رئيس التحرير: عادل صبري 06:46 صباحاً | الجمعة 29 مارس 2024 م | 19 رمضان 1445 هـ | الـقـاهـره °

الإرهاب بوصفه صناعة مشبوهة

الإرهاب بوصفه صناعة مشبوهة

عبدالعزيز التويجري 07 أبريل 2016 10:49

لا يقع حدث إرهابي في منطقة ما من العالم إلا ويُجدَّد طرح السؤال الذي بات من دون إجابة شافية للغليل ومقنعة للعقل السليم: من المستفيد؟. فإذا أُجيب عن السؤال بأن تنظيم «داعش» المسمى «الدولة الإسلامية» هو المستفيد، بقي معلقاً في صيغ أخرى: وماذا يستفيد؟ هل يمارس الإرهاب لحسابه، أم لحساب أطراف أخرى لا تظهر في الصورة؟ وهل داعش «قوة عظمى» عجز التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب عن القضاء عليها؟ وما دلالة هذا العجز الذي لا يستقيم منطقياً؟ كيف تكون الولايات المتحدة الأميركية، ومعها نحو ستين دولة في محاربتها هذا التنظيم، بهذا القدر من الضعف، لأن العجز هو ضعف على كل حال؟.

الذين يتعمدون صرف العقول عن المضيّ في طرح الصيغ المتعددة لهذا السؤال المحوري، ويعملون جهدهم ويستعملون كل الوسائل للدفع نحو الانشغال بقضية جدلية تدور حول الجذور الفكرية لتنظيم «داعش»، حتى لا يستمر هذا السؤال الحائر مطروحاً، لا يجدون أمامهم سوى توجيه سهام الاتهام الى المملكة العربية السعودية تحديداً، وليس إلى أي دولة عربية إسلامية أخرى، بأنها المصدر الرئيس للأفكار المتطرفة التي تنبت الإرهاب، ويركزون على السلفية والوهابية، مع التحريف الممنهج لمفاهيمهما، ليخلصوا إلى تركيب نظرية متهافتة، مفادها أن الفكر السلفي هو الذي ينتج التطرف، وأن «العقيدة الوهابية» هي التي تحرض على الإرهاب. بينما لا أساس شرعياً لما يطلقون عليه «العقيدة الوهابية»، فما كانت الوهابية عقيدة غير عقيدة الإسلام التي لا تنسب إلى الأشخاص، أيّاً كانوا وبلغوا ما بلغوا من العلم والتقوى والصلاح، وما كانت السلفية ملة خارج دين الإسلام أو نحلة متطرفة تحضّ على سفك الدماء وترويع الآمنين والإفساد في الأرض. فالسلفية هي التأسي بالسلف وهم الذين تربوا على يد النبي صلى الله عليه وسلم واتبعوه بإحسان، وهم خيار الأمة ونقلة الدين عن خير المرسلين. والوهابية هي دعوة إصلاحية تنهل من نهج السلف وصفاء العقيدة كما جاء بها القرآن الكريم والسنة المطهّرة ليس إلا. لكن الذين يحوّلون بوصلة الرأي العام العالمي عن الاتجاه الصحيح لمعرفة الحقائق عن الجرائم الإرهابية التي ترتكب هنا وهناك، وعن طبيعة هذا التنظيم الإرهابي المشبوه الذي نبت فجأة في المنطقة العربية، يسارعون إلى توجيه الاتهام الى المملكة العربية السعودية، وإظهارها أمام العالم بأنها الدولة التي تصدر الإرهاب والمسؤولة عنه، حتى شاع في العديد من دوائر صنع القرار ومراكز البحوث والدراسات ولدى قطاع واسع من الإعلام الغربي، ومعه طائفة من الإعلام العربي، أن عناصر تنظيم «داعش» هم من أتباع الفكر السلفي ومن معتنقي «العقيدة الوهابية»، وبذلك يتم تحقيق ما يسعون إليه، وهو الربط بين الإرهاب والإسلام السني.

لكن الأمر في حقيقته ليس كما تروج الدوائر الصهيونية، وكما تردد الجماعات الطائفية التي تعمل لحساب دولة إقليمية تتبنى مخططاً طائفياً يهدف إلى إثارة الفتن وغرس الخلايا الإرهابية ونشر مذهبها في الدول العربية والإسلامية، وهو الهدف الذي يلتقي مع الأهداف الاستراتيجية للقوى العظمى التي تأكدت الأدلة وتواترت على أن لها يداً في قيام «داعش»، وإن كانت التفاصيل هنا غير واضحة المعالم. ولعل عدم الوضوح هذا مقصود لذاته، تعتيماً على الحقائق، التي منها تشويه صورة الإسلام والمذهب السني منه، بخاصة الذي تنتمي إليه الغالبية العظمى من مسلمي العالم، والإساءة إلى العرب والمسلمين.

ولأن الإرهاب صناعة مشبوهة يقف العالم أمامه عاجزاً عن حصره، أو تحجيمه، بل محاربته والقضاء عليه، وهو أمر محيّر للعقول، فإن اتهام السعودية بأنها الدولة المصدّرة للفكر المتطرف الذي يدفع الى الانخراط في التنظيمات الإرهابية، هو محاولة فاشلة لتضليل المجتمع الدولي، وللتغطية على الحقائق الثابتة على الأرض، والتي منها تدفق هذه الأفواج الكبيرة من المواطنين الأوروبيين الذين ولدوا في أوروبا وتعلموا في مدارسها، للالتحاق بـ «داعش»، ليكونوا دعماً للتنظيم الإجرامي. فهؤلاء الداعشيون الإرهابيون الآتون من بعض الدول الغربية، غالبيتهم من مرتادي الحانات والمراقص ومدمني المخدرات والمسكرات، مثل الإرهابيين إبراهيم وصلاح عبدالسلام الضالعين في تفجيرات باريس.

ثم أليس بقاء إسرائيل في منأى عن الضربات التي يسدّدها «داعش» ذات اليمين وذات اليسار، أمراً يثير علامات استفهام كثيرة؟ أوليس إعراض «داعش» عن التوجه شرقاً وهو في العراق، دليلاً على التواطؤ مع الدولة التي تصدر الطائفية وتشعل نيرانها في المنطقة، إن لم تكن هي الأخرى ضالعة في تشكيل هذا التنظيم؟.

فالسعودية هي أكثر دول المنطقة تضرراً من الإرهاب ومعاناة من شروره، فقد استهدف الإرهابُ المملكة مرات عدة ولا يزال يستهدفها، وكان مواطنوها ضحايا له في حوادث إرهابية وقعت في مناطق مختلفة من أرضها. فكيف تكون الدولة التي تتهم بتصدير الفكر الإرهابي، ضحية له؟ وكيف يرتد هذا السلاح الفكري إلى صدر من يصنعه؟ وكيف تكون السلفية مرتبطة بالإرهاب وهي دعوة للصلاح والإصلاح والمصالحة؟ وكيف تكون الوهابية عقيدة عنف وإرهاب، وهي دعوة لأتباع الرسول صلى الله عليه وسلم ولتنقية الاعتقاد من شوائب البدع، وكيف يستقيم في العقل أن تكون المملكة دولة مشاركة بكل قوة في التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، بينما تقوم بتصدير الفكر المتطرف الذي يصنع الإرهاب؟ وكيف تبادر المملكة إلى تشكيل التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب من نحو أربعين دولة إسلامية، وهي، كما يزعم الزاعمون ويهرفون بما لا يعرفون، دولة تتبنى الفكر السلفي المتشدد والمتطرف، وللعقيدة الوهابية المحرّضة على الإرهاب كما يزعمون رجماً بالغيب؟.

ذلك كله افتراء وتضليل مقصودان لإلهاء العالم وصرفه عن الاهتمام بمعرفة المصدر الحقيقي للإرهاب الذي أصبح اليوم عابراً للقارات، ويتحرك على مساحات واسعة، مستهدفاً الإسلام وأمن العالم الإسلامي قبل أي شيء، ما يثبت من دون أدنى شك، أنه صناعة مشبوهة.

نقلا عن الحياة اللندنية

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان