أصبحت أغنية "الربيع" و التي غناها الموسيقار والمطرب ملك العود فريد الأطرش ضمن أوبريت فصول السنة بفيلم عفريتة هانم عام 1949 أحد أيقونات احتفال المصريين بأعياد شم النسيم ليأتي اليوم هذا العام مواكبًا لذكرى ميلاده.
وأصبحت الأغنية، ولحنها مرتبطة في وجدان المصريين بهذا اليوم وخاصة أن الأطرش كان يفتتح بها حفله الذي كان يقدمه سنويًا ليلة شم النسيم وكان كل مرة يقدم اللحن بتوزيع جديد ليصل الأمر في حفله الذي أحياه في 26 إبريل 1970 لإضافة مقطع جديد قال فيه " لا القلب ينسى هواه ولا حبيبي بيرحمني، وكل ما أقول آه يزيد في ظلمه ويألمني"
كتب الأغنية الشاعر الكبير مأمون الشناوي والذي قدمها لكوكب الشرق أم كلثوم التي رفضت غنائها قبل إدخال بعض التغييرات عليها وهو ما رفضه الشناوي ليطلبها فريد الأطرش لقوم بتلحينها وغنائها وتحقق نجاحًا كبيرًا.
وتناغم كلمات الشناوي مع ألحان الأطرش لتقديم حالة وجدانية صادقة عن فصول السنة فيقول المقطع الخاص بالربيع في الأوبريت:
"أدي الربيع عاد من تاني والبدر هلت أنواره
وفين حبيبي اللي رماني من جنة الحب لناره
أيام رضاه يا زماني هاتها وخد عمري
اللي رعيته رماني وفاتني وشغل فكري
كان النسيم غنوة والنيل يغنيها
وميته الحلوة تفضل تعيد فيها
وموجه الهادي كان عوده ولون البدر أوتاره
يناغي الورد وخدوده يناجي الليل وأسراره
وأنغامه بتسكرنا أنا وهو
أنا وهو مافيش غيرنا.. مافيش غيرنا"
ولد فريد الأطرش في 21 أبريل 1910 في بلدة القريا في جبل الدروز منتميًا إلى آل الأطرش وهم أمراء وإحدى العائلات العريقة في جبل العرب جنوب سوريا هذه المنطقة المسماة جبل الدروز أيضا نسبة لسكانها الدروز.
والده هو فهد فرحان إسماعيل الأطرش من جبل العرب في سوريا، تزوج ثلاث مرات: الأولى سنة 1899 وكانت زوجته طرفة الأطرش وأنجب منها ابنه طلال، والثانية سنة 1909 وكانت زوجته علياء المنذر، وأنجب منها خمسة أولاد: ثلاثة ذكور وهم: أنور وفريد وفؤاد وبنتان وهما: وداد وآمال التي غدت فيما بعد المطربة الشهيرة أسمهان.
وفي سنة 1921 تزوج ميسرة الأطرش وأنجب منها أربعة أولاد: منير ومنيرة وكرجية واعتدال. توفي عام 1925 ودفن في مدينة السويداء في سوريا.
والدته هي الأميرة علياء حسين المنذر وهي مطربة تمتعت بصوت جميل قادر على تأدية العتابا والميجانا، وهو لون غنائي معروف في سوريا ولبنان والأردن وفلسطين. تأثرت بمطرب العتابا اللبناني يوسف تاج الذي اتبّعت أسلوبه فيما بعد المطربة صباح، توفيت سنة 1968 ودفنت في بلدة الشويت في جبل لبنان حيث كان للعائلة منزلا هناك إضافة إلى منزلهم الكبير في بلدة القريا في (السويداء).
عانى فريد حرمان رؤية والده مما اضطره إلى التنقل والسفر منذ طفولته، من سوريا إلى القاهرة مع والدته هربا من الفرنسيين المعتزمين اعتقاله وعائلته انتقاما لوطنية والدهم فهد الاطرش وعائلة الأطرش في الجبل الذي قاتل ضد ظلم الفرنسيين في جبل الدروز بسوريا.
عاش فريد في القاهرة في حجرتين صغيرتين مع والدته عالية بنت المنذر وشقيقه فؤاد وأسمهان. التحق فريد بإحدى المدارس الفرنسية "الخرنفش" حيث اضطر إلى تغيير اسم عائلته فأصبحت كوسا بدلًا من الأطرش وهذا ما كان يضايقه كثيرًا.
ذات يوم زار المدرسة هنري هوواين فأعجب بغناء فريد وراح يشيد بعائلة الأطرش أمام أحد الأساتذة فطرد فريد من المدرسة فالتحق بعدها بمدرسة البطريركية للروم الكاثوليك.
نفد المال الذي كان بحوزة والدته وانقطعت أخبار الوالد، وهذا ما دفعها للغناء في روض الفرح لأن العمل في الأديرة لم يعد يكفي. وافق فريد وفؤاد على هذا الأمر بشرط مرافقتها حيثما تذهب.
حرصت والدته على بقاء فريد في المدرسة غير أن زكي باشا أوصى مصطفى رضا بأن يدخله معهد الموسيقى. عزف فريد في المعهد وتم قبوله فأحس وكأنه ولد في تلك اللحظة. إلى جانب المعهد بدأ ببيع القماش وتوزيع الإعلانات من أجل إعالة الأسرة. وبعد عام بدأ بالتفتيش عن نوافذ فنية ينطلق منها حتى التقى بفريد غصن والمطرب إبراهيم حمودة الذي طلب منه الانضمام إلى فرقته للعزف على العود.
أقام زكي باشا حفلة يعود ريعها إلى الثوار، أطل فريد تلك الليلة على المسرح وغنى أغنية وطنية ونجح في طلته الأولى. بعد جملة من النصائح اهتدى إلى بديعة مصابني التي ألحقته مع مجموعة المغنين ونجح أخيرا في إقناعها بأن يغني بمفرده. ولكن عمله هذا لم يكن يدر عليه المال بل كانت أموره المالية تتدهور إلى الوراء.
بدأ العمل في محطة شتال الأهلية حتى تقرر امتحانه في المعهد ولسوء حظه أصيب بزكام وأصرت اللجنة على عدم تأجيله ولم يكن غريبا أن تكون النتيجة فصله من المعهد. ولكن مدحت عاصم طلب منه العزف على العود للإذاعة مرة في الإسبوع فاستشاره فريد فيما يخص الغناء خاصة بعد فشله أمام اللجنة فوافق مدحت بشرط الامتثال أمام اللجنة وكانوا نفس الأشخاص الذين إمتحنوه سابقا إضافة إلى مدحت.
غنى أغنية الليالي والموال لينتصر أخيرا ويبدأ في تسجيل أغنياته المستقلة. سجل أغنيته الأولى (يا ريتني طير لأطير حواليك) كلمات وألحان يحيى اللبابيدى فأصبح يغني في الإذاعة مرتين في الإسبوع لكن ما كان يقبضه كان زهيدا جدا.
استعان بفرقة موسيقية وبأشهر العازفين كأحمد الحفناوي ويعقوب طاطيوس وغيرهم وزود الفرقة بآلات غربية إضافة إلى الآلات الشرقية وسجل الأغنية الأولى وألحقها بثانية (يا بحب من غير أمل) وبعد التسجيل خرج خاسرا لكن تشجيع الجمهور عوض خسارته وعلم أن الميكروفون هو الرابط الوحيد بينه وبين الجمهور.
عرف فريد عادات جميلة وعادات غير مستحبة، فكان اتصاله بالقمار شيئا من تلك العادات السيئة، أدمن على لعب الورق حتى عود نفسه على الإقلاع، وعرف أيضا حبه للخيل. ذات يوم وفيما كان في ميدان السباق راهن على حصان وكسب الجائزة وعلم في الوقت عينه بوفاة اخته أسمهان في حادث سيارة فترك موت اخته أثرا عميقا في قلبه وخيل إليه أن المقامرة بعنف ستنقذه.
تعرض إلى ذبحة صدرية وبقي سجين غرفته، تسليته الوحيدة كانت التحدث مع الأصدقاء وقراءة المجلات، اعتبر أن علاجه الوحيد هو العمل. وبينما كان يكد في عمله سقط من جديد واعتبر الأطباء سقطته هذه النهائية، ولكن في الليلة نفسها أراد الدخول إلى الحمام فكانت السقطة الثالثة وكأنها كانت لتحرك قلبه من جديد وتسترد له الحياة، فطلب منه الأطباء الراحة والرحمة لنفسه لأن قلبه يتربص به، وهكذا بعد كل ما ذاقه من تجارب وما صادف من عقبات عرف حقيقة لايتطرق إليها شك وهي أن البقاء للأصح. توفي في مستشفى الحايك في بيروت إثر أزمة قلبية وذلك في 26 ديسمبر عام 1974 عن عمر 64 سنة.
اشترك فريد الأطرش في 31 فيلما سينمائيا كان بطلها جميعا وقد انتجت هذه الأفلام في الفترة الممتدة من السنة 1941 حتى السنة 1975 كتب الباحثون عشرات الكتب تناولت فريد الأطرش. وقد تناول الباحثون فريد من جميع النواحي الاجتماعية والفنية والحياتية والعاطفية وغيرها.
لمشاهدة إحدى حفلات الربيع للفنان فريد الأطرش
http://www.youtube.com/watch?v=3WSK7i0tePs
اقرأ أيضًا:
الأوبرا تواصل إحياء الذكرى الـ39 لـ"فريد الأطرش" –