رئيس التحرير: عادل صبري 05:43 صباحاً | الجمعة 19 أبريل 2024 م | 10 شوال 1445 هـ | الـقـاهـره °

سيناريو الجزائر يخيم على مصر بـ"استراتيجية التوتر"

سيناريو الجزائر يخيم على مصر بـاستراتيجية التوتر

ملفات

مرسى والسيسى وبوتفليقة

أخطر الآليات "تعويق الحوار"..

سيناريو الجزائر يخيم على مصر بـ"استراتيجية التوتر"

فئوية المؤسسة العسكرية قد تدفعها لتوليد العنف لتتمكن من السيطرة

وسام عبد المجيد 20 نوفمبر 2013 17:31

في إطار تناولنا المعمق لخبرة الانقلابات العسكرية على مستوى العالم أجمع، فإن نموذج الجزائر لا يعد نموذجًا كاشفًا وحسب، عن وجود أنماط مصالح، وخلاف في الرؤية السياسية حول مستقبل الدولة وشكل نظامها السياسي وتوجهاتها العامة، وبخاصة توجهاتها على صعيد المصالح السياسية، أيضًا كانت خبرة النموذج الجزائري كاشفة لدور تكوينات داخلية في المجتمع الجزائري، لكنها لم تكن تكوينات جزائرية، ساهمت إلى حد كبير في وضع حد للتجربة الديمقراطية الوليدة، فشركات النفط التي دعمت انقلاب الجزائر لا يهمها تجربة الجزائر في الديمقراطية، بل إن سيادة القانون قد تعرقل عملها وتعوق مصالحها التي يكون من الأسهل حيالها وجود نخب محدودة ونظام سياسي مغلق يسهل تلبيس المصالح عليه، بقدر ما تسهل رشوته، إن اقتضى الأمر.

 

وفي هذه السطور، نسلط الضوء على استراتيجية التوتر، كأحد أبرز الاستراتيجيات التي اعتمدت عليها القوات المسلحة الجزائرية.

 

استراتيجية التوتر وتوليد العنف


تدخل المؤسسة العسكرية بالانقلاب في الجزائر كمثال محفز للعنف نجم عن رافدين أساسيين، فمن ناحية، نجد أن الانقلاب الجزائري أدى لشعور قطاع واسع من المواطنين بهدر أصواتهم، وفقدانهم لإرادتهم السياسية؛ أو تهميش هذه الإرادة لصالح نخبة قليلة العدد تمتلك تصورًا مخالفًا لنسبة تبلغ 88% ممن لهم حق التصويت؛ هي تلك النسبة التي ذهبت بأصواتها لجبهة الإنقاذ في انتخابات الجزائر في باكورة 1992.

 

لم يقف الأمر عند هذا الحد، فسوء معاملة القوات التي انتشرت في المدن الجزائرية للمواطنين الذين اشتبه في علاقتهم بجبهة الإنقاذ أو حتى الحركات الأكثر وسطية منها كحركة مجتمع السلم الجزائرية التي تمثل فرعًا لجماعة الإخوان في الجزائر، وما ارتبط بهذه المعاملة السيئة من محاكمات عرفية تقضي بالإعدام، أو حتى القتل على الهوية من دون محاكمة.

 

هذه الاعتبارات جميعها دفعت قطاعًا واسعًا من الشباب الجزائري المتدين للجوء إلى الجبال، ليلتحق بأول جماعة تقابله في الطريق، فينضم لمجهودها "الجهادي" الذي لم يكن "جهاديًا" بقدر ما كان "احتجاجيًا" على نحو ما وصفه الصحافي والمستشرق الفرنسي فرانسوا بورجا الذي كان أول من صك مصطلح الإسلام السياسي.

 

اغتصاب الفتيات وتجنيدهن


وإذا تركنا فرانسوا بورجا الفرنسي لنعود لشهادة ضابط القوات الخاصة الجزائرية حبيب سويدية، سنجده يعطينا سببًا آخر أدى لإزجاء النار، وسكب المزيد من الوقود عليها، حيث تحولت المدن الجامعية للفتيات (المواقع السكنية المسورة التي تقصدها الفتيات المغتربات للسكنى حال انتقالهن للتعليم بجامعة مدينة غير مدينتهن).

 

يروي سويدية في شهادته الموثقة، أن ضباط المؤسسة العسكرية كانوا يتصيدون الفتيات الملتزمات للحصول على منفعة مزدوجة، فمن ناحية، كان هؤلاء الضباط يقومون باغتصاب هؤلاء الفتيات لأجل المتعة.

 

 ومن ناحية ثانية، كانوا يستخدمون فيديوهات الاغتصاب في إكراه الفتيات على التجسس على محيطهن الجامعي، وهو ما تكشف بعد فترة ليست بالكبيرة ليترك جرحًا هائلاً في كرامة أهل المناطق غير الحضرية في الجزائر، مما ساهم في إزجاء العنف وتوسيع نطاقه.

 

 

وهكذا، فإن ممارسات العسكر الجزائريين في المجال الأمني، دفعت بقطاع واسع من المواطنين الجزائريين للكفر بمعنى الجزائر كوطن، وانخرطوا في تيار عنف أضر بالجزائر، وعاد بها قرونًا للوراء على كل الأصعدة: الإنسانية والاقتصادية -الاجتماعية والسياسية.

 

رعاية العنف وتأليب العسكر


لم يقتصر العنف الجزائري على نمط رد الفعل على العنف المفرط للسلطة، بل يشير عدد من شهادات الضباط والإعلاميين ورجال الأعمال وحتى الساسة، إلى أن الجماعات التي كانت تمارس العنف كانت تتلقى عونًا استخباراتيًا من قيادات عسكرية ادعت أنها مجبرة على الخدمة العسكرية، وأنها تمرر هذه المعلومات للجماعات الجهادية رغبة في مساعدتها، لتحقيق النصر المادي أو المعنوي الذي سيضر بالقيادات "الفاجرة" للعسكر، وكانت عملية مطار هواري بومدين، من أبرز العمليات التي تمت بدعم عسكري لوجستي واستخباراتي.

 

التضحية بعسكر لأجل إشعال الموقف


لو كان المدنيون ضحايا العسكر، لكان للأمر بعد فئوي، لكن ما يجعل الأمر مصلحة نخبة وحسب من الجيش الجزائري، ما ترويه بعض الشهادات، من تقديم قيادات بأجهزة الوحدات الخاصة بمكافحة الإرهاب، التي أسسها الجنرال محمد لعماري، معلومات مضللة لبعض وحدات الجيش الجزائري، أدت هذه المعلومات إلى وقوع هذه الوحدات ضحية لكمائن أعدتها لها بعض جماعات العنف الجزائرية، وهي مجموعة من العمليات النوعية التي كان مخططًا لها للتعامل مع الروح المعنوية المتدهورة لجنود القوات المسلحة الجزائريين الذين كانوا ساخطين من ضرب مواطنيهم، وكان الهدف من مثل تلك العمليات إقناع ضباط وجنود القوات المسلحة بأن ما يحدث هو محاولة لاستئصال الجيش، وأن التهاون مع هذه الجماعات لن يكون له من ثمن سوى التعرض للموت، أو ما هو أبشع (أن يتم أسرهم وهم على قيد الحياة)، وهي العمليات التي كان يروى عنها الأساطير.

 

انتحال صفة جماعات العنف


كان انتحال صفة جماعات العنف عملية نوعية مستدامة تمارسها قطاعات من العمليات الخاصة، تعمد فيها عناصر هذه الأجهزة، ارتداء كل ما من شأنه أن يوحي بأن صاحب هذه الهيئة منتمٍ لجماعات العنف، والتي تقوم بجمع إتاوات أو الضغط للحصول على معلومات، أو معاقبة أحد السكان بأي تهمة، وكان الهدف هو إثارة حنق الجماهير على الجماعات الجهادية، وهو ما كان يمثل الجناح الثاني من استراتيجية التوتر، الذي هدفت منه المؤسسة العسكرية الجزائرية لتحقيق أمرين، أولهما إكساب المواجهة مع الإسلاميين طابع المواجهة الشرعية، بالإضافة إلى تحويل المجتمع بالكامل إلى مساند بالمعلومات والكراهية ضد الجماعات الإسلامية.

 

أخطر الآليات: تعويق الحوار والتوافق


أعقب الانقلاب في الجزائر نشوب حرب أهلية مدبرة، ذهل الجزائريون عندما سمعوا أن المؤسسة العسكرية الجزائرية قدرت إجمالي ضحاياها بقرابة 60 ألف جزائري، كما فوجئوا بانتواء بتوجه الرئيس محمد بوضياف، لاستئصال الإسلاميين بناء على اعترافات حارسه الشخصي الذي قتله، ثم سلم نفسه بعد سويعات من اغتياله، أدرك المجتمع الجزائري عمق الهوة التي بلغها بتأييده الانقلاب، وبتشجيعه حدوث الاستقطاب، فعمدوا إلى بناء حالة حوارية بدأت بعقد عدة مؤتمرات حوارية ثم توافقية في العاصمة الإيطالية روما منذ عام 1994.

 

ويرى د.محمد شلبي الأستاذ بجامعة قسنطينة، في كتاب له يوثق خبرة الوفاق، أن القادة الأعلى في جبهة الإنقاذ الجزائرية: علي بلحاج وعباسي مدني، بذلا جهودًا كبيرة لأجل إنهاء الحرب والدخول في علاقة حوارية مع كل الفرقاء السياسيين، وأنه مع بدء مؤتمر روما للوفاق تم وضعهما قيد الإقامة الجبرية، ولم يخرجا إلا بعد أن تبنى "علي بلحاج" مرة أخرى خطابًا متشددًا ضد عملية الوفاق.

 

فخبرة الوفاق التي كان من المفترض بها أن تقود المجتمع الجزائري لخارج حالة الحرب الأهلية، كانت تجابه بحرب شرسة من الأجهزة الأمنية والعسكرية الجزائرية، فتعمل على منع الطرف الإسلامي من المشاركة فيه، وتضعه قيد الإقامة الجبرية لمنعه من التواصل مع الوفاقيين من الأساس، ثم تسرب إليه من يزوده برؤى مغلوطة ويتعرف على خطابه إثرها، ولم يكن يتم الإفراج عنهما إلا بعد أن يصدر عنهما خطاب يعصف بإمكانية انخراطهما في علاقة توافق.

 

استمرت الحرب الأهلية الجزائرية تسع سنوات تكبد خلالها المجتمع الجزائري خسائر جسيمة، لجأ إثرها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى إصدار قانون "الوئام المدني" الذي صب الاتهام والجزاء على كاهل الجماعات الإسلامية، متجاهلاً مسؤولية العسكر عما آل إليه حال الجزائريين بعد عقد من استخدام العنف ستارًا لنهب ثروة الجزائر.

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان