رئيس التحرير: عادل صبري 11:10 مساءً | الجمعة 19 أبريل 2024 م | 10 شوال 1445 هـ | الـقـاهـره °

بشير عبد الفتاح: الفلول استغلوا الاستقطاب

بشير عبد الفتاح: الفلول استغلوا الاستقطاب

ملفات

الدكتور بشير عبد الفتاح

الإعلام غير المسؤول وراء تعميق الأزمة..

بشير عبد الفتاح: الفلول استغلوا الاستقطاب

قيادات القوات المسلحة والإخوان تريد الحوار والإعلام غير المسؤول يكرس الوقيعة

أجرى الحوار- وسام فؤاد: 14 نوفمبر 2013 17:37

حول الوضع الراهن في مصر والفرص السياسية المتاحة للخروج من الأزمة التي تعيشها مصر، كان لقاء "مصر العربية" مع الأكاديمي المصري الدكتور بشير عبد الفتاح، رئيس تحرير مجلة الديمقراطية الصادرة عن مؤسسة الأهرام الإعلامية، ومحاضر العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية.

 

ففي الجزء الأول من حواره مع مصر العربية، اعتبر عبد الفتاح أن مصر تشهد استقطابا حادا؛ وأن الفراغ الناشئ عن هذا الاستقطاب أدى لدخول لاعبين اثنين بارزين في المشهد السياسي؛ المؤسسة العسكرية ونخبة نظام الرئيس الأسبق مبارك، حيث أدت تداعيات الاستقطاب لشعور المواطن بأن خلاصه يكمن في عودة المؤسسة العسكرية للحكم، كما رأى فلول الحزب الوطني المنحل أنه بإمكانه ملء الفراغ السياسي الناشئ عن الاستقطاب، ومن ثم العودة بآليات وصور جديدة.

 

كما رأى عبد الفتاح أن هذا الاستقطاب أدت إليه عدة عوامل، على رأسها عدم وجود قيادة لثورة 25 يناير ولا برنامج عمل لما بعد سقوط النظام، بالإضافة إلى عدم تجذر ثقافة الديمقراطية في الوعي السياسي المصري؛ بما تحويه هذه الثقافة من قيم التسامح والتعددية. وتمثل العامل الثالث في وجود إعلام غير مسؤول عوق جهود التوافق والحوار، وأخيرا هناك تأثيرات حداثة العهد بالفاعلية السياسية. فإلى الحوار.

 

*مصر العربية: د. بشير، كيف ترى الوضع الراهن في مصر؟ وما تقييمك المبدئي للاستقطاب الحادث فيه وتداعياته؟

**د. بشير عبد الفتاح: يستحق الوضع السياسي المصري أن نطلق عليه كونه وضعا استقطابيا، ذلك الاستقطاب نشأ نتيجة تحول شركاء ثورة يناير إلى فرقاء يتصارعون على السلطة؛ بعد أن كان مصدر شراكتهم وتوحدهم هو التطلع والعمل على إسقاط نظام الرئيس الأسبق مبارك. مصدر الشقاق الحاصل في المشهد المصري الراهن هو الاختلاف حول وجهة الدولة المصرية بعد مبارك، حيث أصبح لدينا توجهان أساسيا أحدهما إسلامي والثاني علماني، وما بين هذين التوجهين نشأت حالة فراغ تحرك العسكريون لملئها، كما تحرك رجال عهد مبارك لملئها أيضا. وقد تشجع الفاعلان العسكريون ورجال عهد مبارك بسبب ما رأوه من انعدام في القدرة على الاتصال والحوار والالتقاء ما بين التوجهين الإسلامي والعلماني، حيث بدا أن الطرفين الأخيرين يفتقدون للقدرة على الالتقاء والتوافق، ويفتقرون لقيم التسامح وسائر الأبجديات القيمية والثقافية اللازمة لإقامة نهج ديمقراطي.

 

برأيي أن الاستقطاب الذي حدث عزز من قدرة فريقين أساسيين على التحرك السياسي. الفريق الأول تمثل في العسكر. فعند وصول شركاء ثورة يناير لمفترق الطريق، بدا للمواطن المصري وكأن العسكريون هم من بأيديهم خلاص البلاد مما آلت إليه من احتقان واستقطاب، وأنهم خط الدفاع الأخير عن الدولة، وكان طبيعيا أن تطرح المؤسسة العسكرية نفسها كبديل للقوى السياسية، أو على الأقل تعمل للاحتفاظ بمساحة واسعة من الامتيازات التي تتمتع بها.

 

الفريق الثاني الذي حاول انتهاز فرصة الاستقطاب تمثل في فلول نظام ما قبل 25 يناير الذي يحاولون جمع صفوفهم مرة أخرى، والتحرك لملء الفراغ السياسي الكائن، معتمدين في ذلك على قدراتهم التنظيمية الهائلة، وقدرتهم العالية على اختراق الدولة، بالإضافة إلى وعود بإمكانهم تقديمها عجز الآخرون عن تحقيقها. ولذلك، أنا اتصور أنه ما لم تشهد الانتخابات البرلمانية القادمة إقصاءا للإسلاميين، فإنهم لن يحصلوا على نفس نسبة المقاعد التي حصلوا عليها من قبل، ليثور التساؤل: لمن سيؤول نزيف المقاعد ونزيف الحضور السياسي؟ والجواب أنها لن تؤول بالضرورة للقوى العلمانية التي شاركت في ثورة 25 يناير، بل قد تؤول جميعها للحزب الوطني الذي قد يعود في صور مختلفة ترتبط بأنماط تحالفات وشبكات تنظيمية معقدة، وقد تكون عودة الحزب الوطني متمثلة في نشأة أحزاب جديدة تستوعب رجال الحزب الوطني القديم، أو قد تتمثل في اتجاه أحزاب قائمة بالفعل نحو استيعاب عائلات بعينها كانت محسوبة على الحزب المنحل؛ لكنها تمتلك قدرات تمويلية وتنظيمية هائلة في الانتخابات.

 

إذن الاستقطاب الحاصل لن يخدم ثورة 25 يناير، بل يصب في صالح عودة نظام ما قبل 25 يناير، إما من خلال تحالف عسكري – علماني يضم الطبقة الكمبرادورية من رجال الأعمال، أو يصب في صالح عودة النظام السابق على ثورة يناير بآليات وصيغ مختلفة.

 

*مصر العربية: بتقييمك، لماذا فشل فرقاء اليوم في الوصول إلى توافق حول الديمقراطية كإطار لإدارة مرحلة ما بعد الثورة، حتى ولو كان التوافق يتم بالتعامل مع الديمقراطية باعتبارها إجراءات تضمن بناء الدولة العادلة، وليس باعتبارها إطارا مرجعيا، وهو الإطار الذي قد يرفضه قطاع من الإسلاميين؟

**د. بشير عبد الفتاح: هناك عدة عوامل أدت لهذه النتيجة، أولها الافتقاد إلى قيادة تلتف حولها الثورة. ولعل عامل غياب القيادة هو ما جعل علماء السياسة يتوقفون طويلا قبل أن يقوموا بتوصيف ما حدث في مصر: هل هو ثورة أم هبة جماهيرية أم ثورة منقوصة أم شبه ثورة. فغياب القيادة والبرنامج وسيناريو اليوم التالي للثورة كان مصدر قلق. وما كان مصدر فزع لي أنا شخصيا هو أن الانسحاب من الميدان بمجرد أن يقوم الرئيس مبارك بالتنحي، وكان ذلك أول مؤشر على وجود ثغرة كبيرة في هذه الثورة، حيث بات المشهد وكأن المصريون يريدون القيام بنصف ثورة. فغياب القيادة والبرنامج كان مصدر تصدع تماسك الكتل التي شكلت بنية هذه الثورة.

 

العامل الثاني الذي سبب غياب إمكانية حدوث مثل هذا التوافق، أن ثقافة الديمقراطية لم تكن قد تجذرت في المجتمع المصري طيلة الفترة الماضية، وكان البعض يختزل الديمقراطية في إجراءات مثل الانتخابات ودوائرها، والدستور، وعدد الأحزاب بصرف النظر عن القدرات الحقيقية لهذه الأحزاب في المنافسة السياسية والحضور في الشارع وبناء كوادرها وتربيتهم سياسيا، وإهمال جوهر الديمقراطية المتمثل في ثقافتها التي تحوي قيم التسامح التعددية وقبول الآخر وضرورة التوافق. فالديمقراطية في أحد أبسط معانيها هي الإدارة السلمية المدنية للاختلاف من خلال الحوار ومن خلال التوافق؛ حيث الممارسة الديمقراطية القويمة تقتضي دوما التحرك للتوافق على حلول وسط تجعل الجميع رابحا، هذا للأسف لم يكن موجودا؛ بل كان المطروح دوما هو النظر للتفاعلات السياسية باعتبارها مباراة صفرية Zero-Sum game حيث يكون منتهى العملية السياسية فوز طرف وخسارة طرف آخر أو إقصائه. للأسف أنا أرى أن ثقافة العبيد السياسية تسود، فنجد نموذج الحزب الوطني يتكرر؛ حيث يقوم من في السلطة بالهيمنة ومن ثم بإقصاء الآخرين، حيث لا يرغب في السماح بوجودهم ضعافا؛ بل يقوم بإقصائهم خشية أن تدور عجلة السياسة فيحلون محله في السلطة. هي نفسها ثقافة دولة الفراعنة، التي تتشكل من محو السابقين، واحتكار مراكز السلطة، ونسبة الإنجازات السابقة للذات وسلبها عن الآخرين.

 

العامل الثالث الذي أدى لتراجع إمكانية حدوث التوافق الوارد بسؤالك تمثل في غياب الإعلام المسؤول الوطني الذي يعمل على تمهيد الأجواء للتوافق ويردم الفجوة ما بين الفرقاء، بل على العكس؛ تجد أن الإعلام يغذي فكرة إقصاء الآخر وشيطنة الآخر، حيث نجد أن الإعلام المصري تخلى عن فكرة شيطنة مبارك ونظامه؛ وبدأ في شيطنة فصيل من الفصائل التي شاركت في الثورة وهم الإسلاميين، وبخاصة فصيل مثل جماعة الإخوان المسلمين، من دون الإيمان بإمكان تقويم الفشل. كان يمكن للإعلام المصري أن يناقش قضايا الفشل، والعناصر التي أدى غيابها لافتقاد النجاح. فليس معنى إخفاق فصيل في أدائه أو كونه اجتهد فأخطأ أن أحكم عليه بالإعدام، بل هناك دوما إمكانية لتغيير المسار والمراجعة أو النقد الذاتي أو التوبة. من هنا، فإن الإعلام المصري لم يساعد على توفير الأجواء التي تهيئ المجتمع لحدوث توافق.

 

وقد بلغ الأمر أني اقتربت من قيادات التيار الإسلامي ومن قيادات المؤسسة العسكرية المصرية، فوجدت أن قيادات المؤسسة العسكرية المصرية لديها استعداد للتوافق. صحيح أنه قد يطرح البدء من تاريخ 04-07-2013، لكنه يعلن رغبته في أن يخرج الناس جميعا للمشاركة وخوض الانتخابات مجددا، ويبقى سر تمسكه بتاريخ 04-07 تخوفات الكثيرين من فتح ملف ما قبل هذا التاريخ. وكذا الإسلاميون ليس لديهم من حدوث الحوار والتفاوض والتوافق، وإن كان بشروط معينة تتمثل في خروج الرجل (الرئيس السابق محمد مرسي) بكرامة ليعلن أنه سيدعو لانتخابات مبكرة او ليبارك خارطة الطريق هذه ويعتمدها.. إلخ. لكنك في النهاية تجد أن الإعلام لا يساعد في حدوث هذا التوافق؛ لدرجة أن إقدام أي رمز على طرح مبادرة يعقبه اتهامه بأنه "طابور خامس" أو "خلية إخوانية نائمة". هذا الدور الخطير للغاية الذي يلعبه الإعلام دفعني شخصيا للتشكك في نوايا المؤسسات الإعلامية التي تلعب هذا الدور.

 

*مصر العربية: في محاولة لمعالجة حالة الاستقطاب في المشهد المصري، يقدم بعض رموز العمل السياسي المصري وبعض المثقفين المصريين فكرة الكتلة الثالثة؛ ليس كمحاولة لتجسير الهوة؛ حيث يبدو من كتابات هذه الكتلة أنها لا تؤمن بإمكانية تجسير هذه الفجوة، وإنما يطرحون الكتلة الثالثة كبديل لملء الفراغ الناجم عن الاستقطاب. كيف ترى إمكانية الكتلة الثالثة وما ملامح الوصول إليها؟

**د. بشير عبد الفتاح: بداية، أنا أود أن أضيف لإجابتي على سؤال السابق عاملا رابعا أراه مهما إلى حد كبير في منع الوصول إلى التوافق الذي كنا نأمله. هذا العامل هو حداثة العهد بالتجربة الديمقراطية. لو تحدثنا بصورة أكثر عمقا عن أول برلمان شهدته مصر في القرن التاسع عشر وحتى ثورة 1952 وما بعدها، لم يعتد المصريون على ممارسة الحياة السياسيةن حيث كان ثمة دوما حزب مهيمن أو حزب واحد ذو قبضة حديدية تحكم البلاد. فما نتج عن ثورة 1952 تمثل في اجتماع شركاء ثورة 1952 في غرفة واحدة ليديروا امور الوطن بينهم وبأنفسهم؛ حيث لم يعد ثمة قائد يفرض عليك أوامر من أعلى قد تكون دستورا أو نمطا لإدارة الدولة. فثورة يناير 2011 أطاحت بالمارد الذي كان يفعل هذا، وبين عشية وضحاها أصبح المجتمع نفسه هو المسؤول عن إدارة الدولة بدون سابقة. فلأول مرة نتحدث هنا عن قانون لتنظيم التظاهر، ولأول مرة نتحدث عن محاكمة رئيس، ولأول مرة نتحاور بشأن مفهوم العدالة الانتقالية وكيفية تطبيقه، ولأول مرة نتحدث عن مصالحة وطنية. لقد كنا خارج نطاق السياسة أو بعيدين عن السياسة، ولأول مرة نطبق السياسة بحذافيرها. فلأول مرة ترد علينا فكرة انتخابات حرة، ولأول مرة نجلس معا لكي نقوم بإعداد دستور للبلاد؛ حيث كان الدستور قبل ذلك يهبط علينا من علٍ، ولأول مرة تطرح فكرة تأسيس حزب جديد بدون رقابة مجلس الشورى، ولأول مرة تطرح علينا مسألة الكتلة الثالثة التي طرحت التساؤل حولها.

 

نحن شعب برغم عمقه التاريخي والحضاري، وبرغم أنه كان سباقا في ولوج ساحة الممارسة الديمقراطية منذ أمد بعيد بتشكيل برلمان منذ أكثر من مائة سنة، إلا أن ممارستنا الديمقراطية كانت شكلية صورية، ولأول مرة يكون للمواطن المصري دور سياسي حقيقي، ولهذا؛ فإن الاختبار صعب. فالمصريون مطالبون اليوم بتأسيس نظام سياسي شامل من بدايته وحتى منتهاه، بينما ظلوا طيلة عمقهم التاريخي متفرجون وحسب على المشهد السياسي، وفجأة طلب منهم أن يكونوا لاعبا أساسي في هذا المشهد. هذه نقطة لها تأثير سلبي للغاية على عملية بناء توافق. فبرغم أن هذه الخبرة بها ما هو واعد تحت لافتة البدء من جديد، إلا أنها بداية مثقلة بأعباء العجز والإخفاق على مدار سنوات طويلة.

مصر العربية: نعاود طرح سؤال الكتلة الثالثة في الحلقة القادمة من الحوار مع د. بشير عبد الفتاح.

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان