رئيس التحرير: عادل صبري 04:54 صباحاً | الجمعة 19 أبريل 2024 م | 10 شوال 1445 هـ | الـقـاهـره °

فتاوى 2013.. الفقه خادم للسياسة!

فتاوى 2013.. الفقه خادم للسياسة!

ملفات

غنيم وكريمة وجمعة

فتاوى 2013.. الفقه خادم للسياسة!

إسلام عبد العزيز.. مصر العربية 22 ديسمبر 2013 14:33

لى عنق النصوص.. وتنزيل أحكام فى غير موضعها.. عنوان فقهاء 2013

 

 

"التوقيع عن الله" تحول من مصدر لبيان الأحكام إلى أداة تنابز بين العلماء

سيسجل التاريخ أن 2013 شهد فتوى بتطبيق حد الحرابة على سارقى الكهرباء

 

هؤلاء خوارج يجب قتلهم، وهذا مسجد ضرار، طبقوا حد الحرابة، سنصوت بنعم لأننا مضطرون، من يصوت بنعم فهو مؤيد من الله، مقاطعة الدستور واجب شرعي...

 

هكذا بدا العام 2013.. عام الفتاوى السياسية بامتياز، حتى ظهر فيه الفقيه وكأنه ينتظر الحدث السياسى ليشتبك معه قبولا أو رفضا.. وصارت مثل تلك المصطلحات التى تحمل عبق التراث الفقهى سهلة مبتذلة على ألسنة العوام، ملقية بظلالها على تصوراتهم للمشهد عموما..

 

وبالطبع لم نعدم فى هذا العام فتاوى مضحكة.. اعتاد البعض عليها من أدعياء الفقه، كهذا السورى الذى أفتى داعيا الرجال أن يتزوج كل منهم 50 سورية من اللاجئات على أنهن من ملك اليمين حتى نعجل بتطبيق ما تنبأ به الرسول صلى الله عليه وسلم من أنه قبل القيامة سيتزوج كل رجل من 50 امرأة!!

 

ومن المضحكات كذلك ما أثارته بعض وسائل الإعلام من إصدار الشيخ محمد العريفى فتوى "جهاد النكاح" لرجال ونساء الاعتصامات فى رابعة والنهضة، حيث تبيح لهم الخلوة دون زواج شرعى على اعتبار أنهم غير مجاهدين، وقد تبرأ منها الشيخ العريفى تماما نافيا أى صلة له بهذه الفتوى.

 

ويمكن أن نضم لهذا الإطار ما أفتى به جلال أبوالفتوح، أحد زعماء السلفية الجهادية، بأن سفارات الدول الأجنبية فى مصر ليست معصومة من الجهاد ضدها، وأن الإسلام عصم دماء رسل الدول فقط، معتبرا أن السفارات لا تأخذ حكم "رسول الدولة" قبل ابتكار "السفارات".

 

حصاد العام الإفتائى إذن حصاد مر.. مر لأن الفتوى تحولت عن دورها الأساسى كرافد توعوى تنموي، وأضحت خادمة للتوجه السياسي، ومر لأن الابتذال الإفتائى صار عنوانا لفقهاء كنا نظنهم أثباتا فى العلم قادرين على احترام ما تعلموه وعلموه داخل أروقة الأزهر، ومر لأن الفتوى ذاتها صارت سلاحا مصوبا يخرج رصاصات أكثر فتكا من رصاصات الخرطوش والحي!!

 

ميزان مقلوب

 

وهنا وقبل أن ألج إلى الاشتباكات السياسية لا بد من الإشارة إلى فتوى تعتبر سبقا لهذا العام، وهى فتوى مجموعة من علماء الأزهر أثناء قافلة دعوية لإحدى محافظات صعيد مصرن حيث أفتوا مطالبين بتطبيق حد الحرابة على سارقى الماء والكهرباء باعتباره من المال العام..

 

وبالرغم من أن حد الحرابة له تصور معين داخل الفقه الإسلامى ولا يمكن تنزيله بهذه السهولة على أى من الوقائع ويحتاج لاجتهاد مجمعي، إلا أن الأغرب هو هذا السلم الأولوياتى المقلوب، فهؤلاء لم يتحدثوا عن أرواح تم إزهاقها، ولا عن حقوق إنسانية تم الاعتداء عليها، ولا عن أموال بالمليارات تم تهريبها!

 

تناسوا كل هذا وتذكروا فقط سرقة الماء والكهرباء، وهما فعلان على المستوى الشرعى يتم تسكينهما داخل إطار السياق الذى يتحركان فيه، ولا تخلو الفتوى من إشارة إلى امتناع من يوصفون بـ "أنصار الشرعية" عن دفع الفواتير فى إطار ما يقال إنها حملة "عصيان مدني".

 

محطات وأسماء

أما على مستوى الاشتباك السياسى بالفتوى فلا يمكن أن نحدد بداية لهذا الاشتباك، فالأمر سابق لهذا العام، لكنك يمكن أن تلمح محطات تقف عندها مشدوها وسائلا: كيف استطاع الفقيه أن يتنزل من علياء فقهه لهذا المنحدر المبتذل، ويصبح مستدعى -بضم الميم- ليقول رأيا يخدم ما يريده آخرون.. حكاما أو جماهير على حد سواء.. فممالأة هؤلاء لا تقل عن ممالأة أولئك.

 

وهنا يقف مفتى مصر السابق فى أعلى الهرم بثوبه وعمامته الأزهرية وهو يقول قولته المشهورة: "اضرب فى المليان"، ويؤكدها باستدعاء فقهى لا وجود لأدنى شبهة ارتباط بينه وبين الواقع حينما يستدعى مصطلح الخوارج وما له من ظلال وإيحاءات فى إشارة إلى قطاع من الشعب المصري.. ثم يصيغ أمرا بالقتل فى صورة مفردات شرعية توحى بأن الرجل يثق فى حكمه وفتواه قائلا: "طوبى لمن قتلهم وقتلوه.."!!

 

ولم يكتف المفتى السابق بهذا وإنما واصل الاغتراف من الماضى دون ضبط أصولى حاول كثيرا هو أن يتحدث عنه فى دروسه وكتبه، فتراه فى نفس الجلسة وأمام الحضور يتحدث عن مسجد الفتح على أنه "مسجد ضرار"، ويستدعى بالتالى فعل النبى صلى الله عليه وسلم مع هذا المسجد فى محاولة منه لتبرير ما تم التعامل به مع مسجد الفتح والمعتصمين بداخله.!!

 

ثم تاتى مرحلة العبث الفقهي، حينما يتحدث المفتى السابق عن مصطلح لا وجود له فى الفقه الإسلامى قائلا: "إنه إمام محجور.." ويردف: "يعنى محجور عليه.." دون أن يوضح طبيعة المصطلح ولا شروط انطباقه على الحالة التى يتحدث عنها، هذا إن كان للمصطلح وجود من الأصل.

 

ثم تأتى الطامة حينما يعلن المفتى السابق أنه من يملك الحديث باسم الله وباسم الدين فيوجه كلامه لمن أمامه من القواد والجنود قائلا: " لا تخف بدعوى الدين، فالدين معك، والله معك، ورسوله معك.."!!

 

مظهر.. وجدي.. كريمة

 

هذه أسماء بزغت كثيرا فى حالة الاشتباك السياسى بالفتوى حتى صاروا "نجوم شباك" لوسائل إعلامية.. كل فى حلبته، فـ "كريمة" و"مظهر" بزيهما وعمامتهما الأزهرية محل احتفاء من القنوات المصرية الخاصة، و"غنيم" له قنواته التى تحتفى بـ "مؤيدى الشرعية".. وفى النهاية يقف المشاهد ليختار مفتيه!!

 

البداية مع "كريمة" كانت منذ اعتصام رابعة حين أفتى ببطلان صيام المعتصمين فيها وفى النهضة طيلة شهر رمضان، والسبب الفقهى الذى استند إليه أستاذ الفقه المقارن هو عدم التزامهم بتعاليم الشهر الكريم أو آداب الصيام خلال اعتصامهم..

 

وبعد انتهاء الفض، وتوالى المظاهرات والمسيرات والمناسبات التى يستغلها المتظاهرون خرج كريمة بفتوى أقل ما يقال عنها أنها "عجيبة" حين أفتى بحرمة إحياء ذكرى شهداء أحداث محمد محمود، ويستخدم فضيلته أداة أصولية هى "القياس" لتبرير حكمه قائلا: "هذا الحكم بالقياس على تحريم إحياء "الشيعة" لذكرى مقتل الإمام الحسين.."

 

ويصير "كريمة" الأزهرى فى هذه الفتوى سلفيا أكثر من السلفيين الذين نعى عليهم كثيرا، حيث اعتبر "إحياء الذكريات الأليمة فى الإسلام من الأمور العبثية المحدثة المبتدعة، وكل بدعة ضلالة".. حسب تصريحاته لمصر العربية وقتها..

 

ويدخل "كريمة" هو الآخر سباق فتاوى القتل التى تبارى فيه كثيرون مبررين فض الاعتصامات بالقوة قائلا: "حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حمل علينا السلاح فليس منا.. يجب تطبيقه على الإخوان لأنه يعطى ولى الأمر حق قتلهم.. بل يتعدى هذا الأمر حينما أفتى بارتداد من يرفع علامة رابعة فى موقف عرفات.

 

أما وجدى غنيم المعروف لدى الكثيرين بحدته فقد دخل على الخط فى أوقات كثيرة ناعيا على من وصفهم بـ "مشايخ" الانقلاب قائلا: "هناك عدد من العلماء المزيفين يقومون بإصدار أى فتاوى يريدها العسكريون وقادة الانقلاب وهم علماء السلطة وما أكثرهم فى مصر، وهؤلاء العلماء هؤلاء هم أول من يبدأ بهم فى الآخرة بالتعذيب والعقاب ومشايخ السلطة لن يقل ذنبهم عن موقف شيخ الأزهر الذى أيد الانقلاب، وأنهم يشبهون سحرة فرعون".

 

وثالثهم "مظهر شاهين" والذى كانت فتواه الشهيرة بحرمة الشراء أو البيع من متاجر الإخوان المسلمين من أكثر ما أثار الجدل خلال هذا العام، حيث قال فى صفحته الرسمية على فيسبوك: "فتوى على مسئوليتى الشخصية: الشراء من متاجر ومحلات اﻹخوان المسلمين حرام شرعا؛ ﻷن أصحاب هذه المحلات يدفعون خمس أرباحهم للجماعة التى تستخدم هذه اﻷموال فى شراء اﻷسلحة، والقيام بعمليات إرهابية وقطع الطرق وترويع الأمنين.. وبالتالى أنت وأنت تشترى منهم كأنك تساهم بشكل غير مباشر فى تدمير الوطن وتشارك فى هذه الجرائم..

 

الدستور معركة أخرى

وجاءت معركة الدستور لتكون معركة إفتائية أكثر منها سياسية، ويعود المفتى السابق ليتصدر الواجهة من جديد حيث اعتبر أن من يؤيد الدستور مؤيد من الله.. قائلا "من سيخرج للتصويت بنعم على الدستور يجب أن يعلم أن الله يؤيده، لأنه يعمر الارض ويقف ضد الفساد والإلحاد والشقاق، اخرجوا بأنفسكم ونسائكم إلى صناديق الاستفتاء، لنوقع الرعب فى قلوب الإرهابيين والمارقين والملحدين".

 

فى المقابل مثلت جبهة "علماء ضد الانقلاب" طرفا فى معركة الدستور، حيث أفتت بأنه "لا يجوز المشاركة فى الاستفتاء من الناحية الشرعية حتى لو كان التصويت بـ (لا)"، معتبرة أن المشاركة من شأنها أن تفضى إلى إصباغ الشرعية على من "لا شرعية له"، فى إشارة إلى السلطات الحالية، مؤكدة أن التصويت هو "من باب التعاون على الإثم والعدوان بعد الانقلاب على الشرعية، وتكميم الافواه، وإهدار إرادة الشعب المصري".

 

كما صدرت فتاوى مشابهة من الشيخ محمد عبد المقصود، والباحث الإسلامى وصفى أبو زيدن كلها تفتى بوجوب المقاطعة، بل طالب أبو زيد فى فتواه القضاة بالامتناع عن المشاركة "حتى لا يعطوا شرعية لمن انقلب على الشرعية".

 

 القرضاوى وبرهامي

وهذان اسمان ارتبطا أيضا بهذا الصراع بشكل أو بآخر، حيث مثل "القرضاوي" المرجعية الفقهية الأعلى لـ "رافضى الانقلاب" وكان مع الحدث لحظة بلحظة، فأفتى فى البداية بـ "وجوب تأييد الرئيس مرسى وعودة الدستور مرة أخرى.."، ولم يفارق القرضاوى متابعة الأحداث، وإصدار البيانات فى كل واقعة بدء من الحرس الجمهوري، وليس انتهاء بفض رابعة والنهضة.

 

أما برهامى فقد كان هو الآخر فى بؤرة الضوء، حيث دخل على الخط فى معركة الدستور الأخيرة، مؤكدا أنهم سيصوتون بنعم عليه وحكمهم فى هذا حكم المضطر الذى يأكل الميتة.

 

غير أن برهامى حاول الدخول على الخط بعد فتوى الخوارج لعلى جمعة حيث قال فى إجابته عن سؤال عبر موقع صوت السلف: "ليس كل من خرج على الحاكم يكون مِن الخوارج، فالخوارج هم الذين يكفـِّرون مرتكب الكبيرة ويقولون بخلوده فى النار؛ وإلا لو كان كل من خرج على حاكم من الخوارج لكان الخارجون فى "25 يناير"، وفى "30-6" كلهم من الخوارج، فالأمة لم تجمع لا على "مبارك"، ولا على "مرسي"، ولا على الرئيس المؤقت الحالي.."

 

وهكذا بدت الفتوى فى كثير من الأوقات خادمة للقرار السياسي، وصار الفقيه الذى عده البعض فى منزلة الموقع عن رب العالمين مجرد أداة يستخدمها الآخرون لتمرير ما يريدون، وإلباسه زى الدين الذى يفتح مغاليق القلوب...

وبالله وحده تستدفع البلايا

موضوعات ذات صلة:

الفتوى والسياسة.. من يوظف من؟

"حرب فتاوى" حول المشاركة فى الاستفتاء على الدستور

الفتاوى تدخل معركة الدستور قبل الهنا بسنة

حرب الفتاوى تشتعل لحظر ذكرى محمد محمود

بالفيديو.. فتاوى شيوخ الدم

علماء لعلى جمعة: تجاوزت المحظور فى فتوى الدستور

 

 

 

 

 

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان