رئيس التحرير: عادل صبري 07:33 مساءً | الثلاثاء 23 أبريل 2024 م | 14 شوال 1445 هـ | الـقـاهـره °

مصر إلى أين؟ ملف حقوق الإنسان والديمقراطية

مصر إلى أين؟ ملف حقوق الإنسان والديمقراطية

مقالات مختارة

إبراهيم العيسوى

مصر إلى أين؟ ملف حقوق الإنسان والديمقراطية

إبراهيم العيسوى 22 سبتمبر 2014 15:33

إن تطورات الأمور على امتداد ما يزيد على 400 يوم منذ 30 يونيو 2013 تدفعنا للتساؤل عن طبيعة المسار الذى سلكته مصر خلال تلك الفترة وعن مآلاته، وعن مدى توافقه مع ما تطلع إليه متظاهرو 30 يونيو الذين اعتبروا تظاهراتهم من موجات ثورة يناير 2011.

 

 

لقد حفلت مسيرة مصر منذ 30 يونيو 2013 بالكثير مما يناقض ما دعت إليه ثورة يناير من حرية وديمقراطية وعدالة اجتماعية وكرامة إنسانية. فهذه المفاهيم لا تحتفظ بأى مصداقية عندما يلقى فى السجون بنحو أربعين ألف مصرى وعندما يقتل ويجرح أكثر من ألفى مواطن، وعندما يوضع الكثير من الناس رهن المراقبة والملاحقة بتهم الانتماء إلى جماعة وصفت بالإرهابية مع أن القوى الكبرى التى تزعمت الحرب على الإرهاب لم تصنفها على هذا النحو، وعندما يتعرض بعض المواطنين للاضطهاد فى العمل أو للإبعاد من الوظائف العليا أو الحرمان من الترقية للاشتباه فى أنهم إخوان أو لأنهم يعارضون ويتظاهرون ضد ما يعتبرونه انقلابا عسكريا، أو لأنهم يحتجون على ما يصدر من أحكام جائرة وتشريعات غير دستورية.

 

ولعل المصريين يتذكرون وعد خريطة طريق 3 يوليو بعدم إقصاء أحد، ولعلهم يتذكرون الكلام المتكرر عن بناء الديمقراطية والالتزام بالتعددية والمواطنة وحقوق الإنسان. ولكن انقطاع صلة هذه الوعود والأحاديث بما يجرى على أرض الواقع يجعلها مجرد لغو باطل. فالواقع يفصح بجلاء عن الإصرار على إقصاء المعارضين وعن التمييز بين المواطنين حسب موقفهم من السلطة الحاكمة، وعن العصف بحقوق الإنسان من خلال تلفيق الاتهامات والإطاحة بالضمانات المقررة للمقبوض عليهم وللمتهمين، ومنها حقهم فى الدفاع عن أنفسهم الذى صار حقا عسير التفعيل فى ضوء ما يلاقيه المحامون من عنت وتضييق وإهانات فى أقسام الشرطة والنيابات (انظر مقال نجاد البرعى فى عدد 8/9/2014 من الشروق).

 

لاحظ أن دستور 2014 قد اعتبر التعددية السياسية والحزبية والتداول السلمى للسلطة واحترام حقوق الإنسان من أسس النظام السياسى. ولكن النظام السياسى الحالى يفتقر إلى هذه السمات، وتتجاهل بعض قوانينه نصوصا دستورية أخرى مثل قانون التظاهر والقانون المعطل لحق المواطنين فى الطعن على تعاقدات الدولة مع المستثمرين، والتعديل التشريعى الذى جعل مدة الحبس الاحتياطى بلا حد أقصى، ومشروع قانون الجمعيات الذى ينذر بخنق العمل الأهلى والحقوقى، ومشروع قانون حماية الأمن القومى الذى يوسع دائرة المحظور من المعلومات لتشمل المعلومات الاقتصادية. ولذا فليس من التجاوز وصف الدستور الحالى بالدستور المعطل.

 

ويكشف الواقع عن مفارقات خطيرة فى مرفق العدالة. منها صدور أحكام فى منتهى القسوة وصولا إلى الإعدام بحق ناشطين سياسيين من جهة، وصدور أحكام مفرطة فى اللين وصولا إلى البراءة لمن قتلوا أو تسببوا فى قتل المتظاهرين ولمن عاثوا فى الأرض فسادا من رجال مبارك من جهة أخرى. ومنها توجيه الاتهام لبعض المعارضين بالانتماء إلى جماعة محظورة أو تنظيم على خلاف القانون، بينما لا يوجه مثل هذا الاتهام لغيرهم من مؤيدى السلطة الحالية المندرجين فى ائتلافات وحركات لا تملك غطاء قانونيا.

 

ومن هذه المفارقات أن يحاكم متهمون أمام دوائر أبدى قضاتها استعدادا لمحاكمتهم، وأن تجرى المحاكمات فى أماكن تابعة لجهاز الشرطة، وأن يحتجز المتهمون أثناء المحاكمة فى معازل تحول بينهم وبين متابعة ما يجرى فيها. ومنها أن تكال عشرات التهم لبعض الأشخاص، بينما يسكت عن ممارسات إعلاميين وقضاة تنطوى على السب والقذف والحض على الكراهية التى اعتبرها الدستور جريمة (انظر كلام رئيس نادى القضاة فى عدد 1/9/2014 من الشروق). ومن الغريب أن يستند حكم حل حزب الحرية والعدالة وحكم منع بث قناة الجزيرة مباشر مصر من النايل سات إلى أن هذا الحزب وتلك القناة يريان أن ما حدث فى 3 يوليو انقلاب عسكرى وليس ثورة، وأن الحزب قد «وقف فى مواجهة الإرادة الشعبية فى 30 يونيو». وإذا كان مثل هذا الكلام يمكن أن يقوله سياسيون وإعلاميون ومنافقون للسلطة، فمن العجيب أن يكون سندا لحكم قضائى. ففى حدود علمى لا يجرم قانون العقوبات معارضة ما جرى فى 30 يونيو و3 يوليو.

ولا غرابة إذن أن يوصف حكم كهذا بالتسييس. لاحظ أن هذا الحكم يؤسس لأمر خطير، وهو أن المعارضة الجذرية للسلطة القائمة صارت ممنوعة بأمر القضاء، وأن المباح هو المعارضة الهامشية على غرار ما كان يطلق عليه قبل ثورة يناير: المعارضة المستأنسة.

 

وهل يروق لمن يعتبرون 30 يونيو-3 يوليو تصحيحا لمسار ثورة يناير أن تجتمع السلطتان التنفيذية والتشريعية طوال نحو 14 شهرا بيد الرئيس المؤقت ثم بيد الرئيس المنتخب، وأن تصدر السلطة التنفيذية القوانين وتطبقها دون رقابة من الشعب؟ وهل كان من المصلحة الوطنية أن يترك الدستور الباب مفتوحا بشأن أيهما يسبق الآخر: الانتخابات النيابية أم الانتخابات الرئاسية، وبشأن نظام انتخابات مجلس النواب؛ وهو ما يعنى إعطاء حق تقرير هذه المسائل للرئيس.

 

ولم تكن تلك هى الخطوة الأولى على طريق التمكين لحكم الفرد. فقد سبقها الترويج لفكرة حاجة البلاد لرئيس قوى وقائد منقذ، والترويج تحديدا لترشيح وزير الدفاع لهذه المهمة، والتنظير لذلك باعتبار الرجل «مرشح الضرورة». وبسرعة وضعت صلاحيات إضافية بيد الرئيس مثل اختيار رؤساء الجامعات وعمداء الكليات، وذلك فى تراجع قبيح عن انتخاب القيادات الجامعية، وبما يعيد تحكم الأجهزة الأمنية فى اختيار هذه القيادات ويعيد معهم كتبة التقارير ليسمموا الحياة الجامعية. وصارت قرارات منح الدكتوراه الفخرية تصدر من الرئيس كمنحها لملك السعودية من جامعة الأزهر. فأين هذا من استقلال الجامعات الذى نص عليه الدستور؟! ومن مظاهر حكم الفرد أن يقول الرئيس «كن، فيكون» كما حدث بالتنفيذ الفورى لمشروع قناة السويس «الجديدة»، وأن يستجاب بلا مناقشة لطلبه خفض مدة تنفيذه إلى سنة بعد أن سبق تخفيضها من خمس إلى ثلاث سنوات، وأن تطرح على وجه الاستعجال شهادات الاستثمار الخاصة بالمشروع، وأن يحتمى الوزراء بمقولات «حسب تعليمات أو توجيهات الرئيس»، وأن تتحول الكلمات العفوية للرئيس إلى «أوامر». وإذا كان للمنافقين دور فى هذه الممارسات، فإن الرئيس مسئول عنها أيضا لسكوته عليها أو فرحه بها.

 

لقد اعترض الكثيرون على مشروع قانون انتخابات مجلس النواب، واعتبروا أنه يحتوى على أسوأ النظم الانتخابية، وذلك بتغليبه للنظام الفردى الذى يزيد من ضعف الأحزاب ويفتح الباب أمام تحكم المال السياسى ونفوذ العائلات والقبائل فى اختيار المرشحين الذين يرجح أن يكون بينهم عدد كبير من فلول نظام مبارك.

ومع ذلك فقد أصدر الرئيس المؤقت هذا القانون، ولم يبد الرئيس الجديد أية نية لتعديله. وبدلا من أن يصر القوم على تعديل الدستور، وأن يهددوا بمقاطعة الانتخابات إذا لم يُستجب لمطلبهم، إذا بهم يتسابقون على تكوين تحالفات انتخابية فيما يشبه لعبة الكراسى الموسيقية، حيث يكون الهدف هو الكرسى ليس غير.

فقد غاب الأساس المعروف للتحالف فى الديمقراطيات، وهو التقارب بين الأحزاب المشكلة للتحالف فى التوجهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية أو تبنيها لبرنامج مرحلى مشترك، وصرنا نسمع عن تحالفات تضم من كان يظن فيهم الثورية مع شخصيات الحزب الوطنى وغيرهم من فلول مبارك، وتحالفات تضم من يتبنون الاشتراكية بصورة أو بأخرى ومن يستهدفون إقامة رأسمالية طليقة. ومما زاد الطين بلة ذلك الاتجاه لخلط العمل السياسى بالعمل النقابى حيث أعلن انضمام الاتحاد العام لنقابات العمال واتحاد النقابات المهنية واتحاد الفلاحين إلى تحالف الجبهة الوطنية الذى يقوده حزب الحركة الوطنية برئاسة تلميذ مبارك المخلص أحمد شفيق؛ وكأن الرجل صار بقدرة قادر نصيرا للعمال والفلاحين.

 

وإذا كانت المعارضة مكونا أساسيا من مكونات النظام الديمقراطى، فمن العجيب أن يتحدث قادة الأحزاب عن استكمال البناء الديمقراطى بانتخابات مجلس النواب، وهم يقدمون أنفسهم وأحزابهم كظهير للسلطة القائمة. ولعل هذا ما جعل أحدهم يدعو إلى انضواء هذه الأحزاب فى تنظيم سياسى واحد يمكن الرئيس من التواصل مع الشعب، وذلك على غرار الاتحاد الاشتراكى فى العهد الناصرى. والواقع أن هذه التوجهات ستحكم على الحياة الحزبية بالموت، وذلك بعد أن كانت الأحزاب التى ضمتها جبهة الإنقاذ قد أشهرت إفلاسها السياسى عندما سلمت بعجزها عن التنافس الديمقراطى مع الإخوان، ودعت إلى تدخل الجيش للإطاحة بحكمهم.

 

إن ما جرى من ممارسات يؤكد أن النظام السياسى سيفتقر إلى مقومات الديمقراطية حتى لو استكمل الشكل الديمقراطى بانتخاب مجلس النواب. وتزداد الصورة قتامة مع تلكؤ السلطة الحاكمة فى تحديد موعد انتخابات مجلس النواب، ومع التراخى فى إصدار القانون المحدد للدوائر الانتخابية، ومع الدعوة لتأجيل الانتخابات النيابية، وكذلك مع الدعوة العجيبة لتعديل الدستور بما يوسع صلاحيات الرئيس ويضيق صلاحيات البرلمان. وأكبر الظن أن للسلطة الحاكمة يدا فى تحريك هذه الدعوات المنافية للديمقراطية والمكرسة لحكم الفرد. وكل ما تقدم لا يبشر بمستقبل ديمقراطى تصان فيه حقوق المصريين.

 

نقلا عن الشروق

 

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان