود ومن هناك عبروا النيل إلى إقليم الغربية ثم جبل النطرون ببرية شيهات فباركته العذراء ثم مدينة الأشمونين وأقاموا بها أياما. ثم قرية تسمى منليس ثم إلى القوصية ثم جبل قسقام الموجود فيه دير المحرق ، وحينئذ مات هيرودس فعاد يوسف بمن معه إلى مصر ونزل إلى بابليون في المغارة الكائنة بدير القديس سرجيوس
( أبو سرجة ) بمصر القديمة ثم إلى المطرية واغتسلت أفرادها هناك من عين ماء فتباركت، وأن العذراء غسلت من ذلك الماء ثياب السيد المسيح وصبت الماء على الأرض وكثر ماء البئر وشجرة البلسم موجودة لليوم. ثم إلى مدينة بابليون بالقرب من هليوبوليس 
( عين شمس ). دخل المسيح هيكلا للأصنام فسقطت على الأرض . 

 

تأسيس الكنيسة القبطية

تأسست الكنيسة القبطية المصرية على تعاليم القديس مارمرقس- أول من كتب إنجيلا- وبشَّر بالمسيحية في مصر خلال فترة الحاكم الروماني "نيرون" بعد حوالي عشرين عاماً من وفاة السيد المسيح عليه السلام.

 

وبعد حوالي نصف قرن من وصول مار مرقس إلى الإسكندرية، انتشرت المسيحية في كل أنحاء مصر، كما كشفت لنا كتب العهد القديم الأثرية ولعل أقدمها كتاب العهد الجديد  الذي تم العثور عليه في البهنسا بمصر الوسطى، ويرجع تاريخه إلى حوالي 200 م. أما إنجيل القديس يوحنا فقد عثر عليه في صعيد مصر مكتوبا باللغة القبطية؛ ويرجع تاريخه إلى النصف الأول من القرن الثاني.

 

رئيس المتوحدين

من أهم القديسين المؤسسين للكنيسة القبطية الأنبا شنودة رئيس المتوحدين، الذي تولي رئاسة الدير الأبيض سنة 383م ودامت رئاسته 66 عاما. وهو المؤسس الحقيقي للكنيسة القبطية، إضافة إلى أنه عاش في أحرج الأوقات وأعنفها.

 

ويعرف الأنبا شنودة في تاريخ الأدب القبطي بأنه أعظم كتابه، وكان كل مجهوده ونشاطه منصبا على محاربة الوثنية واقتلاع جذورها من الشعب مثل السحر والتعاويذ والدجل الطبي والبدع الاجتماعية المختلفة. وكان يصيغ أسلوبه في قالب خطابي بليغ، فقد ملك ناصية اللغة القبطية وكانت كل مواعظه بها.

 

 كما عرفت مصر الرهبنة على يد مؤسسها أبي آباء الرهبان الأنبا أنطونيوس الذي تتلمذ على يديه الكثير من القديسين المصريين وغيرهم.

 

وفكرة الرهبنة تقوم على رفض الحياة المادية وممارسة حياة الفقر والتكريس للكنيسة. واستقبل المسيحيون المصريون فكرة التصومع بحماس شديد ونقلوها إلى بقية المسيحية في العالم.

 

مصر القبطية

تاريخ الأقباط هو جزء رئيسي من تاريخ مصر منذ ميلاد المسيح حتى العصر الراهن، لكن الأقباط بالمفهوم الدينى مرت عليهم أحداث تاريخيه خاصة كانت انعكاساتها عليهم مختلفة عن بقية المصريين.

 

ورغم أن القبطية المسيحية بدأت فى القرن الأول الميلادى، لكن جذور الثقافة القبطية تمتد لعصور مصر الفرعونية. ومازالت تلك اللغة  تستخدم فى طقوس الكنيسة القبطية، وهى آخر مرحلة من مراحل تطور اللغة المصرية القديمة منذ خمسة آلاف سنة، واستمر المصريون يتكلمون القبطية عدة قرون بعد دخول العرب مصر، ولازالت بعض كلماتها تستخدم في اللهجة العامية المصرية، ويستعمل الفلاح المصرى التقويم القبطى فى تنظيم زراعة أرضه.

 

وفى بدايات العصر المسيحى، انقسم المصريون أو الأقباط لطائفتين، المسيحيين وطائفة أخرى ظلت تتبع الدين المصرى الفرعوني، لكن بمرور السنين زادت أعداد المسيحيين الأقباط وقلت أعداد أتباع الدين المصرى التقليدى.

 

وهكذا، ظلت المسيحية تنتشر فى مختلف أرجاء مصر حتى وصلت لأقاصى الصعيد، ومع حلول القرن الثانى الميلادى كان يعيش في مصر طوائف دينية متعددة: المصرية، اليونانية، الرومانية الرسمية، الموسوية، والديانة المسيحية الجديدة.

 

ولكن في أواخر القرن الثانى الميلادى أصبحت معابد الديانة المصرية القديمة أشبه بجزر وسط بحر مسيحى. وفى تلك الفترة ظهر إنجيل للمصريين وتأسست كنيسة فى الإسكندرية برئاسة الأسقف المصرى ديمتريوس (189 - 231) وبعدها تأسست فى الإسكندرية مدرسة اللاهوت (الديدسقلية).

 

عصر الشهداء

فى سنة 202 بدأت فى عهد الإمبراطور سبتيميوس ساويرس، أول موجات الاضطهاد ضد أقباط مصر فأغلقت مدرسة اللاهوت لفترة ثم أعيد افتتاحها بإشراف مفكرين مسيحيين بارزين مثل أوريجانوس الحكيم وظلت تلك المدرسة تستقبل طلابها حتى أوائل القرن الرابع عندما بدأ عهد الاضطهادات الكبرى المعروف بعصر الشهداء الذي استشهد فيه بطريرك الأقباط بطرس الأول (300-311) المعروف بـ "خاتم الشهداء".

 

الرهبنة القبطية

فى بدايات العصر القبطى طور الأقباط وسيلة غير تقليدية لمقاومة الاضطهاد الذي تعرضوا له  وهى ما يمكن تسميته بـ "المقاومة السلبية" التى ظهرت على شكل النسك والرهبنة. الديانة المصرية القديمة عرفت الاعتكاف والنسك فى الصحراء المتاخمة لوادى النيل.

 

ويقال إن أول دير قبطى فى مصر تأسس على يد "فرونتينوس" سنة 151 فى وادى النطرون، لكن المؤكد أن الرهبنة تأسست فى القرن الثالت عندما خرج أنبا من الصعيد يدعى "بولا" أو "بولس" للصحراء واعتكف هناك للتعبد والصلاة.

 

وقد التف عدد كبير من الأقباط حول حركة الرهبنة، وكان من بين هؤلاء قديسين وأشخاص متدينون وأيضا من عامة الشعب خاصة الهاربين من الأحكام الظالمة التى كان يمارسها الرومان بحق المصريين فى المحاكم المختلطة وغيرها، وأيضا الفرار من وجه ظلم الوالى الرومانى وأعوانه. كل هؤلاء لجأوا للرهبنة فى صحارى مصر كوسيلة للاحتجاج والمقاومة السلبية للمحتلين الرومان.

 

فى تلك الفترة، تأسس الدير الأبيض بالقرب من سوهاج، وتجمع الرهبان الأقباط فى وادى النطرون عند دير السريان ودير الأنبا بشوى حالياً، وفى شماله فى صحاري شهات (الإسقيط).

 

طوائف وكنائس

وفي العصر الراهن، ينتمي حوالي 95% من المسيحيين المصريين إلى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية المشرقية، وهي أكبر طائفة.

 

ويرأس هذه الكنيسة بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية وترتبط مع كنائس شقيقة في دول أخرى منها أرمينيا، و إثيوبيا، و إريتريا، و الهند، و لبنان وسوريا.

 

وهناك طوائف أخرى من المسيحيين المصريين أبرزها الكنيسة القبطية الكاثوليكية، والكنيسة القبطية الإنجيلية ومختلف الطوائف البروتستانتية القبطية.

 

لكن لا يوجد إحصاء دقيق لعدد المسيحيين في مصر حاليا، فهناك الإحصاءات الحكومية التي تشير إلى أن نسبتهم  لا تتجاوز 10% من الإجمالى الكلي لسكان مصر، (حوالى 8 مليون نسمة)، وهو ما يعني أن مصر تحوي أكبر تجمع مسيحي عربي. غالبيتهم يتحدثون العربية إلا أنهم يعتبرون أنفسهم جزءا من القومية القبطية.

 

وهناك إحصاء ذاتي أعلن عنه بابا الإسكندرية السابق الأنبا شنودة الثالث - طبقا لسجلات الافتقادات الكنسية- قدر عدد المسيحيين بأكثر من 12.7 مليون داخل مصر؛ ومليونين خارجها  معظمهم في الولايات المتحدة ( 900 ألف نسمة)، إضافة

 

إلى كندا وأستراليا وسويسرا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والنمسا وإيطاليا واليونان  فضلا عن أقباط النوبة والسودان وليبيا وإثيوبيا.

 

بينما تذهب إحصائيات محايدة إلى أن عدد المسيحيين أقل من ذلك. فبحسب تقدير وكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA) فإن نسبتهم لا تزيد عن 9% من تعداد سكان مصر.

 

أضف إلى ما سبق، أنه يوجد حوالي 800 ألف مسيحي- غير قبطي- يعيشون في مصر وهم أساسًا أبناء المهاجرين من الشام ينتمي غالبيتهم إلى الكنيسة الأرثوذكسية والكاثوليكية الشرقية ولعبوا دورًا طليعيًا في تحديث المجتمع المصري وعصرنته والانفتاح على الغرب وإنشاء دور الصحف وتحديث الطباعة والنشر، وكذلك العمل في المهن الحرة والمصارف وكانوا جزءًا من الطبقة الثرية والمتعلمة.

 

إقرأ أيضاً:

بالفيديو.. مسيحيو لبنان.. التعايش مع الطائفية

مسيحيو غزة إلى "بيت لحم" للاحتفال بأعياد الميلاد

مسيحيو السودان.. بين التسامح والتناحر

مسيحيو الأردن.. أقدم شعب وأقل عدد

مسيحيو فلسطين.. حجر في وجه المحتل

فيديو.. العراق بلا مسيحيين خلال عشر سنوات

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان