رئيس التحرير: عادل صبري 12:56 مساءً | الجمعة 29 مارس 2024 م | 19 رمضان 1445 هـ | الـقـاهـره °

الانفلات الأمني تهديد لوجود ليبيا

الانفلات الأمني تهديد لوجود ليبيا

ملفات

القذافي وعلي زيدان ومحمود جبريل

ضعف السلطة يؤسس لتفكك داخلي وتدخل خارجي

الانفلات الأمني تهديد لوجود ليبيا

وسام عبد المجيد 23 نوفمبر 2013 13:38

ما بين وضع خطط لاستيعاب مراكز للتسلح غير المشروع (الميليشيات) في القوات الأمنية القومية والتراجع التكتيكي عنها، وإرسال بعثات من الشرطة والجيش الليبيين لتلقي التدريب اللازم في دول أوروبا، وتوظيف الحكومة الليبية للتظاهرات للضغط على الميليشيات، وحتى مسرحيات الاغتيال السياسية التي تدبر بين الفينة والأخرى، كلها جهود تبذل على مستوى المركز الليبي للتخلص من الانفلات الأمني. وبرغم شروع عدد من الميليشيات في الانسحاب من العاصمة الليبية طرابلس، إلا أن هذه الانسحابات لم تكتمل، ولا يبدو أن انسحابها قد تم في إطار أشمل يعالج مصادر الانفلات الأمني، ولا تزال هذه المصادر بمثابة دواع قد تؤدي لاستمرار الانفلات.

ومهم أيضا في نفس الإطار أن ندرك مآل هذا الانفلات؛ حيث ينذر بخضوع ليبيا لشكل سافر من أشكال التدخل الخارجي؛ فلا تزال ليبيا تقع تحت طائلة البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يسمح بالتدخل الأجنبي لحماية المدنيين، وهي الذريعة التي تدخل بموجبها حلف الشمال الأطلسي لإسقاط نظام القذافي تحت مظلة قرار مجلس الأمن رقم: 1973، وبخاصة مع فشل/إفشال الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي في التعامل مع الوضع الليبي.

 

الانفلات الأمني كمحصلة نهائية

 

إذا كانت مصر قد شهدت ترتيبا عسكريا لإجهاض ثورتها، فإن وضع بقايا نظام العقيد معمر القذافي مختلف نوعيا، حيث لا جيش في ليبيا يمكنه فعل ذلك، وهو ما ترتب على نمط الإطاحة بنظام العقيد، حيث إن محاولته توظيف قواته الأمنية في ضرب الربيع الليبي أدى إلى تفتت هذه القوات، وانقسامها بين الميليشيات، التي لا يزال بعضها على صلة عشائرية بترتيبات النظام القديم، بينما تفرقت القوة المتبقية بين القبائل الليبية والأطروحات الأيديولوجية.

 

وبشكل عام، يمكن الإشارة إلى أن تأزم الوضع الأمني في ليبيا وتصاعد وتيرة العنف يعود إلى غياب تلك السلطة المركزية القادرة على استرجاع خيوط القوة التي تناثرت في شتى أرجاء المجتمع الليبي بعد الإطاحة بنظام القذافي، حيث إن السلطة الراهنة لا تحظى بإجماع كل الليبيين. غير أن هذا التخبط السياسي الظرفي يمثل السبب العام، لكن السبب المباشر للفشل في فرض الأمن على كامل التراب الليبي يتمثل في ضعف قدرة الحكومة المركزية على مواجهة انتشار الميليشيات مختلفة الانتماءات، والتي بلغ عددها بحسب مراقبين إلى قرابة 1700 ميليشيا، وهذه الميليشيات تحاول خلق توازنات سياسية قائمة على أساس امتلاكها القوة المسلحة. وهو ما يستدعي الوقوف على مساعي التوازنات قيد التشكل، لتقدير مستقبل تلك الرؤية التي تفيد بأن الانفلات الأمني الذي تشهده ليبيا ربما يكون بداية سيل عنف مرتقب.

 

وإذا كانت دول الربيع العربي قاطبة تعاني من دور سلبي للعامل الخارجي، فإن ليبيا ليست استثناء، حيث يشير المراقبون وحتى السياسيون الليبيون إلى أن القوى الغربية رافد مهم من روافد تغذية هذا الانفلات الأمني، حيث تدرك هذه القوى ضعف القدرة الضبطية للسلطة الليبية، ومع ذلك كانت شحنات السلاح تصل إلى كل مطاراتها بعلم جميع الدول وبشهادة الأمم المتحدة التي أصدرت تقريرا حول هذا الأمر في ديسمبر 2012، من دون أن يثير هذا النشاط أي رد فعل ضبطي من أية دولة تقوم شركات السلاح فيها بتصدير هذا السلاح للأطراف الليبية.

 

ميليشيات تخدم من؟

 

يمكن النظر للتوازنات قيد التشكل في ليبيا باعتبارها تجليا لحالة تعددية قوية تسود المجتمع الليبي، وهي تعددية قد تفضي إلى مجتمع قوي ودولة قوية، أو قد تؤدي لتفكك الدولة الليبية في النهاية. وتجليات هذه التعددية تتمثل فيما يلي:

 

أ – التعددية الجهوية: إن تصور الدولة الموحدة البسيطة ليس التصور الأمثل بالنسبة لكل الليبيين، فهناك من يرى ضرورة أن يكون هناك وضع مستقل نسبيا لبعض ولايات ليبيا، مثل منطقة برقة ومنطقة فزان. فهاتان الولايتان لديهما تصور مختلف حول كيان ليبيا، يقوم على شكل من أشكال الفيدرالية، ويرتبط جزئيا بخبرة تعامل هذه الأقاليم مع نظام العقيد الذي أعلى من الاهتمام بالمركز وقام بتهميش الأطراف وتجاهلهم نسبيا في خطط التنمية القومية.

 

ب – التعددية ذات الجذور القبائلية: يلفت المراقبون للوضع الجزائري أيضا لوجود عدة ميليشيات تختلف عن الميليشيات الجهوية في أنها ذات انتماء عشائري وقبائلي أصبحت تعتبر نفسها المحتكر الشرعي للسلطة وللقوة المسلحة في منطقتها. وقد ساهمت السلطات الانتقالية الليبية في إضفاء قدر من الشرعية على وجود هذه الميليشيات، حيث أوكلت السلطات الانتقالية إلى قيادات هذه الميليشيات مهمة مراقبة الحدود والسجون والمنشآت الإستراتيجية، كما وزعت منحا مالية على المقاتلين الذين ورثوا ترسانة عسكرية كبيرة في نهاية عملية الإطاحة بنظام العقيد؛ وهو ما أضفى على هذه الميليشيات قدرا من الشرعية ومنحها بعض الظن بإمكان الإفلات من العقاب.

 

ج – التعددية ذات الأصول الأيديولوجية: ولا يخلو المشهد الليبي من حضور لمساحة عريضة متعددة الأطياف من التيارات السياسية، التي شاركت في جهود الإطاحة بنظام العقيد، وهي العملية التي أمدتها بتراكمات سلاح. ويرى قطاع من هذه التيارات أن دور السلاح في الثورة لم ينته، وأنه يجب الانتظار إلى حين الانتهاء من بناء مؤسسات الدولة. ومثل هذا الطرح يثير مخاوف أن يعمل هؤلاء على إملاء إراداتهم السياسية فيما يتعلق ببناء الدولة نفسها؛ وإلا فإن السلاح سيحسم تباينات الرؤى، أو أن يقود تشبث هؤلاء برؤاهم إلى توقف بناء مؤسسات الدولة التي لن تحوز الشرعية من وجهة نظرهم ما لم تمتثل لتصوراتهم.

 

إن علاج هذه المصادر المسببة للانفلات الأمني ينبغي أن يتم وفق إطار حوار داخلي؛ يعي خطورة أن يحدث في ليبيا تدخل يؤدي لعرقنتها (تكرار النموذج العراقي فيها) على أرضية تختلف عن نموذج عرقنة لبنان القائم على مواجهات بين السنة والشيعة بالوكالة عن قوى إقليمية أخرى. فالمشهد الليبي قد يجر قوى عالمية متعددة شرقية وغربية تحت ذرائع شتى؛ قد تبدأ غربية بدعوى حماية المدنيين وتنتهي عالمية لأغراض إستراتيجية تستوعب تدخلات روسية يتم استدعاؤها لمواجهة تغولات القوى الليبية على بعضها بفعل الدعم الغربي.

 

مظاهر تفلت ستتغير ثقافيا

 

ويبقى بعد ذلك ما يطرحه البعض من أن ما تم من انضواء الميليشيات المسلحة تحت إمرة الجيش حتى هذه اللحظة لا يعدو أن يكون انضواء صوريا هو أقرب ما يكون إلى صورة التعاون منها إلى صورة المؤسسة العسكرية المنضبطة بهيراركيتها المعروفة كثقافة للمؤسسة العسكرية. غير أن هذه الظاهرة يمكن اعتبارها ظاهرة ثقافية ستختفي مع تجذر مكانة الجمهورية الجديدة في ليبيا، لكنها تنتظر شرطا سياسيا بالغ الأهمية، ألا وهو انتفاء مصادر تهديد الوحدة الليبية على أي أساس كان، وهو ما يجعل لهيبة السلطة مردودها في تفكيك ثقافة الميليشيا واستبدالها بثقافة الدولة القومية.

 

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان