رئيس التحرير: عادل صبري 05:35 صباحاً | الثلاثاء 24 يونيو 2025 م | 27 ذو الحجة 1446 هـ | الـقـاهـره °

قطر وأخواتها

د.محمد الشعار 12 مارس 2014 22:23

منذ فترة ليست بالقصيرة تشهد العلاقة بين قطر من جانب وبقية دول مجلس التعاون الخليجي من جانب آخر توترا خافتا تارة، ومسموعا تارة أخرى، ويأتي هذا التوتر في بواكيرهعلى خلفية إنشاء ودعم قطر لقناة الجزيرة، التي اتخذت من يوم أطلقت موقفا قريبا من الإنسان العربي، بعيدا عن السلطة العربية، في سابقة هي الأولى من نوعها في العالم العربي.  هذا النهج لم لكن ليأتي على هوى الملكيات المطلقة، التي طالبت الأمير القطري السابق حمد بن خليفة أل ثاني مرة بعد أخرى بتعديل نهج الجزيرة، غير أن الأخير دأب على الاعتذار باستقلالية القناة في تقديمها خدمة إخبارية، الأمر الذي لم يستطع المحتجون أن يفهموه أو يتفهموه، فكان يلجأ إلى بذل الوعد بتلبية المطالب.

 

مر الوقت ولم تتحقق المطالب ولم تغير الجزيرة من نهجها. وفي ظل عجز الإعلام الرسمي عن منافسة الجزيرة، عمد المتزمرون، وعلى رأسهم السعودية والإمارات، إلى إطلاق قناة تنافسها في الشكل والإخراج، وتخالفها في خفاء "صارخ" في الهدف والمضمون، وسموها "العربية". ولم تكن هناك صعوبة لدى المشاهد المستهدف في إدراك توجه ونهج القناة الجديدة، فأنزلها منزل القنوات الرسمية، أو أدنى، كصوت للسلطة العربية، وظلت الجزيرة هي صوت المواطن العربي.

 

وبالفعل، كان دور قناة الجزيرة في ثورات الربيع العربي كبيرا، ولا أبالغ إن قلت إن لها الدور الأكبر في الإعداد للثورات، وفي اندلاعها في بعض دول العالم العربي، وفي إنجاحها.  فلولا الجزيرة لما عرفنا، ولما تحركنا، ولولاه الوئد الحراك، أي حراك، في مهده، دون أن يسمع به أحد. وقد أكد على هذا الدورأحد الدبلوماسيين الأوروبيين في محاضرة له بقوله "إن الجزيرة أمدت المواطن العربي بسلاح المعرفة، الذي غاب عنهم كثيرا، فلم يعد خاضعا لما تحشى به السلطات المستبدة رأسه، بل منفتحا على العالم، مدركا لما يدور حوله".

 

النجاح القطري على المستوى الإعلامي واكبه نجاح أخر على المستوى الاقتصادي، فقد استطاعت قطر عن طريق الاستخدام الأمثل لثروتها من الغاز الطبيعي أن تصبح قوة اقتصادية كبيرة وفاعلة على المستوى الإقليمي، ما مكنها من لعب أدوار سياسية فاعلة في العديد من الدول العربية والإسلامية، مثل لبنان والسودان وفلسطين ومصر. هذا الدور أثار حفيظة أخواتها من دول الخليج العربي، التي ترى أن قطر دويلة صغيرة تلعب أدوارا أكبر من حجمها. وفي الحقيقة فإن سبب النقمة على قطر يرجع إلى أنهااتبعت سياسة مستقلة متوازنة كشفت عن عجز السلطات في بقية دول الخليج عن اتباع سياسة مماثلة، نظرا لارتباطها أو تبعيتها لسياسة الراعي الأمريكي الذي يحدد بدوره مساحة وطبيعة الدور السياسي المسموح به لهذه الدول.

 

التوازن هو كلمة السر في نجاح السياسة القطرية،ذلكأنها استطاعت أن تراعي المعايير الدولية من النزاهة والشفافية واحترام العقود والمواثيق التي تبرمها، إضافة إلى تقديم الرعاية لمواطنيها وتوفير الخدمات الرئيسية والترفيهية لهم، ما رفع عن كاهلها العبء الناشئ عن المآخذ، التي تتخذها القوى الدولية الكبرى في العادة ذريعة للتدخل في شئون الدول الصغيرة والنامية. أو لإخضاع حكامها. هذا المسلك في الإدارة وفر أرضية صلبة للسياسة القطرية كي تفعل ما تراه موافقا لمبادئها، دون التعرض لابتزاز سياسي من هنا أو هناك. حتى القاعدة العسكرية الأمريكية صارت بحكم السياسة الرشيدة ورقة تلعب بها في صالحها، مثل ما فعلت وتفعل ألمانيا مثلا.

 

بتدبير ودعم الانقلاب العسكري في مصر ظنت ممالك الخليج العربي أنها أحرزت أول أهدافها في قطر، سياسة وإعلاما، وأنها سترجع بالأوضاع إلى المربع الأول، غير أن عجلة التاريخ لا تدور إلى الوراء. فقد أفسد الحراك الشعبي المعارض هذا التدبير، كما شجع قطر على المضي في دعم المسار الديموقراطي الشرعي في مصر سياسيا وإعلاميا، وعلى ألا تحيد عن مبدأها في دعم الشعوب لا الحكومات.

 

وإذ أوشك الانقلاب على السقوط، وهو الكابوس الأكير لهذه الممالك، فإنها في سعيها لتدعيم الانقلاب، اتجهت إلى قطر مجددا، مطالبة إياها بتغيير نهجها تجاه مصر، إذ إنها ترى في تغطية الجزيرة للمشهد المصري ودعمها للشارع، لا للسلطة، تهديدا غير مباشر لأمن دول الخليج، ومن ثم فقد أقدمت كل من السعودية والإمارات والبحرين على سحب سفرائهم من قطر في 5 مارس 2014، بعد أن فشلت مؤخرا فيالمؤتمررقم 130لدولمجلس التعاونالخليجي المنعقد بالرياض قبلها بيومواحد في إقناعها بالعدول عن سياستها. وذلك، بزعمهم، تنفيذا للاتفاقية الأمنية لمجلس التعاون، والتي من بنودها "الالتزام بالمبادئ التي تكفل عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي من دول المجلس بشكل مباشرأوغيرمباشر،وعدم دعم كل من يعمل على تهديد أمن واستقرار دول المجلس من منظمات أو أفراد، سواء عن طريق العمل الأمني المباشرأوعن طريق محاولة التأثيرالسياسي،وعدم دعم الإعلام المعادي".

 

تقول قطر: نراهن على الشعوب، ويقولون: نراهن على الحكومات، والتاريخ يقول: الشعوب باقية والحكومات زائلة، ولا أرى هناك سببا ليغير التاريخ كلمته.  

 

 

 

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان