رئيس التحرير: عادل صبري 12:46 صباحاً | الثلاثاء 01 يوليو 2025 م | 05 محرم 1447 هـ | الـقـاهـره °

متى تتحول السياسة إلى شجرة؟

متى تتحول السياسة إلى شجرة؟

مقالات مختارة

آرثر سي.بروكس

آرثر سي.بروكس يكتب:

متى تتحول السياسة إلى شجرة؟

نقلا عن الشرق الأوسط 26 مارس 2017 14:40

حول هذا السؤال نقول عندما تدرس وتكتب عن السعادة مثلما أفعل، فستشعر باتفاق مطرد مع الأنماط.

 

على سبيل المثال، عندما أسير إلى مقر عملي، يمكنني تحديد، بناءً على محادثاتي القليلة الأولية، إن كانت البيئة العامة سعيدة أم كئيبة.

 

وخلال الأعوام القليلة الماضية، لاحظت عن كثب نمط السعادة الذي يتعلق بالسياسة. وعلى وجهٍ أكثر تحديدا، أن الأشخاص من ذوي الاطلاع العميق يميلون إلى أن يكونوا أكثر كآبة وتشاؤما من أولئك الذين يمرون على أحداث السياسة وأحاديثها مرور الكرام.

 

ولقد أخضعت ملاحظاتي تلك لقدر من التحليل، وكان من المؤكد أن ما تحمله الأرقام لا يكذبه الواقع. فلقد عمدت إلى تحليل البيانات الصادرة في عام 2014 عن المسح الاجتماعي العام، والذي أشرف على جمعه المركز الوطني لبحوث الرأي العام التابع لجامعة شيكاغو؛ للوقوف على مدى ارتباط الاهتمام بالسياسة بالرضا عن الحياة التي نحياها. ولقد جاءت النتائج مهمة إلى حد كبير. حتى بعد ضبط عينات المسح إزاء الدخل السنوي، والتعليم، والعمر، والنوع، والعرق، والحالة الاجتماعية، والتوجهات السياسية، فإن «الاهتمام الشديد بالسياسة» يزيد من احتمالات الإبلاغ عن «عدم السعادة» حول الحياة بنحو ثماني نقاط مئوية كاملة.

 

ولكن نتائجي لم تثبت السببية في ذلك: الناس الذين يولون اهتماما عميقا بالسياسة قد يميلون أيضا إلى أن تكون لديهم بعض المصادر الكامنة لعدم السعادة والارتياح. ولكن العلوم السلوكية توضح أن العلاقة قد تكون سببية فقط من خلال ما يُطلق عليه علماء النفس «موضع السيطرة الخارجية»، الذي يشير إلى المعتقد بأن القوى الخارجية (مثالا بالسياسة) لها تأثير كبير على حياة المرء.

 

يبعث موضع السيطرة الخارجية على التعاسة وعدم الارتياح. وأظهر ثلاثة من علماء النفس الاجتماعي هذا الأمر في دراسة شهيرة نشرت عام 2004 في دورية «الشخصية واستعراض علم النفس الاجتماعي». ومن خلال دراسة المسوح التي أجريت على طلاب الجامعات على مدى عقود عدة مع ضبط عينات المسوح إزاء ظروف الحياة والتركيبة السكانية، تمت مقارنة الناس الذين ربطوا مصائرهم بالحظ وبتأثير القوى الخارجية، مع أولئك الذين اعتقدوا أنهم أكثر سيطرة على مجريات حياتهم بأنفسهم. وخلصت الدراسة المطولة إلى أن «موضع السيطرة الخارجية» يرتبط مع التحصيل الدراسي السيئ، والمزيد من الضغوط، والمستويات المرتفعة من الاكتئاب.

 

على سبيل المصادفة، خلص الباحثون كذلك إلى أن «موضع السيطرة الخارجية» كان قد تزايد بين طلاب الجامعات منذ عقد الستينات في القرن الماضي. وليس هناك أمر مستغرب هنا، حيث كان الشباب يتعرض وبشكل متزايد خلال تلك الفترة إلى التحذيرات من أقصى حالات الاستنفار، والحساسية المفرطة تجاه التدهور العرضي للفئات المجتمعية المهمشة، والمساحات الآمنة. والوعي بالقمع هو من الأمور بالغة الأهمية، بطبيعة الحال، ولكن البحث يشير إلى أن الاتجاهات الحالية لمقار الجامعات تحمل تكاليف أكاديمية ونفسية ملموسة.

 

ومن المؤكد أن «موضع السيطرة الخارجية» ليس غير دقيق بالضرورة. فإن تأثر شخص ما على نحو مباشر بأحد الأعمال السياسية (مثالا بتغيير وضعية الهجرة، أو فقدان التأمين الصحي، أو ما شابه)، فإن اهتمام ذلك الشخص سيتأثر بطبيعة الحال بالأحداث الخارجة عن السيطرة التي تعرض لها. ومع ذلك، فإن «موضع السيطرة الخارجية» يمكن أن يستند أيضا إلى وهم زائف بأن شيئا ما يمارس التأثير المباشر علينا؛ مما يعني أن التعاسة الناجمة عن ذلك التأثير هي غير ضرورية بالمرة.

 

الأمر الذي يعيدنا إلى السؤال الافتتاحي في هذا المقال: متى تتحول السياسة إلى شجرة؟ في كتابه الكلاسيكي «الحياة مع معلمي الهيمالايا»، يسرد المعلم الهندوسي سوامي راما اليوم الذي لقّنه معلمه فيه طبيعة الـ«مايا»، أو الوهم. ومن دون تحذير مسبق، أمسك معلمه بإحدى الأشجار بمنتهى القوة وصرخ قائلا: «ساعدني! لقد سيطر هذا الجذع الخشبي للشجرة على جسدي».

 

ولقد أنهك سوامي راما نفسه كثيرا محاولا تحرير معلمه من قبضة الشجرة، ولكن من دون جدوى. وفي نهاية الأمر، ترك معلمه الشجرة، ثم قال وهو يضحك: «هذه هي المايا». ثم شرح الموقف لتلميذه بأننا دائماً ما نعلق مصائرنا بأمور وأشياء وظواهر خارجية؛ مما يجلب علينا التعاسة والبؤس والشقاء. وكان الحل البسيط: أن تتخلى عن الشجرة.

 

والسؤال المطروح اليوم هو: ما مقدار استهلاكنا السياسي الذي أصبح مثل تلك الشجرة، وبالتالي أصبح قابلاً للنفاد حتى يتسنى لنا رفع مستويات السعادة؟

 

لدى كل منا آراؤه السياسية، وبعض منها يتحول إلى مبادئ أو عقائد سياسية راسخة. ولكن أغلب ما يحدث بالفعل في عالم السياسة هو أبعد ما يكون عن تأثيرنا الفردي.

 

ولا يعني ذلك أنه غير مهم من ناحية الجوهر، ولكن دعونا نكون صادقين مع أنفسنا: الكثير منا يستهلك الأخبار والتعليقات السياسية بطريقة قهرية نهمة عقيمة، ونُخضع أنفسنا طواعية إلى معلومات ومثيرات لا مبرر لها، ولا سيما عبر وسائل الإعلام الاجتماعية.

 

وتعبر نتائج التعاسة صراحة عن نفسها. أحد أصدقائي، وهو من الصحافيين المعروفين من أصحاب المتابعات الكبيرة عبر وسائل الإعلام الاجتماعية، قد أفضى إلي ذات مرة بأن هناك أمراً يصيبه بالمزيد من القلق والتوتر من مجرد متابعة التغريدات عبر صفحته على موقع «تويتر».

 

ومع النقر المستمر على الإخطارات، يشعر بضيق متزايد في صدره. وربما يمكننا الإيعاز إلى هذا بما كتبناه آنفا.

 

لذا؛ فما الحل؟ أولاً، العثور على طريقة لجلب المزيد من السياسة إلى دائرة نفوذك القريبة؛ حتى لا تصبح مجرد موضع من مواضع السيطرة الخارجية.

 

إن مجرد النقر على اخبار السياسة الساخطة على موقع «فيسبوك» والمنشورة من قبل أشخاص تتفق معهم على بعض الآراء السياسية من المرجح أن يفاقم حالتك المزاجية ولا يمد يد المساعدة لأحد. بدلاً من ذلك، انخرط في أمور السياسة بطريقة ملموسة، من خلال التطوع، والتبرع بالأموال، أو حتى محاولة الترشح لأحد المناصب السياسية إن استطعت. بهذه الطريقة، تتحول من مجرد ضحية للظروف السياسية المحيطة إلى شخص يحاول إيجاد الحلول للمشكلات السياسية.

 

ثانياً، لا تبدِ اهتماماً كبيراً بالسياسة بوصفها مادة من مواد الترفيه اليومية. اقرأ الأخبار السياسية مرة واحدة في اليوم، بدلاً من النقر 50 مرة على تغريدات موقع «تويتر» كمثل الشمبانزي في تجربة عقد الخمسينات التي كانت تدور حول التعاطي الذاتي لمخدر الكوكايين. والسؤال: هل ستعرف أحدث ما يجري من وقائع سياسية في العاصمة واشنطن في الوقت الحقيقي؟ كلا. وهل من شأن ذلك أن يحولك إلى شخص مفعم بالملل والضجر؟ كلا. ولتثق في كلامي هنا، ستكون أقل تسبباً في الملل للآخرين من حولك. ولكن الأهم من ذلك، أنك ستكون أكثر سعادة.

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان