أكثر من 17 عاما "أشغال وثائقية شاقة" أمضاها في صناعة الفيلم الوثائقي؛ صنعت منه إعلاميا من طراز فريد؛ ومخرجا قادرا على الوصول لأعتاب الأوسكار بأفلام ثورية من نوعية لم تشهدها صناعة السينما العربية من قبل؛ إنه المخرج والمنتج المصري "أسعد طه".
في حواره مع الأناضول، قال: إن "صناعة الفيلم الوثائقي في العالم العربي مازالت حديثة العهد، لكنها أسهمت، بشكل كبير، في كشف حقيقة الأنظمة العربية، كما نجحت في تسليط الضوء على الثورات العربية".
وأضاف أن تلك الصناعة "سيكون لها دور واعد"، مؤكدًا أن "دورها الأكبر سيكون على الصعيد التاريخي، حيث تعد بمثابة وثيقة تاريخية لحقبة مهمة من الزمن في عالمنا العربي".
وإلى تفاصيل الحوار:
*كمخرج مصري، لماذا تحيزت للثورة اليمنية تحديدا كي توثق بعضًا من أحداثها في فيلم وثائقي رُشِّح للأوسكار وهو "ليس للكرامة جدران" ؟
** الحقيقة أن الثورة اليمنية هي التي اختارتني كمنتج، وتحديدا المخرجة اليمنية سارة إسحاق، هي التي قصدت الشركة التي أعمل لديها، على أمل أن نتبنى العمل ونكمل المشوار معها، ومن ثم وافقنا على دخولنا هذه المغامرة معها، ونحن سعداء بالطبع بالنتيجة، لم نكن نتوقعها بالتأكيد، ولم تكن هدفنا، وإنما سعينا كشركة منتجة لتسليط الضوء على بعض ما جرى في اليمن وعلى ثورتها.
ونفس الأمر كان يمكن أن يتكرر مع ثورات عربية أخري لو أتيحت لنا الفرصة، وفي كل الأحوال مازال هناك الكثير من الأمل لأن الثورة في العالم العربي مازالت مستمرة.
*هل تتفق مع الرأي السائد بأن الثورة اليمنية فقيرة الحظ على المستوى الفني؟
** هذا صحيح بقدر ما، لكن من ناحية أخري الثورة اليمنية دفعت العديد من شابات اليمن وشبابها لدخول هذا المجال الفني على أمل توثيقها، ورصد متغيراتها ومخاطبة الرأي العام خارج اليمن.
*إلى أي مدى ساهم الفيلم الوثائقي في تعرية الأنظمة الاستبدادية وفي إنجاح الثورات؟
** صناعة الفيلم الوثائقي في العالم العربي مازالت حديثة العهد، لكنها أسهمت بدرجة كبيرة، وعبر جهود فردية ومبعثرة في كشف حقيقة الأنظمة وكذلك نجحت في تسليط الضوء على الثورات العربية.
ومن وجهة نظري سيكون دورها الأكبر على الصعيد التاريخي، حيث تعد بمثابة "وثيقة تاريخية" لحقبة مهمة من الزمن في عالمنا العربي، ولذلك أتمنى ألا ينتظر أحد ظروفًا مثالية لصناعة فيلم عن الواقع بأي زاوية كانت، ولكن عليه كحد أدنى تصوير كل ما يقع تحت يديه، ثم ضمه ضمن فيلم وثائقي لحدث أو واقعة من زاوية أو أخرى.
نحن مازلنا نحاول فهم الواقع، فما بالكم بالأجيال التي ستأتي، سوف تحتار كثيرا في فهمه، ومن هنا تأتي أهمية دور الفيلم الوثائقي في هذه المرحلة... سجل وصور ووثق وأخرج وأنتج، فأنت في الحقيقة تساهم في صناعة التاريخ.
*وهل تؤثر الانتكاسة التي تشهدها الثورة في بعض البلدان العربية على مستقبل صناعة الأفلام الوثائقية؟
** لا أظن ذلك، بل العكس لعلها تحفز المخلصين على توثيق هذه الثورات المضادة، وفي كل الأحوال، لا يجب أن نصبغ الأمور دومًا بطابع سياسي، فالحافز المهني موجود دائمًا، وهو دافع مهم لتسجيل ما يدور.
* لو عقدنا مقارنة سريعة بين الدول العربية التي تسير في مجال صناعة الوثائقيات، فمن هى الدول الرابحة، ومن الذى يتذيل القائمة؟ ولماذا؟
** الأمر ليس على هذه الشاكلة، فدولة مثل مصر، بتعدادها السكاني سيكون طبيعيا أن تكون ذات معدل إنتاج أكثر ربما من غيرها، لكن أظن أن الجميع لا يزال بحاجة إلى العديد من الوثائقيات التي تقص حكايات الناس البسيطة التي شاركت في الثورة، أو ربما لتجيب عن السؤال، كيف تخرج الثورات من الناس أحسن ما فيهم، ثم عند الانتكاسة تخرج أسوأ ما فيهم؟.. هناك العشرات من الأسئلة والقضايا السياسية والإنسانية التى مازالت في حاجة للتوثيق.
* لماذا تظل صناعة الأفلام الوثائقية والتسجيلية بعيدة عن الدول العربية التي لم تزرها نسمات الربيع العربي بعد؟
** لأنها مازالت مقيدة.. مازالت تحت الأسر.. والفيلم الوثائقي فيها شأنه شأن كل نواحي الحياة، مازالت على ما هي عليه.
* من المعروف أن الحرب أكثر ما يستفز الصحفي لتوثيقه؛ فهل حلت الثورات الآن محل الحروب، من حيث اهتمام الرأي العالمي بها؟
** لكل حدث لذته ودافعه للتوثيق، والثورات ليست إلا شكلا من أشكال الحروب حتى وإن لم تشهد أي أعمال عنف، أنت تهز هذا النظام التليد المتمترس في الأرض منذ عقود، ومن الطبيعي أن ترتج الأرض، وأن يسقط حجر عليك أو على رفاقك، أن يستشهد أحدهم أو يجرح، أن يخاف البعض فينسحب، أن تكتشف فجأة أن هذا الشخص البسيط بات بطلاً ولديه كل هذه المواهب وعنده كل هذا الإخلاص.. هناك عشرات المسائل التي تثير شهية الموثقين.
*هل تعرضت كمنتج ومخرج للأفلام الوثائقية لبعض المخاطر التي صادفتك كمراسل حربي؟
مثلي مثل غيري. من المؤكد أنى مررت بذلك كثيرا، هناك سعادة بالغة تغزوك حين تجتاز تلك المواقف كلها، تستعيد ذكرياتها لاحقًا لكنها تترك ندوبًا في ذاكرتك.
* ما المسافة بين التغطية الصحفية للحروب، وبين إعداد وإنتاج الأفلام الوثائقية عن ثورات الشعوب؟
** مسافة كبيرة، في الأولى مجرد خبر، ولأن الأخبار تتسارع فليس أمامك إلا تغطيتها، وسريعًا تقفز من خبر إلى خبر، لكن وراء هذه الأخبار وإن كانت، حتى سطحية في بعض الأحيان، ألف قصة وقصة، وهذا ما يبحث عنه الفيلم الوثائقي.
*إلى أي مدى تتأثر الوثائقيات الثائرة بمقص الرقيب في بلداننا العربية؟
**هذه مسألة نسبية بالتأكيد، حيث تختلف من دولة إلى دولة، لكن الإنترنت هزم سدنة الأنظمة الفاسدة، فقط، ضع فيلمك على أي موقع من المواقع الاجتماعية المعروفة، فهذا كفيل بنشره.
* ما الصعوبات التي تواجه العمل الوثائقي في العالم العربي، وخصوصا البلدان التى اندلعت بها الثورات؟
** هذا حديث طويل جدا، فليس هناك سوق للتوزيع، ومنابر بث الوثائقيات محدودة جدا، كما أن الإمكانيات المادية هي الأخرى محدودة، هل تعرفين أن الأرباح التي يمكن تحقيقها من برنامج "توك شو" (برنامج حواري) تعادل أضعاف ما يمكن تحقيقه من أرباح من فيلم وثائقي خصوصا إذا أدخلت عامل زمن اللازم للتنفيذ في المعادلة، فمازال الأمر يعتمد على جهود المخرجين والمنتجين الفردية من المؤمنين بجدوي ولذة العمل الوثائقي.
* الطابع البرامجي الذى يغلف معظم الوثائقيات يصنع "حائط صد" بينها وبين الجمهور؛ كيف تتغلب كمخرج على عثرة كهذه؟
** في نظري، الفيلم الوثائقي هو حكاية، وغياب الحكاية يرفع عنه صفة الفيلم الوثائقي، وإذا لم تتوفر المتعة عند المشاهدة فإن "الريموت كنترول" سيكون لك بالمرصاد.
*هل ترى أن الأفلام الوثائقية تحظى بمتابعة جماهيرية في الوطن العربي تليق بأهميتها؟ أم أننا لازلنا بحاجة لتعريف الجمهور بها كي يحرص على مشاهدتها؟
** لا طبعا مازلنا في بداية الطريق، الناس تستهويهم أحيانًا تلك النقاشات الساخنة، وهذا الصراخ على شاشات التلفاز، لكن في ظني أنهم بدأوا يضجرون منه، هم في حاجة للمعرفة والمتعة، وهذا ما يجب أن تؤمنه حكاية الفيلم الوثائقي.
*ما الجديد الذى تسعى شركتك لتقديمه الآن؟
** نعمل على العديد من الأفلام الجديدة، ومنها فيلم عن "علي عزت بيغوفيتش"، رئيس البوسنة والهرسك السابق، رحمه الله، أظن أن حكايته تستحق أن تروى.
اقرأ أيضا
أسعد طه: البعد الإنسانى بـ"ليس للكرامة جدران" لا يُختلف
"العربية للأفلام" تعرض الفيلم اليمني المرشح للأوسكار غدًا
اليمنية المرشحة للأوسكار: الثورة اليمنية في مرحلة الإحباط لكننا "مكملين