رئيس التحرير: عادل صبري 10:30 صباحاً | الخميس 28 مارس 2024 م | 18 رمضان 1445 هـ | الـقـاهـره °

أيام مجيدة فى ثورة المصريين

أيام مجيدة فى ثورة المصريين

مقالات مختارة

وحيد عبدالمجيد

وحيد عبدالمجيد يكتب:

أيام مجيدة فى ثورة المصريين

الشروق 25 يناير 2017 13:32

كانت هجمة القوى المضادة للثورة على المعتصمين فى ميدان التحرير، فيما عُرف بـ«موقعة الجمل» على أشدها يوم 2 فبراير 2011، حين التقى عدد من الشخصيات العامة فى مقر «دار الشروق» السابق فى منطقة المهندسين للتشاور حول وضع لم يكن فى إمكان أحد توقع ما يمكن أن يقود إليه.


كان اللقاء قد تم ترتيبه فى اليوم السابق بناء على اتصالات أجراها أستاذنا الدكتور كمال أبو المجد بهدف بلورة أهداف الثورة فى رؤية واضحة تتضمن الاجراءات الأولية اللازمة لتحقيق انتقال سياسى. ولكن الهجمة الغادرة على ميدان التحرير أضافت إلى جدول الأعمال مهمة عاجلة، وهى التحرك لحماية الثورة، بعد أن ظنت قوى معادية لها أن التغير الذى حدث فى المزاج العام عقب خطاب مبارك الاستعطافى فى نهاية يناير يوفر فرصة للانقضاض عليها.


ولذلك ازدادت أهمية ذلك اللقاء الذى شارك فيه من أمكن دعوتهم وتيسر حضورهم فى تلك الظروف الصعبة، وهم الأساتذة والدكاترة ــ حسب الترتيب الأبجدى ــ إبراهيم المعلم وجميل مطر وسلامة أحمد سلامة وعبدالعزيز الشافعى وعلى مشرفة وعمرو الشوبكى وعمرو حمزاوى وكمال أبو المجد وميرفت التلاوى ونبيل فهمى ونجيب ساويرس ووحيد عبدالمجيد.


شهد ذلك اللقاء نقاشا ثريا حول الخيارات والأولويات فى تلك اللحظة الفارقة، وتعددت الآراء والأفكار، وتباينت بشأن بعض القضايا، وأفضى الحوار الذى استغرق نحو أربع ساعات إلى اتفاق على إصدار بيان يمكن تلخيصه فى ثلاث نقاط رئيسية. الأولى هى العمل من أجل ضمان سلامة المعتصمين والمتظاهرين فى ميدان التحرير ومختلف ميادين الثورة. والثانية استقالة مبارك ونقل سلطاته إلى نائب رئيس الجمهورية المعين قبل ثلاثة أيام من ذلك اللقاء (لاحظ هنا مغزى نقل السلطة بعد مناورات ومداورات استمرت عشرة أيام إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وليس إلى نائب رئيس الجمهورية، بخلاف التقاليد الدستورية المعتبرة والخبرات العالمية المتراكمة). أما النقطة الثالثة فكانت تشكيل حكومة خبراء مستقلين مقبولة شعبيا، وإلغاء العمل بحالة الطوارئ، وحل مجلس الشعب والشورى، وإطلاق الحريات العامة.


كان ذلك البيان أول وثيقة سياسية تبنت أهداف الثورة، وطرحت رؤية لتحقيقها. ولذلك أحدث نشره فى «الشروق» وعدد من الصحف والمواقع الإلكترونية صدى واسعا دفع إلى استمرار المجموعة التى أصدرته (وأطلق عليها الإعلام «لجنة الحكماء») فى تحركها، وانضمام عدد متزايد من السياسيين والمثقفين بدءا من الاجتماع التالى فى الرابع من فبراير، وما تلاه من اجتماعات حتى اضطرار مبارك إلى إعلان تنحيه.


وعندما بدا أن الثورة حققت انتصارا كبيرا يوم 11 فبراير 2011، تصورنا أن دور هذه اللجنة انتهى. غير أن التعقيدات التى ظهرت فى الأسابيع التالية، وازدادت مع تصاعد الصراعات على قضايا عدة فى مقدمتها الدستور والانتخابات، فرض استمرار التشاور، حيث دعا المهندس إبراهيم المعلم إلى عدد من اللقاءات التى تكاثفت فى شهرى يونيو ويوليو 2011، وشارك فيها ما يقرب من مائة من السياسيين والمثقفين يمثلون مختلف ألوان الطيف فى المجتمع، إذ حرص كل من دُعوا إليها أفرادا وأحزابا وحركات على المشاركة، فيما عدا جماعة «الإخوان المسلمين» التى لم يحضر أحد منها أيا من تلك الاجتماعات، الأمر الذى أثار فى حينه تساؤلات أجابت عنها التطورات اللاحقة حين تبين على قيادتها إلى الهيمنة على البلاد. وكان بين المشاركين أربعة صاروا مرشحين فى انتخابات 2012 الرئاسية. وأسفرت تلك اللقاءات عن إصدار وثيقة حملت عنوان (إعلان مبادئ المواطنة والدولة المصرية).


وأخذت تلك الوثيقة صورة الميثاق فى صياغتها وليس فقط فى مضمونها، إذ تضمنت ديباجتها: (نحن مواطنى مصر وجماهير شعبها، الذى بدأ فى ثورة 25 يناير مهمة تحرير الوطن والمواطن واستعادة القرار الوطنى المصرى ليكون معبرا عن الهوية والإرادة والمصلحة المصرية، وإعلان الحرية والكرامة والعزة والمساواة والعدالة، نتعاهد ونتعهد أن نبنى القيم العالية التالية، وأن نسعى إلى تحقيق الأهداف المرتبطة بها).


وحددت الوثيقة تلك القيم والأهداف فى عشرة هى الحرية والمساواة، والكرامة والعدالة الاجتماعية، وحرية العقيدة، وحرية الرأى والتعبير والتنقل، والتكامل والوحدة، والمواطنة وسيادة القانون، وتنظيم وتوازن مؤسسات الدولة، والأمن والأمان، والسلام لعالمنا، والنهضة).


وكانت الوثيقة على هذا النحو مختلفة عن وثائق أخرى طُرحت فى تلك الفترة، إذ وُجهت إلى الإنسان المصرى فى المقام الأول، وصيغت بلغة تعبر عما رآه واضعوها والمشاركون فى المناقشات التى أفضت إليها أهم ما يتطلع إليه هذا الإنسان بعيد ثورة عظيمة وقف العالم مبهورا بها، قبل أن تنقض عليها القوى المضادة لها.


ورغم أن كل بند فى هذه الوثيقة عبر فى حينه، ومازال حتى اليوم، عن معنى عميق غرسته الثورة فى نفوس المصريين، يمكن أن نستعيد على سبيل المثال النصين المتعلقين بالحرية والمساواة، وبالتنوع، لأهميتهما القصوى فى اللحظة الراهنة.


فقد نصت الوثيقة فى مجال الحرية والمساواة على: (نؤكد تصميمنا على أن نحيا شركاء فى الوطن، دون تمييز فى تمتعنا بحقوقنا غير القابلة للتصرف، وأن نقوم بالتزاماتنا طبقا للدستور والقوانين، وأن ندافع عن حريتنا بكل معانيها، ونرفض استبداد الفرد بالمجموع، ونرفض استبداد الأقلية بالأغلبية، كما نرفض استبداد الأغلبية بالأقلية).


كما نصت فى مجال التنوع على: (نؤكد أهمية التنوع فى مجتمعنا، ونحرص عليه، وعلى صيانة حقوق الجميع فى إطاره، وعلى السعى نحو الوحدة القائمة على التنوع والناضجة بالحوار والقوية باختلاف الآراء).


وهكذا، ومثلما قدم سياسيون ومثقفون التقوا فى «دار الشروق فى لحظة فارقة فى تاريخ مصر أول رؤية لتحقيق أهداف الثورة خلال أيامها المجيدة، طرحوا أيضا بعدها بخمسة أشهر إحدى أهم الوثائق التى استهدفت وضع خريطة طريق فى الوقت الذى كانت هذه الثورة قد دخلت فى حالة اضطراب سهلت مهمة القوى المضادة لها فى الانقضاض عليها مرتين بطريقتين مختلفتين ومتعارضتين.

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان