رئيس التحرير: عادل صبري 12:55 مساءً | الخميس 28 مارس 2024 م | 18 رمضان 1445 هـ | الـقـاهـره °

القاعدة.. وثقافة التطرف في اليمن!

القاعدة.. وثقافة التطرف في اليمن!

مقالات مختارة

الكاتب اليمني مصطفى راجح

القاعدة.. وثقافة التطرف في اليمن!

بقلم: مصطفى راجح 12 ديسمبر 2013 12:05

التركيز على القاعدة كطرف منفذ للهجوم على أهم المؤسسات السيادية للدولة يشبه ذاك الذي يضع الهرم على رأسه بدلاً من «قاعدته» الحقيقية الواسعة.

في البلد أطراف عديدة نافذة ومسلحة ولديها الإمكانيات التخريبية وبنيتها نفسها بنية مافيوية يندرج ضمن نشاطها تهريب المخدرات والآثار والتعاون والاندماج مع القاعدة والجناح المسلح للحوثي والجماعات المتطرفة من كل نوع.


وفي البلد بيئة سياسية بالإمكان قراءة مشهدها الراهن وقواها السياسية وخياراتها وأساليبها لربط كل ذلك بما حدث وتحليله على ضوئه كأحد المؤشرات الخلفية على الحدث بعد المعيار الأول المتمثل في التحقيقات التي تمت والمعلومات التي جُمعت والافتراضات التي تشكلت.


القاعدة موجودة؛ والأهم أن ثقافة التطرف واستحلال الدم موجودة؛ وكذلك توجد مربعات اجتماعية مدمرة تمثل بيئة حاضنة للجريمة ومنتجة لأدواتها. كما توجد شبكة واسعة من البشر أعلمت فيهم أدوات الطرق والسحب وسحقت آدميتهم طوال سنوات عجاف؛ غير أن كل هذه تروس في آلة الشبكات التي نتجت عن تفكك النظام السابق الذي انفجرت شظاياه فوق الدولة والمجتمع من أنبوب النفط وكابلات الكهرباء في مأرب وشبوة إلى اغتيال مئات الجنود والضباط وعلى رأسهم سالم قطن في عدن، إلى التفجيرات المروعة في السبعين وبوابة كلية الشرطة، إلى ذروة الصدمة بترويع الشعب اليمني عبر استهداف هيبة الدولة اليمنية باقتحام مجمع الدفاع بالعرضي؛ ثاني رمز سيادي للدولة بعد مؤسسة الرئاسة.


فإذا كانت جل حلقات هذه السلسلة الدموية المنظمة والواسعة النطاق تندرج تحت عنوان حصري لا شريك له «القاعدة» فمعنى ذلك أن هذه المنظمة السرية كانت تدير البلد طوال العقود الماضية من الباطن، ولها قواعد اجتماعية وعسكرية وقبلية ومالية وبيروقراطية وأمنية ومصالح متشابكة في عموم الجغرافيا السياسية والمجتمعية في اليمن، وأنها تتداخل مع القوى السياسية المتصارعة وتهيمن على أهم أطرافها.



للتذكير فقط دعونا نعود إلى بداية المرحلة الانتقالية وتحديدًا انتخاب الرئيس في 21 فبراير 2012م، حينها تزامن تنصيب الرئيس الجديد مع سلسلة من "العمليات الإرهابية" افتتحت بالتفجير المروّع بالقصر الجمهوري بالمكلا، وتواصلت "الموجة الإرهابية" على مدى أيام شهدت ثلاث عمليات إرهابية توزعت بين البيضاء والمكلا وأبين، ووصل الغموض المريب الذي مازال غامضًا ومريبًا حتى الآن ذروته بهجوم غريب لجماعة إرهابية على معسكرين في أبين والاستيلاء على معدات قتالية ثقيلة.


لقراءة دلالات هذه التصعيدات «الإرهابية» المستمرة منذ بداية المرحلة الانتقالية وتوقيتاتها المريبة وفهم أبعادها نحتاج إلى توسيع زاوية النظر في بنية الجماعات الإرهابية خلال السنوات الماضية في اليمن وغيرها من البؤر الساخنة.


فقد شهدت التنظيمات الإرهابية تحولاً في بنيتها وأهدافها وآليات نشاطها تحولاً اقترب بها كثيرًا من بنية العصابات الإجرامية المحضة التي تعمل بالإيجار، ويمكن لأي طرف فاعل ولديه إمكانيات التنسيق معها واستخدامها، ولم تعد تنظيمات الإرهاب محكومة بالتوجهات المتطرفة والأيديولوجيا المحركة لها والتي كانت تشكل أرضيتها الخصبة في نشأتها واتساع ظاهرتها والمخاطر الناتجة عنها.


ومع هذا التحول لم يعد بإمكاننا فهم حركة التنظيمات الإرهابية وتشعباتها وفق منظور واحد يستند إلى خلفيتها كتنظيم متطرف يبرر جرائمه بالدين الإسلامي ونصرة الشريعة, بل ينبغي أن يقرأ المشهد السياسي بكافة أبعاده للوقوف على تعقيداته وتداخلاته مع ظاهرة الإرهاب.


لقد تداخلت أعمال الإرهاب مع أجندات الفاعلين الدوليين والإقليميين والمحليين وأجهزتهم الاستخباراتية، ففي باكستان اكتشف العالم أن أسامة بن لادن المطلوب الأول لأمريكا والحرب الدولية على الإرهاب كان يسكن طوال الخمس السنوات الأخيرة من حياته في منطقة تابعة للجيش الباكستاني بينما كانت الطائرات تطلق صواريخها وتقتل العشرات والمئات بمبرر استهداف المطلوب الأول عالميًا.


وفي العراق وباكستان واليمن كانت أغلب التفجيرات في السنوات الماضية تأتي متزامنةً مع ظلال المشهد السياسي وتتناغم مع مده وجزره لتخدم هذا الطرف أو ذاك، وفي اليمن لعلنا نتذكر هذا التناغم ابتداءً من التفجيرات في حضرموت المتزامنة مع الانتخابات الرئاسية في 2006 أيام الراحل بن شملان وليس انتهاءً مع التفجير الإرهابي في المدينة نفسها مع تنصيب الرئيس هادي.


هذه الوضعية لا تنفي وجود متطرفين وفكر متطرف يتوكأون عليه, متوهمين نصرة الشريعة ودين الله بجرائمهم، ولكن تعني أن هؤلاء أصبحوا بيادق تستقطبهم أوعية منظمات إرهابية أشبه بالعصابات تستغل الكتالوج التحريضي الديني للإيقاع بهم وتبرمج عملها بالتعاون مع سوق العرض والطلب ومن يقبل على خدماتها ويمكن حصرهم هنا بالأنظمة المحلية وأجهزتها الاستخباراتية، وخصوصًا في لحظة انهيارها تحت موجة الربيع العربي وثورات الشعوب العربية وكذلك الأطراف الإقليمية والدولية.


إلقاء نظرة فاحصة على موجة التفجيرات الإرهابية من يوم تنصيب الرئيس الجديد إلى اقتحام مجمع الدفاع تؤكد هذه الفرضيات، فماذا تريد جماعات إرهابية من هذه العمليات ولماذا الحماس لرفع وتيرتها في هذا التوقيت؟؟ لم يعد لدى الجماعات الإرهابية أي هدف سوى كونهم عصابات مأجورة.

نقلاً عن صحيفة الجمهورية اليمنية

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان