طرح الوضع السياسي لتونس بعد ثورة يناير 2011، مجالاً واسعًا للمبدعين في مجال الإنتاج السينمائي ومنحهم حرية تكاد تكون مطلقة في معالجة موضوعات شتى من الزوايا التي يرونها الأنسب لنقل واقع جديد في أغلبه سياسي، كما ساهم هذا الوضع في ميلاد مدرسة مخرجي الفيلم الوثائقي، بحسب نقاد سينمائيين.
كما شهد الإنتاج السينمائي التونسي بصنفيه الروائي والوثائقي، تحولاً ملحوظًا شكلاً ومضمونًا بعد التحوّل السياسي الذي طرأ على البلاد، فظهرت جرأة في تناول الموضوعات في حين ظلت وتيرة الانتاج حبيسة التمويل الشحيح.
خميس الخياطي، الكاتب والناقد السينمائي التونسي، قال إن "هناك مشاكل تعوق الإنتاج السينمائي في تونس، هناك فقط 12 قاعة عرض في تونس لـ 10 ملايين ساكن، إضافة إلى أن ميزانية الإنتاج تكلفتها مرتفعة فأقل تكلفة في حدود 400 ألف دولار للفيلم، وهذا غير متاح في تونس مما يضطر المخرج التونسي للجوء للمنتجين الأجانب ويُتَهم بعد ذلك في أعماله بالتأثير الأجنبي على موضوع الفيلم".
ورجّح الخياطي أن الأعمال السينمائية وخاصة منها الوثائقية تأثرت بشكل كبير بثورة 14 يناير 2011 (التي أطاحت بالرئيس الأسبق زين العابدين بن علي)، ويقول في هذا الصدد، "الثورة أنتجت الشارع وكثرت التقارير الإخبارية مما عزّز تواجد الفيلم الوثائقي".
وأضاف: "أنتجت أفلام روائية من صنف الوثائقي الروائي مثل (شلاط تونس) للمخرجة كوثر بن هنية، الذي يعرض في مهرجان كان الدولي، وكذلك فيلم (يلعن بو الفسفاط)، الذي تنبأ صاحبه سامي التليلي بالثورة، وبدأ في تصويره منذ أحداث الحوض المنجمي والتوترات الاجتماعية في قفصة (جنوب) سنة 2008".
وجدت تحركات اجتماعية في محافظة قفصة المعروفة بإنتاج الفوسفات استمرت لـ 6 أشهر ( من يناير 2008 الى حدود يونيو من نفس السنة) على خلفية ما وصف بـ "عمليات فساد" في انتداب موظفين لشركة فسفات قفصة الحكومية، تخللتها مواجهات المحتجين مع قوات الأمن أسفرت عن سقوط 4 قتلى وعدة جرحى وسجن محتجين ونقابيين، وفقا لتقارير حقوقية، وذلك خلال فترة حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي، الذي أطاحت به الثورة.
وخلص الخياطي إلى أن "الأفلام السينمائية الروائية الطويلة لا تزال تبحث عن أسلوب وطرح ثوري جديد وهو ما يتطلب ضرورة وقتًا إضافيًا".
واعتبر أنه "لا فيلم روائي ذو بعد ثوري لسبب بسيط هو أن العمل على الفيلم الروائي الطويل يجب أن يتخمر (ينضج بالدرجة الكافية) لذلك ننتظر الخمس أو الست سنوات القادمة قد يكون هناك أفلام تستطيع الحديث عن الثورة".
وأشادت معظم الكتابات النقدية الصادرة في الصحافة التونسية خلال السنوات الثلاث الأخيرة ببوادر تشكل جيل جديد من المخرجين الشبان خريجي مدارس السينما التونسية ورأت أن النقلة السياسية التي جدّت في البلاد دفعتهم لتناول إشكالات الشارع التونسي بمنظور جديد.
وتخصص وزارة الثقافة التونسية سنويًا قرابة 4 ملايين دينار (حوالي 2.6 مليون دولار) منحًا للأفلام يقع توزيعها على ما بين 20 و25 فيلمًا طويلاً ووثائقيًا.
النوري بوزيد من المخرجين الذين تركوا بصمات في تاريخ السينما التونسية، أقر في حديثه ، بأن " المخرجين الشبان اكتسحوا بحركة ثورية الشارع الذي كان محظورًا من قبل لتسجيل هذه الحقيقة الجديدة، وأخرجوا شهادات اللحظة الفريدة وأخرجوا أفلامًا، وتجاوزوا صعوبات التمويل وتوفير المعدات، على غرار الحي يروح، والقرط، ويا من عاش، ويلعن أبو الفسفاط".
وفي نظر بوزيد، أن "الفيلم الوثائقي نال النصيب الأوفر من التغيّرات السياسية في البلاد عكس الفيلم الروائي"، مضيفا: "بشائر سينما وثائقية" target="_blank">سينما وثائقية جديدة في تونس توجد في الأعمال الجديدة التي تحضر فيها العفوية بصفة ملحوظة وهو ما ساهم في تشكّل مدرسة جديدة".
وأوضح بوزيد أنه "بخصوص الروائي فإن من بين 20 فيلمًا تم إنتاجها خلال السنوات الثلاث الماضية، 17 فيلما منها لا علاقة لها بالثورة".
ولفت إلى أنه "لا يمكن الحديث عن مشهد سينمائي جديد في تونس استطاع أن يتحدث بالطريقة الأنسب عن الثورة".
"طفرة" الفيلم الوثائقي يفسرها الناقد السينمائي والأكاديمي التونسي إقبال زليلة، بأنها ''طبيعية"، وذلك بالرجوع إلى " تجارب دول أخرى مرت بتجارب سياسية مشابهة لتونس مثل الانتاجات الغزيرة للأشرطة الوثائقية التي تلت حرب لبنان سنة 2006،.. فالوثائقي هو عمل سياسي مواطني بالدرجة الأولى"، بحسب زليلة.
ويلعب جانب التكلفة دورا أساسيا حيث ''يعمد المخرجون الى انجاز أعمال بأقل تكلفة ممكنة لذلك يختارون الوثائقي، وهو ما يفسر إنتاج ما بين 50 و60 شريطا وثائقيا تقريبا في تونس بعد الثورة إذا ما احتسبنا انتاجات مدارس السينما وانتاجات نوادي السينما في تونس الى جانب الانتاجات الخاصة"، هكذا أضاف زليلة لوكالة الأناضول .
ووفقا لوزارة الثقافة التونسية فقد تم انتاج ما يقارب 56 فيلما وثائقيا طويلا و33 فيلما وثائقيا قصيرا في تونس منذ 2011.
ومن بين الأفلام الوثائقية التونسية التي شاركت في مسابقات دولية نذكر فيلم "نحن هنا" (52 دقيقة) للمخرج عبدالله يحيى الفائز بالجائزة الكبرى للمهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بخريبكة بالمغرب في دورته الرابعة الملتئمة في الفترة من 29 أغسطس إلى 1 سبتمبر 2012، الذي يروي واقع أحد الأحياء الشعبية بالعاصمة تونس في فترة ثورية يناير 2011.
برومو فيلم شلاط تونس
https://www.youtube.com/watch?v=E6TACThJheM
الفيلم التسجيلى يلعن بو الفسفاط
https://www.youtube.com/watch?v=kOB5E51WbUg
أقرأ أيضًا: