قام الباحثان بمهد كارنيجي الدولي "ناثان براون" و"مايكل ديون" بإعداد دراسة لتحليل الانعكاسات السياسية لمسودة دستور 2013، يحدد فيها الباحثان أبرز ملامح الدستور، وأبرز الرابحين والخاسرين فيه، كما تناولوا وضع الحقوق والحريات في هذا الدستور، وملامح المسار السياسي بعد إعداده.
وفي الجزء الأول من ترجمة هذه الدراسة، عرضنا لبعض خصائص المسودة، والتي لم تجب عن مرحلة ما بعد الموافقة على الدستور على نحو حاسم يقطع الجدل. فالسؤال عن طبيعة الانتخابات القادمة وهل هي رئاسية أم نيابية لم تتم الإجابة عنه. كما لم يتطرق الحديث عن علاقة المؤسسة العسكرية بالانتخابات الرئاسية بالنظر للجدل حول ترشح وزير الدفاع لمنصب الرئيس.
ومن ناحية ثانية، قرأنا أن مشروع الدستور الجديد يضع منظومة أفضل لحقوق الإنسان مقارنة بالدستور الذي تم إقراره إبان فترة حكم الرئيس مرسي، لكنه مع ذلك يتيح قدرا أكبر من المساحة لإمكان تحكم الأهواء في عملية تطبيق العدالة.
كما عرضت الدراسة لأكثر الرابحين من صياغة هذه المسودة التي صيغت بمنطق تفوق قوة بعض المؤسسات التي واجهت إدارة الرئيس السابق مرسي، وهي القوات المسلحة والسلطة القضائية وجهاز الشرطة وجماعات أخرى عملت على حماية نفسها من التحدي الذي واجهته عندما وصلت للسلطة عبر الانتخابات جماعة الإخوان المسلمين وبعض التيارات الثورية الأخرى.
(اضغط هنا لمطالعة الجزء الأول من ترجمة الدراسة)
وفيما يلي نتناول الجزئية الخاصة بالخاسرين من جراء كتابة مسودة الدستور الراهنة.
الإسلاميون أكبر الخاسرين
أكبر الخاسرين في مسودة الدستور الجديد هم الإسلاميون، بما في ذلك حزب النور السلفي الذي دعم عملية الإطاحة بالرئيس السابق مرسي، فالنشاط السياسي المنبني على الدين بات الآن محظورا، ومع هذا، فحتى الآن لا يبدو واضحا كيفية تطبيق مثل هذه القاعدة الدستورية، فكل من حزب النور وحتى حزب الحرية والعدالة؛ الذراع السياسي لجماعة الإخوان في مصر، قد تأسسوا مع رفع الحظر عن الأحزاب الديية في متن دستور 2012، كما أن الدستور الجديد لن يسمح بحل الأحزاب ما لم يصدر حكم قضائي يقضي بحل حزب قائم، وقد تمضي فترة طويلة نسبية قبل أن يتضح مصير الأحزاب الإسلامية.
وقد قام أعضاء لجنة الخمسين المكلفة بإعداد الدستور باستبعاد مساحة كبيرة من الصياغات المحافظة على الصعيدين الاجتماعي والأخلاقي من دستور 2012، وكان ثمة اتجاه عام يرى أن تلك الصياغات رمزية أكثر منها صياغات قانونية، وكان الإسلاميون عبر هذه الصياغات قد نجحوا في عرقلة بعض البنود المتعلقة بالاتجار في البشر والمساواة بين الجنسين، وهو ما عكس تخوفاتهم من أن يؤدي السعي لحسمها إلى مخالفة الشريعة، هذه الهواجس لم ترد بخاطر اللجنة التي كتبت المسودة الراهنة.
وبالإضافة لذلك، فإن أحد أكبر التغييرات التي أدخلت على دستور 2012 قد تم حذفها، فمنذ عام 1980، كل الدساتير المصرية أعلنت أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، وفي 2012، أضافت اللجنة التأسيسية للدستور نصا عرف باسم المادة 219، أضيفت لتعريف عبارة المصدر الرئيسي للتشريع، وذلك تحت ضغط أولئك الذين فقدوا الثقة في المحكمة الدستورية العليا ومنهجها في إدارة العلاقة مع مادة الشريعة في الماضي، جدير بالذكر أن الأثر القانوني العملي للمادة 219 لم يتم اختباره خلال فترة نفاذ دستور 2012.
والمسودة الجديدة لم تستبعد فقط المادة 219، بل لقد نصت ديباجة المسودة، والتي تعد جزءا لا يتجزأ من متن هذه المسودة على سلطة المحكمة الدستورية العليا في تفسير هذه المادة.
السلطتان التشريعية والتنفيذية تخسران
كما أن الاستقلالية التي منحتها هذه المسودة للمؤسسة العسكرية تعني أن كل من مؤسسة الرئاسة والسلطة التشريعية قد فقدت جزءا كبيرا نسبيا من سلطاتها في هذه المسودة، فالأشخاص الاعتباريون الذين يحتلون هذه المراكز القانونية عبر الانتخاب لم يعد لديهم أية سلطة حقيقية فوق المؤسسة العسكرية.
خسارة الشغيلة والأقليات الدينية
أما الخاسرون الآخرون، فيمكن الحديث فيهم عن الشرائح التي تعمل يدويا، ومعتنقي الديانات الأخرى بخلاف الإسلام والمسيحية واليهودية، فالعمال فقدوا الميزة النسبية التي دامت طويلا والتي كانت تقتضي أن يكون 50% من المرشحين منتمين للعمال والفلاحين، كما أن الدستور حظر النقابات الخاصة بالأجهزة الأمنية، وهو النص الذي شهد احتجاجا ضده من جانب نادي ضباط الشرطة.
كما أن الدستور الجديد أكثر تقييدا من سابقيه في النص صراحة على أن حق العبادة وحق بناء أماكن العبادة على الأديان الإبراهيمية الثلاثة، وهو ما يمثل أخبارا غير سارة بالنسبة للأقلية البهائية عميقة التجذر في المجتمع المصري.
اضغط هنا لمطالعة نص الدراسة الأصلي باللغة الإنجليزية