رئيس التحرير: عادل صبري 08:29 صباحاً | الثلاثاء 19 مارس 2024 م | 09 رمضان 1445 هـ | الـقـاهـره °

استراتيجية القاتل وصرخة الضحية

استراتيجية القاتل وصرخة الضحية

مقالات مختارة

وليد أبو النجا

أسكِتوا القرضاوي والجزيرة

استراتيجية القاتل وصرخة الضحية

وليد أبو النجا 23 مارس 2014 12:41

حين يتأمل الإنسان السوي استراتيجية القاتل، من لدن ابن آدم القاتل المسمى (قابيل)، أول إنسان سنَّ القتل على وجه الأرض، إلى قائد الانقلاب، الذي قتل الآلاف من مواطنيه بدم بارد، مرورًا بالقتلة الصغار الذين تمتلئ صفحات الحوادث بأخبارهم كل صباح..

يجد أن استراتيجية القتل واحدة لا تتغير، إلا في بعض التفاصيل.

أغلب القتلة كقابيل، نهاية خطتهم الشيطانية هي القتل، ولكنهم يفاجؤون بالجثة بعد ذلك، دليل جريمتهم ماثلا أمامهم، لقد توفى الله الروح، وأبقى لهم الجثة، ومهما فعل فيها، فهي خيط الجريمة الذي يقود إلى المجرم، ومن قتل يقتل ولو بعد حين.
 

اختار الرجل مسرح الجريمة بمهارة عالية، تصل إلى حد استخدام الجمهور من حيث لا يدري كمؤدٍّ في المسرحية، افتعل الأزمات، تلاعب بالحكومة والمعارضة على حد سواء، أعاق كل خطة من شأنها الخروج بالمسرحية عن النص المكتوب، وجاء أوان تنفيذ الجريمة.
 

أحكم إغلاق النوافذ بإغلاق القنوات الإسلامية من اللحظة التي باشر فيها تنفيذ الجريمة، حتى لا يخرج صوت الضحية عبرها إلى الجوار، بدأ بقتل الضحية، لكنه ككل قاتل فوجئ بالضحية تصرخ، لم يكن هذا في الحسبان. لا يكتفي القاتل بأن يسلب المقتول حق الحياة، لكنه يريد سلبه حق الصراخ، حق التألم. توقع أن تستسلم الضحية في هدوء بعد أن أيقنت بالهلكة، وأن تقدم رقبتها طواعية للجلاد من غير أن تزعج أذنيه بالصراخ، أو تلوث ثوبه بالدماء، كان يرجو أن تقتل الضحية نفسها، وبذلك يعيش مرتاحا هانئ البال، لا يحمل وزر من قتل نفسه.
 

وعلى أسوأ الفروض، لو اضطر للقتل بيديه، فله أسوة في بعض إخوة يوسف، {اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ} [يوسف:9]، يحاول أن يقنع نفسه أنه يفعل ما يفعل مضطرًا من أجل عيون مصر، أم الدنيا، التي يحلم أن تكون (قدّ) الدنيا على يديه!! وإذا كان عليه وهو الجندي أن يضحي بنفسه مختارًا من أجل بلده في أرض المعركة، فما على هؤلاء أن يضحوا بأنفسهم مكرهين من أجل بلدهم، و(بكرة تشوفوا مصر). وحين تتحقق مصر التي في مخيلة القاتل، ستصبح جريمته محلاً للنقاش، هل هي جريمة في حد ذاتها أم لا؟
 

يريد القاتل أن يتجنب صراخ الضحية، فيطعنه من الخلف، أو يعاجله بضربة على حين غرة، أو يفقده الوعي، فصراخ الضحية هو الأداة المثالية لإفساد الجريمة على صاحبها، إنه الدليل الذي يقول للناس: هناك أمر غير عادي يحصل، هناك جريمة ترتكب ولم يفت الوقت بعدُ لإنقاذ الضحية، أو على الأقل الإمساك بالقاتل ليتجرع بقوة القانون ما جرعه لضحيته ظلمًا وعدوانًا.
 

يسبب صراخ الضحية حالة هستيرية للقاتل، فينطلق حينها يمزق جسد الضحية بعشرات الطعنات، رغم أن طعنة واحدة نافذة تكفي! إنه يريد أن يسكت الصوت أولاً، ثم يعالج أمر الإجهاز على صاحبه على مهل.
 

أسكتوا يوسف القرضاوي. لا يريدون سماع خطبته، وماذا تفعل كلمات شيخ عجوز ضعيف، يخطب جالسًا، قد بلغ الثامنة والثمانين، أمام الأذرع الإعلامية الرهيبة التي تملكونها، ماذا تفعل ساعة كل أسبوع، أو كل عدة أسابيع أمام مائة وستة وثمانين ساعة في الأسبوع؟! ما تغني مواعظه وكلماته أمام مدافعك ودبابتك؟!
 

أسكتوا قناة الجزيرة، شوشوا على بثها، هاجموها في قنواتكم. إنها تنقل المظاهرات التي هي غير موجودة في زعمهم أو لا تعدو بضع عشرات أو مئات، ولا وجود لما تبثه الجزيرة أو تختلقه اختلاقًا. ما عليكم منها، اتركوا الجزيرة في خيالاتها، وامضوا في تقدم البلد كما تزعمون، وما أثر جزيرة صغيرة وسط محيط شاسع؟!
 

يريدون إسكاتهما، لماذا؟! يتصورون أن هذين (الشيخ القرضاوي وقناة الجزيرة)، هما صدى صوت الضحية الذي ينبغي أن يسكت، ليجهزوا عليها على مهل، الصوت الذي ينبه الراقدين في الجوار أن عزيزًا عليكم في موقف صعب يطلب الاستغاثة، أن أمرًا مريبًا يحدث وينبغي أن توقفوه، أن جريمة ترتكب وعليكم أن تمنعوها.
 

قد يسمع الإنسان صرخة فيكذب نفسه، ولكن إذا استمر الصراخ فعليه أن يتحرك، قد يكون الإنسان نائمًا نومًا عميقًا، وصرخة خافتة لا توقظه، وصرخات متتالية كفيلة بإيقاظه من سباته، وتنبيهه من غفلته.
 

يا أيها القاتل، نعم القرضاوي والجزيرة هما صدى صوت الضحية، لكن صوت الضحية هناك، في كل بيت فقَدَ أمًّا أو أبًا، أو أختًا أو أخًا، أو ابنة أو ابنًا شهيدًا، في كل بيت فيه  مصاب، في كل بيت غيب الاعتقال فردًا من أفراده، ستجد هذا الصوت في كل شارع وحارة وزقاق في مصر، قد يكون مدويًا في بعض النواحي، وخافتًا في أخرى لكنه موجود وسيعلو، هناك على أبواب ميادين التحرير المغلقة، وحين ينطلق الصوت، لا تستطيع التحكم في الصدى، سيتردد من هنا أو هناك.

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان