رئيس التحرير: عادل صبري 09:24 مساءً | الخميس 18 أبريل 2024 م | 09 شوال 1445 هـ | الـقـاهـره °

فيديو.."النوبة".. جرح غائر في قلب الجنوب

فيديو..النوبة.. جرح غائر في قلب الجنوب

ملفات

عملية التهجير للنوبيين

الحلقة 3..

فيديو.."النوبة".. جرح غائر في قلب الجنوب

سارة على 19 أكتوبر 2013 15:52

"نعتقد أن عملية التهجير أو عملية النقل من هذا المكان ستكون عملية مركزة منظمة مريحة لكم جميعًا؛ لتنتقلوا من هذه القرى التي عشتم فيها إلى مناطق جديدة تشعرون فيها بالسعادة، وتشعرون فيها بالحرية، وتشعرون فيها بالرخاء. وستكون هذه فرصة لكم للاشتراك أيضًا في النهضة الصناعية التي نسير فيها اليوم، فلن يكون العمل مقتصر على الزراعة، ولكن سيكون العمل مقتصرًا على الزراعة والصناعة".

 

كلمات رددها الزعيم الراحل جمال عبد الناصر في الحادي عشر من يناير عام 1960م، عندما خطب في أهالي النوبة بمدينة أبو سمبل.

وعود وآمال وطرق مفروشة بالورود رسمها الزعيم الراحل لأهالي النوبة، لم يجدوا لها سبيلاً على أرض الواقع، وعلى الرغم من مرور 50عامًا على ذكرى تهجير أهالي النوبة من أراضيهم إلا إنك عندما تتحدث معهم تشعر أن الجرح لم يندمل بعد، وكأن لسان حالهم يقول: "أحس الغربة رغم الدار ورغم الجار وحيد في غربتي ومنفي.. أسافر بي مراكب الشوق وفي اللجات أصارع الليل".

 

" كان زي يوم القيامة، كله كان بيصرخ وبيبكي" بهذه العبارة وصف دهب كبارة، من أهالي قرية أبو سمبل، اللحظات التي عاشها هو وأهل قريته أثناء التهجير، مضيفًا، "الشخص عندما يقرر أن يترك منزله ويذهب لمكان آخر بيشعر بقلق كبير، فما بالك عندما نهجر من موقع آبائنا وأجدادنا، والمكان الذي شهد مولدنا وصبانا وشبابنا".

 

وأمضى قائلًا: "مازالت معالم النوبة القديمة موجودة في أذهاننا حتى الآن، على الرغم من أنها غارقة تحت مياه النيل".

 

ويروى لنا كبارة اللحظات التي مر بها هو أهل قريته أثناء التهجير، قائلًا: " حاول كل أهالي القرية أن يحملوا معهم قدر المستطاع اهم ما لديهم من أثاث ومقتنيات"، مشيرًا إلى أن البعض ترك معظم مقتنياته لعجزه عن حملها.

وتابع في حزن شديد: "خرج كل أهالي القرية في وقت واحد ولا أحد منهم يستطيع أن يقدم المساعدة لغيره، ونقلتنا البواخر إلى منطقة السد العالي ".

 

وأضاف كبارة، بعد نزولنا من البواخر، إلى منطقة السد العالي، وجدنا عربات نصف نقل تابعة للحكومة، عملت على نقلنا إلى مناطق التهجير بكوم أمبو المهجر.

 

يقول كبارة: "عندما ذهبنا إلى كوم أمبو، الناس ظلت تبكي ليل نهار، مما وجدناه من واقع مرير، فهناك القليل من المنازل كانت جاهزة للسكن، لكن على الجانب الآخر كان الكثير من المنازل لم يتم الانتهاء من تشطيبها، فضلًا عن أن البعض من أهالي النوبة وجد منزله عبارة عن خطوط مرسومة بالجير على الأرض، وقال لهم المسؤولون في ذاك الوقت، هذا مكان منزلكم الجديد الذي سوف يتم بنائه".

 

وتابع كبارة قائلًا: "واضطر هؤلاء الناس لعمل خيام من البطاطين الخاصة بهم وظلوا على هذا الوضع شهور طويلة حتى انتهت الدولة من بناء منازلهم "، لافتًا إلى أن الدولة لم تهتم بإعطائهم خيام أو تسكينهم في أماكن بديلة بشكل مؤقت.

 

التعويضات

 

وصف كبارة، التعويضات التي قامت الدولة بدفعها في ذاك الوقت لأهالي النوبة، بالظالمة، مشيرًا إلى أن الناس وقتها لم تستطع أن تتكلم أو تعترض.

 

يقول كبارة، إن الدولة وقتها قامت بتقدير سعر النخلة الواحدة، بسعر 10 صاغ، مشيرًا إلى أن هذا النخل كان يعيش عليه أهالي النوبة طوال العام.

 

وحول أسعار المراكب قال كبارة، " المركبة الواحدة بشراع قدرت وقتها بسعر 4 جنيهات " فضلًا عن أن ماكينة الطاحون الذي كان يملكها، و التي كانت بتعمل في اليوم بصافي ربح 100 جنيه يوميًا، قدرتها الدولة من جانبها بسعر 150 جنيهًا.

 

وحول التعويض عن الأراضي الزراعية قال: "بعد التهجير قامت الدولة بتعويضنا عن الفدان الذي يصل إلى 24 قيراط، بـ 18 قيراط، أي أنها خصمت من الفدان الواحد 6 قراريط "، فضلًا عن أن الحد الأدنى من تعويض الأراضي كان لا يزيد على 5 فدادين"، أي أن النوبي الذي كان يمتلك 20 فدانًا أخذ بعد الهجرة 5 فدادين فقط، مؤكدًا أن كل هذا موجود وموثق في دفاتر رسمية.

 

مأساة أهالي النوبة

 

يقول كبارة، إن بعد الهجرة بعد الهجرة، كنا كل صباح نستيقظ على خبر وفاة طفلين أو ثلاثة، مشيرًا إلى انه لم يتوافر لديهم في ذك الوقت عيادات أو أطباء حتى يتثنى لهم معرفة السبب وراء موت الأطفال المستمر، فضلًا عن وفاة عدد كبير من كبار السن بسبب الحزن والحصرة التي تملكت قلوبهم بعد الهجرة.

 

وأمضى كبارة قائلًا: "لأول مرة نرى أحد أهالي النوبة بينتحر من الجوع والحاجة بعد التهجير"، لافتًا إلى أن من كثرة شعور أهالي النوبة بالظلم، كان هناك من يتضرع إلى الله بالدعاء على الرئيس عبد الناصر بقولهم " اللهم كفر بنديرته " أي " اللهم نكس علمه"، مشيرًا إلى أن ما حدث من تهجير لأهالي النوبة كان بلا وعى ولا دراسة ولا تقدير، " وكأن الناس بهايم يشلوهم من مكان ويرموهم في أي حته ومحدش يسأل عنهم" حسب وصفه.

 

وعود كاذبة

 

" ضحكوا علينا "، هكذا وصفت كريمة الركابي، أحد أهالي قرية "عنيبة " الذين عانوا من الأم التهجير، مضيفة،" وعدونا بأننا هناخد بيوت بيوصلها المياه والكهرباء، ولما رحنا لقينا نفسينا في صحراء، وقعدنا حوالى اربع سنوات لحد ما دخلت المياه للمنازل".

 

وأمضت قائلة: "كل الجيل الصغير من أهالي النوبة ومن بينهم أنا، افتكر أنه رايح للتمدن وكان فرحان، وأول ما رحنا ولمسنا أرض الواقع، ندمنا كتير".

 

وكانت كريمة من أهالي النوبة الذين لم يحصلوا على أيمن التعويضات التي قامت الدولة بدفعها، وقالت،" مش كل الناس أخدوا حقوقها، وأنا عشان كنت بشتغل مدرسة، ماخدتش أرض، ده غير عدد كبير من أسرتي لم يحصل على أراضي أو أي من التعويضات".

 

ذكرى مؤلمة

 

وصف الشاعر النوبي، الدكتور مصطفى عبد القادر، أحد سكان قرية ادندان، يوم تهجير قريته بالمؤلم، مشيرًا إلى أنه كان أول أيام عيد الأضحى، وبصوت حزين قال،" كان أول يوم للعيد الكبير، والناس كانت، ذبحة الذبائح، ولسة بتستعد للاحتفال بالعيد، لكننا فوجئنا بأن البواخر جت بدون سابق إنذار، وقالوا كل الناس تجهز نفسها وتضع أثاثها ومتعلقاتها على الباخرة، لدرجة أن الناس مشيت من غير ما تأكل الذباح، ده غير انه من الاستعجال الناس سابت نصف الإثاث، و نسيت ذهبها"، مشيرًا إلى انما قامت بنقل أهالي النوبة لم تكن بواخر ولكنها" صنادل" تابعة لبنك مصر وكانت متخصصة في نقل البضائع بين مصر والسودان.

 

تهجير أهالي حلفا

يقول عبد القادر، إنه بعدما اطلع على كتاب "هجرة النوبيين.. قصة تهجير حلفا"، التي وثقها حسن دفع الله، المسئول عن تهجير أهالي النوبة بالسودان في ذاك الوقت، شعر بمدى الاهانة التي تعرض لها نوبي مصر، مشيرًا إلى ان الميزانية التي وضعت لعملية التهجير كاملة في مصر والسودان، كانت تصل إلى 25  مليون جنيه، منها 19 مليون جنيه، خصصت لتهجير 22 قرية نوبية سودانية، و6 ملايين جنيه خصصت لتهجير 44 قرية نوبية مصرية.


وأضاف عبد القادر: " تعاملت الحكومة السودانية، في ذاك الوقت مع أهالي النوبة المهجرين على مستوى عالٍ من الإنسانية، فقامت بتوزيع ادوات لمساعدتهم على النقل، مثل اللواصق والدبارة والخيش، وقام النوبيين بعد تجهيز اثاثهم وامتعتهم ومتعلقاتهم بوضعها أمام المنزل ".


وأمضى عبد القادر قائلًا: "وقام مندوبين التهجير في ذك الوقت بعمل بوليصة شحن، وإعطاء كل نوبي رقم البوليصة الخاصة به، وبعد ذلك نقلوهم بقطارات بها عربات مخصصة للرعاية الطبية وعربات مخصصة للصلاة، وبعد توصيلهم لمنازلهم التي وجدوها كاملة التجهيز، وجدوا أمتعتهم وأثاثهم داخل المنزل الجديد ."
واصفًا الطريقة التي تعاملت بها الدولة المصرية مع أهالي النوبة المهجرين بمعاملة " البهائم " وليس البشر.


تهديدات عبد الناصر


يقول عبد القادر إنه قبل التهجير، كان هناك عقلاء من أهالي النوبة يدعون إلى عمل هجرة داخلية مثلما حدث في التعلية الأولى للخزان عام 1912م والتعلية الثانية للخزان عام 1933 م ، أي اننا نهجر إلى المناطق التي تعلو منسوب المياه.


وتابع قائلًا: "إلا أن الناس شعرت بالخوف من التهديدات التي طرأت على مسامعهم عن لسان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر " و التي كانت نصها " لو أهالي النوبة موفقوش على التهجير هننهيهم في 3 ساعات ."
وإن لم نعد سيعود أحفادنا.


يقول حمدي سليمان أحد شباب النوبة الذي لم يرَ النوبة القديمة ولكنه تربى على عشقاها: "لن أنسى حكايات والدى عن النوبة، ولن أنسى صوته وهو يتهدج عندما كان يحكى عن ذكرياته في موطنه القديم، ولن أنسى الحنين الذي كنت اراه في عيناه والحسرة على ضياع "نوبته".


وبصوت حزين امضى سليمان قائلًا: " لن ننسى لعبد الناصر، أنه سبب شقاء أجدادنا، وموت أطفالنا، وتشريد آبائنا، وغرق نوبتنا، واندثار لغتنا، وضياع تراثنا، و تزوير تاريخنا، وفقدان هويتنا، وتشتيتنا في كل مكان " مؤكدًا بقوله: "لن أنسى ما هو أهم، أن النوبة و حتمية عودتها أمانة في أعناقنا، وسنورث الأمانة لأبنائنا، وإن لم نعيدها نحن سيعود أحفادنا".


واختتم سليمان كلامه بقول: "ذهب جمال عبد الناصر، لكن مازلنا نوبيون."

 

 

شاهد الفيديو

http://www.youtube.com/watch?v=lmTOv4du6Ns
 

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان