رئيس التحرير: عادل صبري 10:11 صباحاً | الخميس 28 مارس 2024 م | 18 رمضان 1445 هـ | الـقـاهـره °

مأساة.. القرن !

مأساة.. القرن !

مقالات مختارة

الكاتب جهاد الخازن

مأساة.. القرن !

بقلم: جهاد الخازن 21 يناير 2014 15:03

كنت في طريقي الى بيروت من لندن، ومعي الجرائد الانكليزية، وشاءت الصدفة أن أبدأ بتقليب بعض صفحات «الغارديان» ووجدت إعلاناً، تتوسطه صورة لطفلة سورية في السادسة أو السابعة، من جمعية خيرية تطلب تبرعات لتوفير مواد غذائية للسوريين في بلادهم وفي مخيمات اللجوء في الخارج.

لست عاطفياً البتة وغلب الغضب الدموع وأنا أتقلب في مقعدي وقد فقدت رغبتي في الحياة لا الطعام رغم أن الرحلة طولها خمس ساعات.

 

لا أصدق أن يجوع السوريون أو يتسولوا. غير أنني أكتب وأمامي خبر أميركي عن مجاعة في مخيم اليرموك بين ساكنيه من اللاجئين الفلسطينيين. ومنظمة مراقبة حقوق الانسان تقول إن النظام منع وصول المساعدات الى المناطق المنكوبة، ومنها مخيم اليرموك.

 

بين هذا وذلك انتهى مؤتمر الدول المانحة في الكويت بتعهدات لتقديم حوالى 2.4 بليون دولار لإغاثة الشعب السوري، منها 500 مليون دولار من الكويت و380 مليون دولار من الولايات المتحدة.

 

في الأسـواق الجديدة في بيـروت استوقفتني شـابة سـورية، حـسناء ككـل السـوريات، قالت إنها طبيبة أسنان وسألتني ماذا أتوقع في سورية.

 

لم أقل لها إنني أتوقع مزيداً من الموت، وإنما قلت إنني أعرف ما حدث حتى الآن إلا إنني لا أعرف المستقبل. وحاولت أن أطمئنها بكلمات من دون معنى، وهي تروي لي عن مشاهد البؤس التي مرت فيها مع والدتها في الطريق الى بيروت. احتـبس الـدمع في عيـنيـها وقـررتُ أن أصـمـد وأنـا أقول: الـله كبير، وبكره بتـفرج، ولا أصـدق نفسـي فـكيف تـصدقني.

 

تركتها وأنا أردد من شعر الاندلسي أبو بكر بن زهر:

 

غشيت عيناي من طول البكى / وبكى بعضي على بعضي معي

 

ثم أزيد من شعر الصنوبري الذي وقف على باب سيف الدولة في حلب يوماً:

 

لو كنت أملك للرياض صيانة / يوما لما وطئ اللئام ترابها

 

قبل ألفي سنة كانت سورية سلة غلال الدولة الرومانية، واليوم وفي عصر التكنولوجيا، يستجدي السوريون الغذاء والدواء. الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون قال للمانحين إن السوريين بحاجة الى 6.5 بليون دولار لتوفير الحد الأدنى من الحاجات اليومية للناس. ومنظمة العفو الدولية قالت إن دولاً تعهدت بالتبرع لم تفِ بوعودها... يعني أن الدولة من هذا النوع أعلنت تبرعاً كبيراً كدعاية لنفسها وسط حشد عالمي ثم تركت السوريين يجوعون.

 

في الأرقام الرسمية ان هناك 2.3 مليون لاجئ سوري في الخارج، ولبـنان والأردن يتـحمــلان الـعبء الأكـبر مـن اللـجـوء ثـم تركـيا وغـيرها. أو يـموت السـوريون في البحر، وهم في مراكب قديمة نخر خشبها السوس، ويحاولون الوصول الى شواطئ ايطاليا أو غيرها. ثم هناك ملايين اللاجئين داخل سورية، وأسمع أربعة ملايين، أو خمسة أو سبعة، ولا أعرف ما هو الصحيح، غير أنني أعرف أن السوريين يموتون كل يوم.

 

بان كي مون يقول إن نصف السوريين بحاجة الى مساعدة، ومرة ثانية لا أعرف هل هو الربع أو النصف أو 99 في المئة من أهل بلدنا المنكوب، لا أصدق ما أسمع أو أقرأ. سورية بلد الخير بحاجة الى مَنْ يساعد أهلها.

 

الشعب السوري وقع بين مطرقة نظام يبطش بأهل بلده، وسندان معارضة من نوع داعش والنصرة تمارس أبشع أنواع الارهاب كل يوم مع قتل عشوائي لا يرحم صغيراً او كبيراً، امرأة أو طفلاً.

 

جنيف-2 لن يحل شيئاً وقد ركب كل طرف رأسه ويعلن ما يريد حلاً قبل أن يذهب ويفاوض. الحل استبعاد أطراف القتال كلها والمجيء بطرف جديد يعيد بناء البلد، إلا أنه حل من نوع الأمنية فلا طرف آخر ولا قدرة على تعمير بلد يبدو أحياناً وكأن قنبلة نووية أصابته.

 

أقول رحمتك يا رب، وهو رحيم إلا أن أطراف النزاع في سورية لا ترحم.

 

نقلاً عن الحياة اللندنية

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان