رئيس التحرير: عادل صبري 02:28 مساءً | الجمعة 29 مارس 2024 م | 19 رمضان 1445 هـ | الـقـاهـره °

من هو الديكتاتور الذي يخشاه العبادي، وهل يقدر عليه؟

من هو الديكتاتور الذي يخشاه العبادي، وهل يقدر عليه؟

مقالات مختارة

حيدر العبادي - رئيس الوزراء العراقي

كامران قره داغي يكتب:

من هو الديكتاتور الذي يخشاه العبادي، وهل يقدر عليه؟

في الجلسة الافتتاحية مطلع الشهر الجاري للمنتدى السنوي الخامس للجامعة الأميركية في السليمانية، العاصمة الثقافية لإقليم كردستان، كرّس رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي كلمته لتوضيح رؤيته لمستقبل البلاد في مرحلة ما بعد «داعش».

 

العبادي نقر على الأزرار الصحيحة في مسعاه إلى طمأنة الكيانات والجماعات أو «المكونات»، وفق المصطلح الذي شاع في العراق منذ 2003، طارحاً رؤيته لمستقبل العراق في مرحلة ما بعد «داعش»، وهو موضوع المنتدى هذه السنة، ملمحاً ضمناً إلى عزمه على الاستمرار في قيادة البلاد عبر خوضه الانتخابات البرلمانية المقبلة في 2018.

 

قال أن وحدة العراق تعني أن يحكم أهل كل محافظة أنفسهم، وأن المركز يجب ألا يفرض إرادته بالقوة منعاً لظهور الديكتاتورية أياً كان رمزها، لأن لا وجود لديكتاتورية جميلة وأخرى قبيحة، وفق تعبيره.

 

واعتبر أن الفساد الذي يضرب أطنابه وينخر جسد العراق، يؤدي إلى الإرهاب. وعلى صعيد الحرب ضد «داعش وما بعد ذلك، تمنى العبادي أن يستمر العمل المشترك بين القوات العراقية والبيشمركة الكردية وبين بغداد والإقليم عموماً.

 

العبادي في تحذيره من احتمال ظهور الديكتاتورية، اكتفى بالقول أن «البعض يريد أن يكون أقوى من الدولة». لكن لو سُئل أي عراقي عمّن يظن أنه المقصود بـ «البعض»، لأجاب من دون تردد أنه زعيم حزب الدعوة الإسلامية رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الذي لا يتفق مع العبادي في شيء.

 

فالمالكي مع فرض المركز إرادته بالقوة وضد مبدأ أن يحكم أهل كل محافظة أنفسهم، ناهيك عن كراهيته للفيديرالية حتى أنه أكد مرة أنها كانت السبب في سقوط الدولة الإسلامية. وهو أخيراً يؤمن بوجود ديكتاتورية «جميلة». إلى ذلك يتهكم المالكي عبر أنصاره في البرلمان على «انبطاح» خلفه أمام أربيل وعلاقاته الجيدة مع الولايات المتحدة وبريطانيا.

 

معلوم أن حزب الدعوة بدأ يتفرّد منذ أول انتخابات برلمانية في 2005. والحق أن هذا الأمر يشكل إحدى المفارقات المضحكة المبكية في العراق «الجديد». ذاك أن صعود الحزب إلى السلطة تم أصلاً مصادفة. في البداية، قاطع «الدعوة» مؤتمـــر لنــدن للمعـــارضة العـــراقية، وهـــو المـــؤتــمر الحاسم الذي عقد في رعاية أميركية في كانــون الأول (ديسمبر) 2002، وأقرت فيه التصورات للحكـــم المقبل. بعد تغيير النظام كاد الحاكم المدني الأميركي بول بريمر يرفض ضم حزب الدعوة إلى تشكيلة مجلس الحكم، لكنه تراجع عن موقفه نتيجة لإصرار الطرف الكردي على ضرورة ضمه، فأصبح زعيم الحزب آنذاك إبراهيم الجعفري عضواً فيه.

 

لاحقاً في حزيران (يونيو) 2004 مع انتهاء ولاية أياد علاوي كأول رئيس وزراء انتقالي، أدت أول انتخابات برلمانية حرة في العراق في 2005 إلى فوز الائتلاف الشيعي بغالبية مقاعد البرلمان ليكون منصب رئيس الوزراء من حصته، فتنافس عليه مرشحان عن كتلتين مشاركتين في الائتلاف: حزب الدعوة مرشحاً الجعفري، والمجلس الإسلامي الأعلى مرشحاً عادل عبد المهدي. بنتيجة التصويت فاز الأول بفارق صوت واحد فقط.

 

ولاية الجعفري الهزيلة انتهت سريعــاً ليخلفـــه نوري المالكـــي فـــي قيـــادة الحزب ورئاسة الوزراء. وكان السفير الأميركي وقتذاك زلماي خليلزاد اختاره بعدما تعرف إليه «مصادفة» عبر أحد مساعديه! ولايتا المالكي الكارثيتان تميزتا بنزعته الديكتاتورية وسيطرته على مفاصل السلطة واتخاذ القرارات الفردية ومنح نفسه وأزلامه بالوكالة المناصبَ الأمنية والعسكرية، تجنباً لمصادقة البــرلمان عليهم، بحيث استحقت وزارته لقب «حكومة الوكالة»، كما تغاضى عن انتشار الفـــساد المالـــي والإداري واستفحاله. وكان الأسوأ من كل ما سلـــف ولوغه في مستنقع الطائفية ومسؤوليته إلـــى درجــة كبيرة عن تفاقم الأوضاع الأمنية بظهور تنظيم «داعش» الإرهابي الذي احتل ثلث مساحة العراق خلال ساعات.

 

وهذا ناهيك عن أنه خلال ثمانـــي سنوات من حكمه لم يترك ولو إرثاً بسيطاً يمكن أن يُحسب إنجازاً أو مشروعاً اقتصادياً أو اجتماعياً أو إنشائياً أو خدمياً.

 

المصادفة أيضاً لعبت دورها في خلافة العبادي المالكي، مع أنه لم يكن حتى الرجل الثاني في قيادة «الدعوة»، ولا الأكثر شعبية في كتلة «دولة القانون» برئاسة المالكي (حصل على نحو خمسة آلاف صوت فقط في الانتخابات). لكنه كان الخيار الأفضل كحل وسط وتوافقي، وكذلك للتخلص من المالكي.

 

قصــــارى الكلام أن ما سلف أدى إلى قناعة عامة فـــي أوساط واسعة من الرأي العام والمرجعية الشيعية نفسها، بل حتى في إيران، كما يعتقد عـــارفون بالشأن الشيعي وهذا أمر مثير للجدل طبـــعـاً. مفاد ذلك أن «الدعوة» استنفد فرصه بالكامل وحــــان الأوان ليختفي من مقدم المسرح السياسي.

 

المشلكة أن ما سبق كله لم يضعف قدرة المالكي على التحكم بمصير العراق عبر سيطرته على حزبه ونفوذه على مؤسسات مهمة كالتعليم والقضاء، والأخطر من ذلك المؤسسات الأمنية والعسكرية وتشكيلاته ضمن الحشد الشعبي الذي تحول دستورياً إلى رديف للجيش النظامي.

 

بعبارة أخرى يبقى العبادي حتى الآن في موقف أضعف من أن يتحدى سلفه الذي لا يفوّت فرصة إلا وينتقد أداء خلفه، من دون أن يخفي نيته ضمناً بإطاحته في الانتخابات المقبلة ليعود إلى رئاسة الوزراء على أساس حكومة الغالبية. والأخيرة تعني عملياً تكريس بقاء السلطة في أيدي الجماعات الشيعية وإطلاق رصاصة الرحمة على مبدأ التوافق الوطني المشوه أصلاً بتحويله إلى مبدأ المحاصصة الطائفية.

 

هكذا، فالتحدي الأكبر الذي يواجهه العبادي يتمثل في قدرته على تجاوز مرحلة الهزائم والسياسات الفاشلة المرتبطة بفترة حكم المالكي وهيمنة حزبه على مصائر العراقيين.

 

فالفشل في قبول تحدي المواجهة هو الخيار البديل الوحيد الذي من شأنه أن يعيد البلد إلى نقطة الصفر. العبـــادي يـــملك أوراقاً لا يُستهان بها في مقدمها أن ولايتــــه ترتبط بإلحاق الهزيمة بـ «داعش»، فيما ولايــة سلفه ترتبط بالهزيمة أمام التنظيم الإرهابي.

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان