رئيس التحرير: عادل صبري 12:53 مساءً | الثلاثاء 02 سبتمبر 2025 م | 09 ربيع الأول 1447 هـ | الـقـاهـره °

«هدى وعرفات»..قصة حب بمذاق سياسي

«هدى وعرفات»..قصة حب بمذاق سياسي

ملفات

هدى عبدالله آل النيران وعرفات القاضي

«هدى وعرفات»..قصة حب بمذاق سياسي

ميساء شجاع الدين 05 ديسمبر 2013 02:33

تحولت قصة حب الفتاة السعودية هدى عبدالله آل النيران للشاب اليمني عرفات القاضي لأزمة دبلوماسية بين الدولتين وقضية رأي عام لها مناصرين ومعارضين.

 

هدى فتاة سعودية تبلغ من العمر 24 عاماً تعرفت على الشاب اليمني عرفات عندما كان يعمل بالسعودية كبائع في محل موبايلات، كانت زيارة هدى لهذا المحل منذ ثلاثة أعوام كفيلة بإيقاعها بشباك قصة حب استمرت ثلاث أعوام اصطدمت بمعارضة أهلها الذين رفضوه ثلاثاً أيضاً لأنه يمني، ثم تطور الأمر لدرجة ضربها وسجنها حسب روايتها.

 

كانت هدى مصممة ولا تريد الزواج إلا بمن تريده وترفض الزواج بابن عمها، وهربت بصعوبة ذات ليلة بسيارة نقل جماعي للحدود اليمنية وهناك اتصلت بحبيبها عرفات من رقم تلفون يمني واندهش من وصولها للحدود وحسب قولها لم يكن مؤيداً لما فعلته.

 

ويبدو إنها وجدت تعاطف من حرس الحدود اليمني وهربوها ودخلت اليمن بشكل غير شرعي، لكن ألقي القبض عليها فيما بعد في ميناء طوال الحدودي وألقي بها في السجن بتهمة دخول البلاد بشكل غير شرعي، ثم تم توجيه التهم لعرفات بحجة التواطؤ لتهريبها لكن لا شئ يثبت ذلك فهو وصل اليمن بعدها بعدة ساعات، وتمت تبرئته.

 

أخذت محاكمة هدى أبعاد سياسية وشعبية حيث شهدت ساحة المحكمة موجة احتجاجات في كل جلسة تعقد، وكانت هدى في كل جلسة تقول للقاضي إنها تريد الزواج من عرفات فهي تحبه، بينما عينت السلطات السعودية محامياً مستنداً على مخالفتها لقوانين البلاد وانتهاك العرف والدين، وفي المقابل يركز محامي هدى على خطورة عودة هدى للسعودية حيث قد تتعرض للقتل مما دفع الاهتمام بقضيتها للمنظمات الحقوقية الدولية مثل "هيومان رايتس واتش" التي دعت لتسلميها للمفوضية العليا للاجئين.

 

هل ترضاها لأختك؟

 

تابعت الصحف اليمنية قصة هدى وعرفات بشغف لا يقل عن اهتمام الشارع اليمني، وكانت صفحتهم بموقع التوصل الاجتماعى "فيس بوك "كلنا هدى وعرفات" حصلت على أكثر من 17 ألف معجب في عدة أيام، في المقابل ظهرت حملة "هل ترضاها لأختك" مناهضة لهذا التعاطف الشعبي ولا ترى فيما يجري من تعاطف سوى سخط يمني تقليدي من الدولة السعودية، فلا يعقل لمجتمع محافظ ومتدين تحكمه الأعراف القبلية أن يتعاطف مع فتاة هربت من أسرتها بل وتجهر برغبتها بالزواج من شاب أحببته.

 

ويرى أصحاب هذا الموقف إن المواقف الشعبية كانت أقل زخماً في قضايا أخرى ملحة وتنتصر للمرأة لم تثير هكذا ضجة  مثل زواج الصغيرات الشائع في المناطق الريفية باليمن وتسبب في وفاة بعض الفتيات الصغيرات كانت آخرها قصة روان ذات الثمان أعوام في سبتمبر الماضي، أو قضايا مثل الزواج السياحي وهو زواج عابر يقيمه بعض الرجال السعوديين في زيارتهم لليمن وينتهي خلال عدة أيام أو اشهر على أحسن تقدير.

 

المجتمع اليمني تحكمه أعراف تقليدية خاصة في المناطق القبلية، والقصص عن رفض الأهالي زواج بناتهن من رجال لمجرد إنهم أٌقل اجتماعياً أو ربما من قبيلة مخالفة أو ليس من أًصول قبلية أو لأي سبب آخر ليس بالأمر النادر بل شائع وعادة لا تبدي المجتمعات المحلية قدر كبير من التعاطف مع الفتاة ولو قررت الهرب فهو أمر مدان بحكم الشرع والعرف حسب رأي كثيرين.

 

هل يرضي بك أهل زوجك؟

 

سأل المذيع السعودي هدى: هل يقبل أهل عرفات تزويج ابنهم بواحدة هربت من أهلها؟ أجابته هدى: نعم فأمه اتصلت بي وإخوانه زاروني بالسجن، واستفهمها المذيع متعجباً وربما ساخراً: هل أنت متأكدة إنك تتكلمين عن اليمن؟ .

 

وضع اليمن ضمن صورة نمطية لمجتمع تقليدي منغلق فيه قدر من الصحة وكثير من التعميم الخاطئ، في البداية اليمن مقارنة بجاراتها من الدول الخليجية دولة متقدمة بخصوص المرأة التي تقلدت مناصب القضاء والوزارة، كما كانت تحرص معظم القوى السياسية اليمنية في إِشراك النساء كمرشحات أو ناخبات في الانتخابات البرلمانية، ومقارنة بجارة لازالت المرأة تناضل لقيادة السيارة مثل السعودية، فمن الظلم مقارنة وضع المرأة اليمنية بالمرأة السعودية وإن كانت الأوضاع الاقتصادية المريحة للمرأة السعودية قياساً باليمنية أعطتها بعض المزايا.

 

طبيعة النظام السياسي اليمني المتقدمة نسبياً والأكثر حداثة نسبياً أيضاً تفرض عليه الكثير من الالتزامات تجاه المرأة، فاليمن دولة ذات نظام جمهوري تمتلك بعض الأطر الديمقراطية مثل البرلمان وكذلك حرية الصحافة، لكن هناك شئ آخر غير النظام السياسي يجعل من مسألة تقليدية المجتمع اليمني تجاه المرأة ليست حقيقة مطلقة كما يتصور البعض.

 

حكمت اليمن امرأة عدة مرات قبل الإسلام وبعده كما وصلت لمراتب دينية عليا، وهذا أمر يفخر به اليمنييون ويتحدثون عنه دوماً بإعجاب، مما يعني إن تراجع دور المرأة اليمنية في الحياة العامة وانتشار اللباس الأسود الذي يغطيها بالكامل ليست سوى ظواهر عابرة جراء تأثر اليمن بحالة التطرف الديني القادمة من جارها بالشمال أو حالة التخلف الثقافي والاجتماعي التي تمر بها البلاد لكنه مخالف لطبيعة دور المرأة اليمنية التي تشارك في الأرض بملابسها الملونة وحضورها القوي في المجالات العامة المختلفة من سوق وحقل بل وربما تشارك في قرارات الحرب والسلم. في أوقات معينة ينعكس هذا الوعي اليمني الفطري وتزول منه حالة الصدأ العابرة مثلما جرى في الانتفاضة الشعبية التي شهدتها البلاد عام 2011م وكان للمرأة اليمنية حضور لافت واستثنائي، حيث تزعمت النساء الكثير من المظاهرات وتبعها رجالاً دون تحرج أو انزعاج.

من هنا يبدو سؤال المذيع معبراً عن صورة نمطية ليست كاذبة تماماً لكنها ليست حقيقية تماماً، ويبدو إنه صدم من رد هدى المخالف لهذه الصورة.

 

حملة سياسية ضد السعودية

 

أخذت حملة "هدى وعرفات" بعد سياسي واضح لا يمكن تجاهله، ولا يمكن حصر القضية في إطارها الشخصي كانتصار للحب والحرية، فمن يتصفح صفحة كلنا هدى وعرفات يجد هذا البعد السياسي وكذلك البعد المتحيز لقيم الحرية والحب، فمثلاً كان رد هدى للقنصل السعودي الذي حضر بعض جلسات المحاكمة بأنها من عسير أي يمنية، وهي المنطقة الجنوبية من المملكة السعودية التي يعتقد اليمنيون إنها جزء من بلدهم، كان هذا الرد له صدى واسعاً وخلق حالة تعاطف مختلفة.

 

جاءت قصة هدى وعرفات بعد عملية ترحيل مهينة لاثني عشر ألف عامل يمني بحجة إنهم مقيمين بشكل غير شرعي، لم تكن هذه المرة الأولى فسبق وإن رحلت السعودية قرابة مليون عامل يمني عام 1990م عقاباً للموقف اليمني من حرب الخليج، من المعروف إن اليمنيين كانوا بناة الدولة السعودية التي هاجروا لها بكثافة من الستينات بينما لا يزال التجار اليمنيون- الحضارمة تحديداً- عصب الإقتصاد السعودي-، هذا غير مواقف السعودية المعارضة لكل عملية تغيير سياسي في اليمن آخرها انتفاضة اليمنيين عام 2011م والتي انتهت دون تحقيق مطالبهم وبمبادرة خليجية تم توقيعها في الرياض بالمملكة.

 

اليمنيون ذاكرتهم متخمة بالذكريات السلبية والسيئة عن مواقف المملكة العدوانية ضد اليمن، وبشكل ما كانت هذه القضية متنفس للتعبير عن غضب اليمنيون وحنقهم من الجار اللدود .

 

آخر الأمر، في يوم السادس والعشرين من نوفمبر أدانت المحكمة هدى بتهمة دخول اليمن بشكل غير شرعي واكتفت بفترة السجن التي قضتها لمدة أشهر، مطالبة إياها بتصحيح وضع إقامتها باليمن وإيوائها في دار للفتيات لمدة 3 شهور بإشراف مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، ورفضت تدخل السفارة السعودية، هكذا بعد ثلاث شهور تصبح هدى حرة في الزواج من حبيبها عرفات.

 

بهذه النهاية السعيدة ينتهي فصل من فصول قصة هدى وعرفات التي لم تكن مجرد تحدي للعادات والتقاليد التي تحجر على الحريات الشخصية وحق المرأة في اختيار شريكها، لكنها أيضاً تحدت العلاقة المتوترة بين الجارتين والشقيقتين حسب الرواية الرسمية لكنها ليست كذلك طالما لم تنعكس على أرض الواقع بعلاقات سياسية طبيعية تنعكس على الناس وعلاقاتهم الإنسانية الطبيعية.

 

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان