رئيس التحرير: عادل صبري 11:51 صباحاً | الجمعة 29 مارس 2024 م | 19 رمضان 1445 هـ | الـقـاهـره °

سيناريو الصراع الإخوانى العسكرى وآفاقه

سيناريو الصراع الإخوانى العسكرى وآفاقه

أحمد بركات 22 ديسمبر 2013 12:53

عرضنا فى الورقة السابقة لسيناريو التفاوض بين جماعة الإخوان وبين سلطة ما بعد الثالث من يوليو فى مصر، وهو مسار رأيناه يواجه عددا كبير من المعوقات، وأبرزها معوق التخلى عما أريق من دم..

 

فضلا عن تماسك الجماعة الذى قد يتهدد فى حال حدوث تفاوض، فضلا عن القيم المبدئية التى انطلق منها الاحتجاج فى مواجهة ما حدث بعد 3 يوليو، والتى سيكون من المهين للجماعة ولتاريخها ولأعضائها ولمؤيديها أن يتجاهلوها. كما أن من أهم المعوقات أن نطاق الاحتجاج نفسه يتسع فى مواجهة سلطة ما بعد 3 يوليو؛ مما يجعل الجماعة تبدو فى موقف تاريخى سيئ للغاية إن تراجعت فى هذه اللحظة.

 

وتأتى هذه المعوقات فى إطار ضغوط واسعة من الداخل عن طريق استخدام سلطة ما بعد 3 يوليو للعنف المفرط ضد جماعة الإخوان بشكل خاص وضد عموم الشارع المحتج بشكل عام، فضلا عن الضغط الإعلامى الهائل الذى يعمل على شيطنتها، فضلا عن تحفظ عدد من القوى الثورية فى مناصرتها. هذا التدافع بين معوقات التفاوض وبين الضغوط المؤدية إليه يقودنا لسبر غور المسار الاحتجاجي.

 

المسار الاحتجاجي

 

فى إطار رفض الإخوان لمسار العنف واستبعاد مسار التوافق؛ يأتى مسار الاستمرار فى الاحتجاج والتصعيد كأحد المسارات المحتملة بل والأقرب إلى الذهنية الإخوانية. وبحسب تحليل العديد من الدراسات لهذه الذهنية ولطبيعة الصراع وآلياته، فإن المسار الاحتجاجى أقرب لأنه يصب فى مصلحة التماسك الداخلى للجماعة من ناحية، ويتناسب مع ذهنية القاعدة الصفرية التى تتبناها غالبية التنظيمات التى تقوم على أساس أيديولوجى من ناحية أخرى.

 

والحقيقة أن هذا الطرح التحليلى يحمل تناقضا صارخا مع الطرح الذى يؤكد على براجماتية الجماعة. فهذا الطرح يرى أنها لا يمكن أن تمثل تيار يمين الوسط الشرق أوسطى الذى يوازى الأحزاب الديمقراطية المسيحية فى الغرب. حيث ينظر أصحاب هذا الطرح إلى "المرونة" التى أبدتها الجماعة فى أعقاب الثورة ولدى تقلدها سدة السلطة فى قضايا مصيرية، مثل معاهدة كامب ديفيد، وإقامة علاقات سياسية واقتصادية مع الغرب على أساس المصلحة المشتركة، وقضايا الهوية والشريعة (على عكس التيار السلفى آنذاك)، على أنها من قبيل البراجماتية السياسية أو التقية الشرعية، ولكنها لا تمت بحال إلى القبول الحقيقى والانخراط الفعلى فى قواعد اللعبة الديمقراطية الليبرالية.

 

وبغض النظر عن تبنى الجماعة لسياسات الحشد والتعبئة حتى إبان وجودها فى مقعد السلطة عن طريق التوظيف الناجح لمجموعة من الخطابات ذات المرجعية الدينية والأيديولوجية حينا، والمرجعية الليبرالية الديمقراطية أحيانا، فإن تطورات الأحداث، والتى انتهت بإعلان الثالث من يوليو، قد جعلت مسار الحشد والاحتجاج هو المسار الأمثل للجماعة فى الظرف الراهن.

 

قدرة الجماعة على الحشد

 

ففى ضوء السياسات القمعية التى تمارسها السلطة الانتقالية ضد جماعة الإخوان ومؤيدى مسارها، والتى انتهت حتى الآن باعتقال الصف الأول والثانى وبعض عناصر الصف الوسيط من قيادات التنظيم، فإن الجماعة لا تزال تصر على أنها الأقدر على التعبئة وخوض معركة النفس الطويل، لا سيما أن هذا "التكتيك" يتناسب مع طبيعة التنظيم القائمة على مركزية القرار ولا مركزية التنفيذ، والذى يمكن أن يتم من خلال آلية نقل مسئوليات صناعة القرار إلى الوحدات الإدارية من المستويات المتوسطة والدنيا فى مواقف الأزمات.

 

كذلك فإن الجماعة تعى جيدا حجمها السياسى والاجتماعى والذى لا يمكن تجاهله، وأن أى محاولة لإقصائها من الخارطة السياسية المصرية سوف تكون، فى حال لاقت أى نجاح، مكلفة للغاية على المستوى النظري، فضلا عن استحالتها على أرض الواقع.

 

فى هذا السياق أيضا تدرك الجماعة أن الاستمرار فى الاحتجاج والتصعيد سيؤدى حتما إلى المساس بقيمة الاستقرار الذى تحتاجه سلطة 3 يوليو، وهو ما قد ينزع الشرعية الشعبية عن النظام الحالي، الأمر الذى سيغير من موازين القوى بما يحقق قدرا كبيرا من مصالحها فى هذا الصراع.

 

أمارات تصدعات سلطة ما بعد 3 يوليو

 

ولعل إرهاصات حصاد نتائج هذا الخيار قد أصبحت مطروحة بقوة على الساحة بداية من استطلاع الرأى الذى أجرته مؤسسة جيمس زغبى المرموقة نهاية نوفمبر الماضي، والذى أكد تراجع شعبية السلطة الحالية والقوى السياسية المؤيدة لها، ومرورا بحديث وزير التجارة والصناعة، منير فخرى عبد النور، قبيل أيام عن "إفلاس مصر"، وانتهاء بما عبر عنه، عمرو موسى، رئيس لجنة الخمسين قبيل ساعات من كتابة هذه السطور بوجوب تشارك الجميع فى "إنقاذ البلاد من الغرق".

 

وغير بعيد عن هذه الحسابات الاقتصادية تأتى احتمالات التصدع السياسى فى معسكر 30 يونيو قائمة وبقوة؛ بل إن بشائرها قد ظهرت بالفعل منذ الرابع عشر من أغسطس الماضى بعد استقالة الدكتور البرادعي، أحد أهم رموز هذا التحالف، إن لم يكن الأهم على الإطلاق، فى أعقاب الفض الدموى لاعتصامى رابعة العدوية وميدان النهضة، ثم استقالة خالد داوود، المتحدث الرسمى باسم جبهة الإنقاذ، وما تبع ذلك من جدل حول جدوى هذا الإجراء فى مقابل التكلفة السياسية والحقوقية على المستويين الداخلى والخارجى التى تحملها هذا النظام والقوى المؤيدة له. ولا يمكن تجاهل إعلان قطاعات جغرافية من حركة تمرد حل نفسها، وعودتها للشارع المعارض.

 

وفى هذا السياق أيضا يأتى إعلان أبو الفتوح، رئيس حزب مصر القوية، مؤخرا عن أن "ما حدث فى 3 يوليو هو انقلاب عسكرى مكتمل الأركان"، وتهديد حركة 6 إبريل - جبهة أحمد ماهر، أثناء كتابة هذه السطور، بخلع الشرعية عن خارطة الطريق، ورفض العديد من القوى الشبابية والثورية قانون التظاهر والممارسات الأمنية القمعية.

 

ومع استمرار متوالية سيناريو التصدع، نجد أن جل استجابات سلطة 3 يوليو تهديد سافرا لثورة يناير بحصول كافة رموز ومؤسسات نظام مبارك، على أحكام قضائية بالبراءة (أحمد شفيق، وجمال وعلاء مبارك، ومن ورائهم الحزب الوطنى بوجه عام) الأمر الذى يشى بعودة الشارع السياسى المصرى إلى نقطة الصفر من جديد.

 

الخبراء ومؤشرات تآكل سلطة 3 يوليو

 

وغير بعيد عن هذا الطرح، وبالعودة إلى مراكز الأبحاث الغربية، فإن ثمة رؤية بأن مصر تواجه مصير الفشل الذريع الذى يتهدد خارطة الطريق الحالية، والذى يمكن إجماله فى وجوه ثلاثة:

 

الأول فشل النظام الحالى فى الانفصال عن نظام مبارك.

الثانى أن خارطة الطريق للتحول الديمقراطى لا تزال محل جدل يصل إلى حد الخلاف بين مكونات هذا التحالف لا سيما فيما يتعلق بالتتابع الإجرائى للانتخابات الرئاسية والبرلمانية من ناحية، ومواد الوثيقة الدستورية الجديدة من ناحية أخرى، والتى لا تلبى بحال طموحات العديد من القوى الشبابية والثورية التى احتشدت فى 30 يونيو، وأعطت الغطاء السياسى والشعبى للتدخل العسكرى فى 3 يوليو.

 

أما الوجه الثالث لهذا الفشل فيتمثل فى عدم قدرة النظام الحالى على إدارة ملف العلاقات مع تيار الإسلام السياسي، حيث يبدو التعامل الأمنى المحض مع هذا الملف السياسى بامتياز غير مقنع للعديد من القوى السياسية فى الداخل والخارج، وردة واضحة لعصور ما قبل يناير 2011.

 

ويبقى أن بوصلة الصراع على الساحة السياسية المصرية تتسم بعدم الاستقرار فى ظل التحولات المستمرة لمعطيات هذا الصراع، والتى هيمن فيها صراع الإخوان ضد النظام الحالى المدعوم عسكريا على المشهد فى أول الأمر، لتتحول بعد ذلك بوصلة هذا الصراع وتتسع دائرته لتشمل العديد من القوى السياسية التى شكلت حلف 30 يونيو، والتى تبدو وكأنها تسير باتجاه الصراع الأول بين قوى التغيير والمستقبل الشبابية على اختلاف توجهاتها السياسية والأيديولوجية من جانب وقوى الدولة العميقة والعودة إلى الماضى من الجانب الآخر.

روابط ذات صلة

سيناريو التفاوض الإخواني العسكري ومعوقاته

 

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان