استقالة المشير السيسي وتفرغه لتولى رئاسة مصر لم تكن ستأتي إلا بعد موافقة أمريكية مشروطة، وهذا ما أدي لتأخره عن إعلان تقديم استقالته على مدار الشهور الماضية والتكهنات التي كان أنصاره يسربونها بشكل يومي بأنه سيستقيل اليوم الجمعة أو يوم الأحد أو الأربعاء…الخ، ومرت الأيام وأمريكا ترفض وجود السيسي أن يتولى سدة الحكم في مصر بل كانت ترفض مجرد مناقشة الأمر برمته وسبق لوزير الخارجية نبيل فهمي أن عقد عدة اجتماعات مع نظيره الأمريكي كيري ورفض الأخير طرح هذا الخيار مؤكداً أن هذا سيزيد الشقاق ويحرج أمريكا لدعمها الانقلاب على رئيس منتخب..!،وهو ما لم يتطرق إليه الاعلام المصري الموالي للسيسي في الأساس والذي قاد حملة دفعه دفعاً ليكون رئيساً لهذا البلد منذ 3 يوليو،وبأقصى سرعة بحسب عملية مبرمجة تبناها هذا الاعلام على طريقة (الزن ع الودان أمر من السحر)، حتى أن هناك من أنصار السيسي الذين أستاءوا من طريقة التعاطي مع الموضوع بكامله، ما بين هايترشح لا مش مترشح كل صباح ومساء،,وأريحنا بها ياسيسي.
ترشح السيسي لم يكن يجد قبولاًً عند دول خليجية وللآن وتطابقت مواقفها مع أمريكا خاصة أن الأخيرة تعتبر ترشحه تعقيد للمشكلة،ويزيد من الجدال الدائر في مصر والرفض الشعبي والتظاهرات ضد ممارسات الدولة القمعية، فأمريكا كانت ترى أن حل المشكلة سيكون أسهل وأسرع ببقاء السيسي ببذته العسكرية دون أن يقترب من منصب الرئيس،في المقابل المؤسسة العسكرية ترى أن وجود السيسي على رأس هرم الدولة سيكون الضامن الوحيد لها ولكل ما حققته من مكاسب تحت دعاوي محاربة الإرهاب إضافة إلى أن منصب وزيرالدفاع الذي بات محصناً ولا خوف من ذلك،وبدت الأمور أفضل من سابقتها في عهد مرسي رغم المميزات التي خص بها المؤسسة العسكرية في دستور 2012 ليأتي دستور 2013 ويبقي عليها ويزيدها رسوخاً ليكون ذلك مدعاة أكثر للاطمئنان لهذه المؤسسة التي لا تخضع للرقابة من أجهزة الدولة وتعمل وتّدور أموالها بشكل مستقل دون المساس بها من أي طرف،ووجود السيسي ككأحد أبنائها سيحافظ على كل هذه المكتسبات،كما سبق لمبارك وحافظ على كل ذلك .
لكن ما الذي أدي بالحليف الأمريكي أن يغير من مواقفه في الأيام الأخيرة وقيقبل بترشح السيسي، وهو الذي ظل حجر عثرة أمام السيسي في الشهور الماضي؟..التغّير الأمريكي جاء بناء على تطمينات هامة تخص الجانبين المصري والإسرائيلي، بضرورة المحافظة على معاهدة السلام دون المساس بها أو تعديل أي من بنودها وهو ما دفع بالسيسي أن بعث بوفد عسكري مصر رفيع المستوى إلى إسرائيل منذ أيام قلائل ليعقد عدة اجتماعات مع نظرائه في جيش الدفاع الإسرائيلي للاتفاق على كل الشروط التي طالبت بها أمريكا وبمشاركة من الحكومة الاسرائيلية بالقطع ليصل الطرفان لاتفاق غير معلن، وهو ما لم ينتبه إليه أحد في الأيام الماضية،كما أشترطت القيادة الأمريكية على المصرية بعد تولى السيسي السلطة رسمياً أن يقوم بعمل مصالحة وطنية ويبقى مسؤولاً عن ذلك أمامها لتهدأ الأمور على أن يكون الإخوان أحد فصائل المصالحة،وهي الخطوة الأولى التي سيقوم بها السيسي بالفعل عقب توليه رئاسة مصر بأنه سيمد يده للجميع دون تمييز عكس ما يروج له الإعلام وحالة الشيطنة التي أوصل إليها الاخوان عمال على بطال باعتبارها جماعية ارهابية.
وبقت الورقة الأخيرة التي ظهرت على السطح فجأة قبل انعقاد القمة العربية الخامسة والعشرون في الكويت، بسحب ثلاث دول خليجية سفرائها من الدوحة العاصمة القطرية اعتراضا على دعم قطر لجماعة الاخوان ولا غير ذلك، وهو ما تجاهلته أمريكا واعتبرت أن الدوحة لها خصوصيها في شأنها الداخلي،ولم تكترث كثيرا لقرارات الدول الثلاث السعودية والإمارات والبحرين التي قامت بسحبب سفرائها،خاصة أنها على علاقة برموز إخوانية في الداخل وعلى تواصل معها كما سبقت وأعلنت الخارجية الأمريكية عن ذلك علناً بأنها لن تقطع علاقتها بالإخوان وستبقى على حوارها مع كل القوى الوطنية المصرية،وهو ما يؤكد أنها بالفعل أشترطت على السيسي عمل مصالحة وطنية.وابطلت الإدارة الأمريكية ما كان مخططاً له سلفاً بالعمل على عزل قطر وزيادة الضغوط عليها خلال قمة الكويت،وهو ما دفع بالإمارات بالمشاركة بوفد صوري في القمة بعدما وجدت كل مساعيها ضد الدوحة أفرغت من مضمونها، فيما تتطابقت وجهة النظر القطرية مع السعودية في أكثر من موضع أبرزها تعثر الثورة السورية وضرورة دعمها،والعمل على إعطاء المعارضة كرسي جامعة الدول العربية والذي ظل شاغرا في القمة الأخيرة رغم أن هناك قرار سابق من الجامعة بمنحه للمعارضة.
بقى أن نقول أن ترشح السيسي قد تكون خطوة نحو تهدئة الأوضاع والبحث عن حل حقيقي لمشاكل الدولة،بما فيها المصالحة الوطنية والذي يحتاج لجهد كبير جداً،وقد يكون أمراً متسرعاً يقود السيسي نفسه إلى مصيره المحتوم الذي سبقه إليه مبارك ومرسي في ظل أكوام المشاكل المتراكمة التي تمس الرجل العادي بصفة يومية..!.