رئيس التحرير: عادل صبري 09:04 مساءً | الجمعة 19 أبريل 2024 م | 10 شوال 1445 هـ | الـقـاهـره °

الأسرة و زواج المثليين؟!

الأسرة و زواج المثليين؟!

مقالات مختارة

الكاتب محمد السماك

الأسرة و زواج المثليين؟!

بقلم: محمد السماك 20 يناير 2014 09:45

عندما قام وزير خارجية ألمانيا يوشكا فيشر بزيارة رسمية لاحدى الدول العربية، طلب أن يرافقه في الزيارة رفيقه. ورفيقه هو الشخص الذي يعاشره معاشرة الزوجية. يومها اعتذرت الدولة العربية عن عدم قبول الطلب، باعتبار أن ذلك يشكل احراجاً لها وللمجتمع.


تفهّم الوزير الألماني الأسباب الموجبة للاعتذار، وقام بالزيارة "وحيداً" يرافقه عدد من مساعديه. وتشير نتائج الزيارة الى انها لم تكن ناجحة كما كان متوقعاً.


لم تعد ظاهرة زواج المثليين "حالة شاذة" في معظم المجتمعات الغربية. بل ان مفهوم الأسرة بدأ ينقلب رأساً على عقب. فالرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند مثلاً غير مطلق. الا انه يقيم في القصر الرئاسي مع رفيقته. وهي مطلقة أيضاً وأم لأولاد. أما رفيقته السابقة (وليست زوجته) فانها تقيم مع رفيق لها وبصحبة أولادها من هولاند!!


قبل ذلك كان الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتران متزوجاً. وكان يقيم منذ عام 1980 مع زوجته دانيال وابنه في القصر الرئاسي. الا ان زوجته كانت على علاقة حب بشخص آخر يدعى جان بالانشي. وكان جان يقيم مع عائلة ميتران في القصر الجمهوري. كما كانت تقيم مع العائلة أيضاً في القصر عشيقة لميتران تدعى "آن بينجو". وقد أنجبت من ميتران ابنة سمياها "مازاريت". عاشت العائلة أو العائلتان بانسجام وسعادة طوال سنوات حكم ميتران. وكان بالانشي يقوم بنفسه صباح كل يوم بتسوق "الكرواسان" الطازج. وهو الخبز المفضل لدى ميتران في فطور الصباح. احتفظ ميتران بسرّين كبيرين؛ سرّ هذه العائلة... وسرّ اصابته بسرطان البروستات الذي كان سبب وفاته.


ولما افتضح السرّان، ذهل الفرنسيون لأنهم كانوا آخر من يعرف بمرض رئيسهم بسرطان البروستات!! ذلك ان المرض يؤثر في عملية اتخاذ القرارات لدى الرئيس، وهو شأن عام. اما العلاقات العائلية فانها شأن خاص!! وهو ما جدد التأكيد عليه الرئيس هولاند في المؤتمر الصحافي الذي عقده منذ أيام، عندما سُئل لدى افتضاح علاقته مع ممثلة فرنسية خارج اطار علاقته مع رفيقته التي تقيم معه في قصر الإليزيه!!


وفي الولايات المتحدة لم يحاسَب الرئيس الأسبق بيل كلينتون ولم يشهّر به أمام الكونغرس لأنه مارس الجنس مع عاملة في البيت الأبيض، "لوينسكي"، ولكنه عوقب معنوياً لأنه "كذب" على الشعب الأميركي عندما أنكر أن يكون مارس الجنس معها. فالتهمة كانت "الكذب" ولم تكن "العلاقة المحرمة". ثم ان ما أقدم عليه كلينتون لا يشكل سابقة في تاريخ الرؤساء الأميركيين. فالتاريخ يثبت ان أحدهم أنجب من سيدة سوداء كانت بين عاملات التنظيف في البيت الأبيض. ولا يزال أحفاد تلك العاملة يحملون جينات الرئيس الأميركي الأسبق!


وضعت مجموعة من علماء الاجتماع في الولايات المتحدة دراسة تحت عنوان: "مستقبل الانسانية: صعود ما بعد الأسرة". تتضمن الدراسة احصاءات تشير الى هذا الصعود. من هذه الاحصاءات مثلاً ان نسبة ما بين 40 و 45 بالمائة من الاسكندينافيين (السويد النرويج الدانمرك فنلندا) يعيشون منفردين. أي من دون علاقات زوجية.


أما في الولايات المتحدة فان النسبة ارتفعت من 9 بالمائة في عام 1950 الى 28 بالمائة اليوم. وفي عام 1990 انخفضت نسبة الأميركيين الذين يعتقدون بأهمية إنجاب أطفال بالنسبة للعائلة من 65 بالمائة في عام 1990 الى 41 بالمائة اليوم. وفي اسبانيا تراجع عدد المواليد في عام 2012 الى أقل مما كان عليه في القرن الثامن عشر!! وانخفض عدد عقود الزواج من 270 ألفاً في عام 1975 الى 170 الفاً اليوم.


وسجلت اليونان في عام 2011 تراجعاً في عدد السكان، إذ تجاوز عدد الوفيات عدد المواليد 4671 شخصاً. وفي عام 2012 تواصل هذا التجاوز ليبلغ 16300 شخص! ونتيجة لذلك يعاني المجتمع اليوناني من الشيخوخة كسائر المجتمعات الأوروبية الأخرى بسبب التغيير الجذري في القيم العائلية... وينعكس ذلك على الاقتصاد. إذ يقدر عدد العاملين في اليونان استناداً الى احصاءات 2012 حوالى 3،8 مليون شخص، فيما يبلغ عدد المحالين على المعاش (المتقاعدين) 4،1 مليون شخص!! أي أن المجتمع ينفق على الخدمات الاجتماعية أكثر مما ينتج. وهذا ما يفسر هبوط الانتاج القومي في اليونان بنسبة 25 بالمائة منذ عام 2008.


وفي ألمانيا فإن نسبة ثلاثين بالمائة من النساء يؤكدن انهن لا يرغبن على الاطلاق في انجاب أطفال. وترتفع هذه النسبة في تايوان الى خمسين بالمئة. حتى في البرازيل في أميركا الجنوبية، انخفضت نسبة خصوبة المرأة من 4،3 اطفال الى 1،9 أطفال. ولعل أبرز مظاهر هذه الحالة تعكسها ايسلندة حيث ان نسبة 60 بالمائة من أطفالها من انجاب غير شرعي، اي خارج العلاقات الزوجية.


وفي دراسة علماء الاجتماع تفسير لهذه الظاهرة، يستند الى عدة أسباب، منها:


أولاً: تراجع الإيمان الديني. ولأن هذه الظاهرة غير موجودة في مجتمعات الدول الاسلامية، فان وضع العائلة لا يزال سليماً. وكذلك نسبة الزواج والانجاب. فقد ارتفع عدد مسلمي العالم الى مليار و600 مليون انسان. وبالمقارنة مع المجتمعات غير المتدينة كالمجتمعات الغربية مثلاً، فانها تعاني من تناقص مضطرد في عدد سكانها. ولذلك يبدو لهذه المجتمعات ان الحجم السكاني الاسلامي متضخم جداً... بل انفجاري.. ففي روسيا مثلاً هناك قلق شديد من استمرار تراجع نسبة المواليد. إذ إن هذه النسبة تقل عن نسبة الوفيات الطبيعية.


ثانياً: تصاعد ضغوط الأعباء الاقتصادية على العائلة؛ وبالتالي كلما صغرت العائلة تراجعت الأعباء. ومع إلغاء العائلة تلغى الأعباء؟!


ثالثاً: ارتفاع نسبة نفقات تربية الأطفال وتنشئتهم. فحجم الانفاق على الطفل يزيد من حجم الافادة منه!!


رابعاً: التحول في القيم الاجتماعية بحيث إن الأفضلية أصبحت لمن يملك مالاً أكثر. وتبين الاحصاءات الرسمية ارتفاع عدد أثرياء العالم بنسبة ستة بالمائة بين عامي 2012 و2013، اذ يبلغ العدد 199235 شخصاً تبلغ ثروة كل منهم 30 مليون دولار كحد أدنى. طبعاً هناك المئات من أصحاب المليارات في آسيا وأميركا وأوروبا وحتى في أفريقيا والشرق الأوسط.


وبالنتيجة فإن نسباً متزايدة من الناس في مختلف القارات، بما فيها آسيا، أصبحت تبحث عن شكل جديد من العلاقات بدلاً من العلاقة التقليدية المحددة بـ"الزواج وتكوين العائلة". فالعائلة لم تعد الرابط الوحيد. ولكنها أصبحت " أحد" الروابط. والخيارات مفتوحة أمام أشكال جديدة للروابط تتفيأ في ظل "حقوق الانسان"، بما فيها حرية الاختيار!!


حمل هذا التحول الفاتيكان على قرع جرس الخطر الاجتماعي. فنظم مؤتمراً خاصاً حول مستقبل العائلة. وقد رفض المؤتمر اطلاق اسم عائلة على زواج المثليين. ورغم ان الكنيسة الكاثوليكية ترفض هذه العلاقة وتدينها، فان بعض الكنائس الانجيلية خاصة في الولايات المتحدة تتعامل معها على انها طبيعية وشرعية. حتى ان هذه الكنائس عينت قسيسين في سلكها اللاهوتي يجاهرون بعلاقاتهم المثلية. وتكونت "عائلات" من خلال التبني، الأمر الذي يرسم علامات استفهام كبيرة ومقلقة حول تربية هؤلاء الأطفال ومستقبلهم... وحول علاقاتهم المستقبلية في المجتمع وطريقة عملهم عندما يتبوأون مواقع قيادية في المستقبل.


من هنا السؤال: اي مستقبل ينتظر المجتمعات في العالم وأي قيم ترسو عليها العلاقات الدولية في ضوء هذه المتغيرات البنيوية على شكل العائلة وبنيتها الأخلاقية؟

نقلاً عن جريدة المستقبل اللبنانية

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان