رئيس التحرير: عادل صبري 01:20 صباحاً | السبت 20 أبريل 2024 م | 11 شوال 1445 هـ | الـقـاهـره °

في مولد السيد البدوي.. المداحون رحالة يبحثون عن الرزق

في مولد السيد البدوي..  المداحون رحالة يبحثون عن الرزق

أخبار مصر

حلقة ذكر صوفية أرشيفية

في مولد السيد البدوي.. المداحون رحالة يبحثون عن الرزق

عبدالغني دياب 21 أكتوبر 2016 20:03

"رضِىَ المُتَيّمُ فِي الهَوىٰ بِجُنونِهِ خَلُّوهُ يَفْنَىٰ عُمْرِهِ بفُنُونِهِ” ربما لا يعرف" مجاذيب" السيد البدوي الذين بدأو في التمايل طربا مع ترديد الكلمات السابقة على أصوات الربابة، أن قائلها هو أبو الحسن الششترى((610 هـ - 668 هـ شاعر وزجال ومتصوف أندلسي،) إلا أنهم قرروا ترك أنفسهم فريسة للحن.

 

كانت المدينة التى تتوسط دلتا النيل مختطفة بالأمس، الجميع سكاري سابحون في ملكوت الكلمات التى بدأ المنشدون في ترديدها بالخيام التى شيدت خصيصا لليلة الاحتفال الكبير بطنطا مدينة السيد أحمد البدوي كما يلقبها المتصوفة.

 

إلا أنه على هامش الاحتفالات الصاخبة بمولد "أبو الفتيان" كما يلقبه عموم الصوفية بمصر و الذي تزينت له مدينة طنطا، في نهاية الزقاق المتفرع من الشارع الرئيسي كان أحدهم يركن إلى أعمدة "الخيمة" منبهرا بصوت أحد المنشدين الذى جاء من مدينة ملوي بمحافظة المنيا ليردد معه.


"أنا خدام من أهل بيت النبي " هكذا سمي الرجل صاحب البشرة السمراء، نفسه قبل أن تفصح لهجته الصعيدية عن هويته، أحمد أبو العباس، أحد المنشدين المتجولين "بالموالد" يغنى في المناسبات الدينية خصوصا الموالد مجانا، لا يتقاضي أجرًا على ذلك ويحرص على التواجد بكل موالد آل البيت.

في حديثه لـ" مصر العربية" يقول أبو العباس إنه يحفظ مئات القصائد الصوفية التى تتناول حياة النبي وآل بيته، ولا يتورع عن ترديدها وسط الناس، في الموالد والمناسبات الدينة، ويقضي طوال العام بين التنقل في هذه المناسبات بين أحياء القاهرة، ومدن الدلتا فمن مسجد الإمام الحسين، والسيدتان" نفيسة، وزينب، لطنطا ودسوق والأسكندرية، لجانب موالد الصعيد.

 

لا ينتمى أبو العباس لفرقة إنشاد معتمدة لكنه هو وبعض أصدقائه من الموهوبين في اللعب على الآلات الموسيقية التلقيدية يطوفون بالمولد ليتغنوا بمديح الرسول، دون ترتيب.

 

وبحسبه فالجميع يفهمون بعضهم دون ترتيب مسبق فمن بيده الدف يحركه بخفة بسيطة تتناسب مع رقة الكلمات ويحزو منهجه عازف الربابة.

 

يؤكد الرجل الذى ترك محافظته قنا قبل يومين في زيارة للطنطا قد تستغرق يومين أخرين بعد انتهاء الاحتفالات، أن المنشدين الهواة أكثر إتقانا ممن يمتهنون الإنشاد و يعتبرونه وظيفة بينما يعتبره هو وأقرانه عبادة.

على مقربة من المسجد الأحمدي بطنطا، يمتلىء المشهد بالحشود التي تعتبر أقل بكثير من الذين قرروا استكمال ليلتهم بمنطقة "سنجر" التى تقام فيها احتفالات الطرق الصوفية بالسيد البدوي" target="_blank">مولد السيد البدوي، نصبت العصبة الهاشمية خيمتها وإلتف الناس حول المداحين هناك.


المشاهد من الخلارج وفي الطرقات تبدوا عبثية فوضي في الذهاب والإياب، إلا أنه بالاقتراب من تجمعات المتصوفة تبدوا الرؤية أكثر وضوحا واتساقا رؤسس تتمايل في رقصات الصوفية المعهودة ومداحين مهرة يقفون على منصات صغيرة.

 

رمضان السواحلي، أحد منشدي العصبة الهاشمية يقول، إن العصبة ليست طريقة صوفية لكنها تجمع لقبائل الأشراف، ينظمون احتفالات موسعة في الموالد، ويحضرون فرق الإنشاد من شتى المحافظات وغالبية المنشدين من محافظات الصعيد.

 

في حديثه لنا عقب الإنتهاء من وصلة إنشاد كتبها الإمام أحمد أبو الحسن الهاشمي، قال السواحلى إنهم يطوفون بجميع الموالد، يتم الإتفاق معهم مسبقا، من قبل صاحب "الختمة" أو شيخ الطريقة، مقابل أجر يتقاضاه المداح، ومن معه من العازفين أو الآلاتية كما يمسهم.

 

الكلمات التى يرددها المنشدون، من كتابات أبو الحسن الهاشمي، أو البصيري أو الحلاج أو ابن عربي، ويتم تطويعها على لحن لأغنية قديمة، أو لحن عشوائي لا يلتزم من يؤدوه بنوتة موسيقية ولا ترتيب موسيقي كما يحدث في العروض الموسيقية.


في المولد الجميع يرزق كما يقول السواحلي فإلي جانب المحبين الذين جاءوا رغبة في السمع والزيارة، ونيل البركة على حد وصفه، يوجد منشدين محترفين كمهنة فقط، لا يتبعون طريقة بعينها، ولكن يمدحون لأكل العيش، يحيون الليالي والأفراح، وليالي الحنة في بعض قري الأرياف، ومعم فرقهم الخاصة.

 

صبحي محمود، أحد المحترفين، الذين جذبهم المولد بحثا عن الرزق، يقول لـ"مصر العربية" إن الأمر بالنسبة له لا يقف عند طريقة صوفية معينة، لكنه يعمل مع أى منشد يتواصل معه فالرجل عازف كمان، مقابل أجر يتقضاه أخر الليل.

 

"لقمة العيش بترمينى وبشتغل" كلمات عبر بها عازف الكمان على أحواله في أيام ما بعد المولد، فالرجل لا يجد حرجا في أن يعمل عازف خلف راقصة خلال الأسابيع القادمة في شارع الهرم بالقاهرة، أو في فرح شعبي، حتى يتمكن من الإنفاق على أطفاله الثلاث، الموزعين على المراحل التعليمية.


في الجانب الأخر من الاحتفالات المقامة بطنطا، رحالة أيضا، ومداحين، لكن هذه المرة الجنسية سودانية، واللهجة لا تبدو مفهومة حتى في المديح إلا لذوات البشرة السوداء والعمامات الكبيرة، الذين جلسوا ليحتفلوا بمولد "أبو الفتيان" على طريقتهم.

 

فعبدالله عبدالرحمن الشافعي أحد كبار منشدي الطريقة القادرية بالسودان، جلس بجوار أحد الحوائط بمنزل استأجروه بأحد الأزقة القريبة من المسجد الأحمدي ليعلن عن أسباب الحضور لمحافظة الغربية.


 

"نحن مُدّاح النبي نأتي للزيارة هنا في العام أكثر من مرة نحضر موالد كل آل البيت بمصر "الحسين، السيدة زينب، والسيد البدوي، وعلى زين العابدين وأبو العباس والحجاج"، كلها أماكن يطوفها أبناء السودان في الموالد".
 

"في الدنيا دي ما عندنا غير المدح والذكر، فنجوب الموالد ونجلس في حلقات دائرية كهذه، ونمدح سواء هنا أو في السودان، ونحن لسنا دراويش أو نعيش عالة على المجتمع، منا المزارع والتاجر والعامل، وكل منا له بيت وأسرة يعولها.


 

عشيّة يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع لنا حضرة نجلس فيها ونمدح ونتفرغ في الموالد والمواسم الدينية للاحتفال، هكذا حكى الشافعي عن طقوسهم الدينية في السودان.

 

الطرق الصوفية في السودان متعددة، كما هو الحال في مصر، لكن الشافعي يبرر ذلك بقوله: "الطرق مدارس وكلها تؤدى إلى الله".


 

معيشة المتصوفة السودانيين في طنطا لا يوجد فيها مشقة سوى تكاليف التنقل والسفر، أما الطعام فيتكفل به صوفية مصر، فهم أهل كرم على حد وصف الشافعي والمبيت يكون في الساحات ومساجد آل البيت أو أماكن خصصتها الطرق الصوفية بمصر لذلك.


 

الشافعي اعتاد على حضور موالد آل البيت منذ عام 1981، وهو يحضر مرتين أو ثلاثة يقوم فيها بزيارة الصالحين في القاهرة والإسكندرية وطنطا ودهشور، يأتي متطوعًا لا ينتظر دعوة من أحد.

 

وينتهى نسب أحمد البدوى، إلى  الإمام الحسين بن على بن أبي طالب، وتحتفل الصوفية بمولده في منتصف  أكتوبر  من كل عام ويُعد أكبر الاحتفالات الصوفية بمصر من حيث الحضور حيت تسقبل المدينة ملايين المتصوفة على مدار أسبوع كامل من الاحتفالات.

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان