رئيس التحرير: عادل صبري 12:38 صباحاً | الجمعة 19 أبريل 2024 م | 10 شوال 1445 هـ | الـقـاهـره °

هزل فى موضع الجد

هزل فى موضع الجد

مقالات مختارة

فهمي هويدي

فهمي هويدي يكتب:

هزل فى موضع الجد

نقلا عن الشروق 23 مارس 2017 08:49

لا نستطيع أن نتجاهل حقيقة أن مصر دخلت مرحلة الفقر المائى. وهو ما أدى إلى تناقص نصيب الفرد من المياه بحيث وصل إلى ٧٠٠ متر مكعب سنويا، فى حين أن المعدلات العالمية تصل بذلك النصيب إلى ألف متر مكعب. هذا الكلام ليس لى، لكنه جاء على لسان وزير الإسكان الدكتور مصطفى مدبولى، فى حديث له أمام مؤتمر لمناقشة توطين صناعة تحلية المياه فى الوطن العربى، الذى عقد بالقاهرة فى منتصف شهر مارس الحالى.

 

إذ قال أمام السامعين إن التزايد المطرد فى عدد السكان بمصر مع ثبات مواردنا التقليدية من مياه الشرب، لم يترك أمامنا خيارا آخر. إذ لا مفر من المضى قدما وبسرعة شديدة فى مجال تحلية مياه البحر، وهو ما ينبغى أن يعد خيارا استراتيجيا وثيق الصلة بالأمن القومى فى المرحلة الراهنة.

هذه الرسالة تدق الأجراس عالية منبهة إلى خطر موشك يهدد الحياة فى مصر، التى يندر فيها المطر، وتظل مياه النيل مصدر الحياة والنماء فيها منذ عصور الفراعنة وحتى الوقت الراهن، لذلك لم يبالغ المؤرخ الرحالة اليونانى هيرودوت حيث قال إن مصر هبة النيل، بما يعنى أن له فضله فى وجودها.

حين قرأت تفاصيل المؤتمر التى نشرتها صحيفة «المصرى اليوم» فى ١٧/٣، تذكرت أننى قرأت هذا الكلام قبل عدة أشهر. وحين راجعت أوراقى عثرت على قصاصة لتقرير إخبارى نشرته صحيفة «الوطن» فى الخامس من شهر ديسمبر الماضى، أى قبل أكثر من أربعة أشهر، وكان عنوانه الرئيسى الذى ظهر باللون الأحمر هو: وزير الرى: انتهى عصر رفاهية استخدام المياه. وفى نص التقرير المنشور أن الدكتور محمد عبدالعاطى وزير الرى، والموارد المائية قال أمام المؤتمر الدولى للتطور العلمى والتكنولوجى فى إدارة الموارد المائية إن عصر الرفاهية فى الاستخدام المفرط للموارد المائية قد انتهى. وأن الزيادة المستمرة فى السكان تفرض إعادة النظر فى كيفية ترشيد استهلاك المياه إلى جانب التوجه إلى تحلية مياه البحر.

الملاحظة الأساسية على تصريحات الوزيرين أنها جاءت أمام مؤتمرين علميين للخبراء تطرقا إلى موضوع أزمة المياه وتقنيات تحليتها. ثم أنهما وجها نفس التحذير. مع فارق زمنى بينهما يصل إلى نحو أربعة أشهر. فى حين أن أمرا بهذه الخطورة ينبغى أن يوجه إلى الرأى العام وليس إلى الخبراء دون غيرهم، ثم أن إطلاق الكلام كان ينبغى أن يكون مقدمة لشن حملة قومية تنبه وتحذر وترشد الناس إلى كيفية المشاركة فى إنقاذ البلد من مجاعة مائية تهدد البشر والزرع والضرع.

حين لم يحدث شىء من ذلك، فى الوقت الذى امتلأت فيه شوارع العاصمة بالإعلانات والملصقات التى تروج للمسلسلات الجديدة ونجوم البرامج التليفزيونية. فإن ذلك لا يدع مجالا للشك فى أن الأمر ليس مأخوذا على محمل الجد، وأن ما قيل فى حقيقته هو مجرد كلام مناسبات ليس أكثر. وربما أعطى ذلك انطباعا بأن الوزيرين بالغا فى الأمر، حيث لا توجد مشكلة ولا يحزنون. وأسوأ من ذلك بطبيعة الحال أن تكون هناك مشكلة حقيقية ولكن عقلية التركيز على الإنجازات وإشاعة الفرحة والتفاؤل بين الناس تجاهلتها وهونت من شأنها، أملا فى أن يأتينا حل من السماء من حيث لا نحتسب.

ثمة ملاحظة أخرى مهمة تتمثل فى أن كلام الوزيرين أشار إلى أن الأزمة ناتجة عن الزيادة فى عدد السكان، ولم يتطرقا إلى موضوع سد النهضة الإثيوبى الذى من شأنه التأثير على حصة مصر من المياه، وهو ما يثير عدة أسئلة حول دوافع السكوت على ذلك الجانب، وغموض الموقف المصرى إزاء الفاجعة المنتظرة بعد تمام بناء السد.

صحيح أن الغموض يكتنف العديد من قضايا المصير السياسية، لكن حين يتعلق الأمر بالقضايا المعيشية فإن الغموض فيها يصبح استهانة بالمآلات، لا يوصف بأقل من أنه لعب بالنار.

 

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان