حصد مؤخرًا الناقد اللبناني والشاعر والروائي شربل داغر، جائزة الشيخ زايد العالمية للكتاب، بفرع الفنون والدراسات النقدية، عن كتابه "الشعر العربي الحديث: قصيدة النثر"، الصادر عن منتدى المعارف عام 2018.
حاورت "مصر العربية" داغر للحديث حول كتابه الفائز "الشعر العربي الحديث: قصيدة النثر"، وللحديث حول كيف بدأ ترجمة أفكارك لإبداع أدبي، وعن علاقته بالشعر والرواية وفلسفة الفن، والآداب، والترجمة والتاريخ، وعن مشاريعه الأدبية المقبلة.
وإلى نص الحوار...
بعد المباركة على فوزك بجائزة الشيخ زايد العالمية للكتاب فرع الفنون والدراسات النقدية، ما هو رد فعلك على الفوز؟ وهل كنت تتوقعه؟
لا أحد لا يتوقع الفوز لكتابه في مسابقة قيمة مثل جائزة الشيخ زايد للكتاب، خاصة بعد أن يبلغ القائمة النهائية. إلا أنني كنت أستصعب هذا الفوز، لا لضعف في كتابي بالضرورة، ولا لشدة المنافسة، وإنما لأن موضوع الكتاب لا يزال يثير السجالات في العالم العربي: هل هذه القصيدة شعر أم لا؟
هذا يعني، في استنتاج أولي ولازم، أن لجان تحكيم الجائزة نظرت إلى الجهد المنهجي المبذول في الكتاب، وهو ما يعني كونها وقفت إلى جانب ما اعتبرته مسعى موفقا في النقد.
حدثنا بشيء من التفصيل عن كتابك الفائز "الشعر العربي الحديث: قصيدة النثر"؟
لا ينطلق الكتاب من كونها قصيدة، وإنما يُخضع النصوص الموسومة بهذه الصفة للفحص والتحليل. وهذا يفضي إلى تكوين الكتاب، حيث عالج، في بابين واسعين، تشكل هذه النصوص، متوقفًا عند المدونة، لفحصها، والتعرف إلى التشكلات الأولى التي أتت بعد عقود وعقود من إقبال كُتاب عرب على كتابة القصيدة المنثورة قبلها. كما انصرف الكتاب خصوصًا إلى درس مستويات بناء هذه القصيدة، وهو ما لا تنعم به، في الغالب، في النقد العربي الساري. ذلك أن نقدًا كثيرًا، ومجهودات عديدة، صُرفت لدرس جانب وحسب في بناء هذه النصوص: أهي تنتسب إلى العروض والإيقاع؟ أو توقفت مجهودات لدرس جوانب من المعاني التي تشيع في هذه النصوص.
أقمت منهجًا له مقاربات متعددة لدرس مستويات هذه القصيدة، لجهة ظهورها الطباعي وعلاقته ببناء القصيدة، ولجهة تشكلاتها وتجلياتها المختلفة في الإيقاع والنحو والمعنى.
كما صرفت بابًا بكامله لدرس علاقات هذه القصيدة بما اسميه "الخطاب الماوزي"، أي علاقاتها بالخطاب السياسي والثقافي والجمالي. وهذا يعود إلى أن هذه القصيدة أنشأة شعرية مختلفة عن سابقتها، ما تمثل خصوصًا بعلاقات باتت مطلوبة بين الفنون البصرية وبين تشكلات الشعر.
"اسمي عنوان لباب... يفضي ولا يفضي": إذا تحدثنا عن البدايات لدى شربل داغر كيف بدأت ترجمة أفكارك لإبداع أدبي؟
بداياتي تعود إلى مطالع المراهقة، بين الشعر والمسرح، إلا أن بداياتي الاحترافية – والمعول عليها – ترقى إلى سنتي الجامعية الأولى.
هذه البدايات لم ترسم طريقًا متتابعًا ومتصلًا، بل تخللت ذلك انقطاعات وبدايات أخرى... مفاجئة حتى بالنسبة إلي. هكذا انقطعت عن الشعر لسنوان وسنوات، ثم عدت إليه بشغف المشتاق، لم أحسب في كتابتي أنني سأنصرف إلى كتابة الروايات، وهو ما لبثت أن قمت به، فضلًا عن عملي التحقيقي لبدايات الرواية العربية في القرن التاسع عشر في أكثر من كتاب ودراسة.
ما بين الكتابة في الشعر والرواية وفلسفة الفن، والآداب، والترجمة والتاريخ... إلى أيها يميل قلمك؟
أتبناها كلها في كل نطاق من هذه النطاقات التأليفية، هذا يشبع شغفي المفتوح على شهوة الكتابة، إلا أنني أميل إلى الشعر بطبيعة الحال، إذ يبقى، بالنسبة إلي، التطلعَ الأشد صوب حريتي، وصوب ما أطلبه من جديد في الكتابة.
إذا كان لكل كاتب هدف من كتاباته، ما هو هدف الكتابة لدى شربل داغر؟
ليس لي هدف واحد من الكتابة، بل عدة أهداف. منها ما يتصل بخطط دراسية، بحثية، أكلف نفسي بها، وأسعى إلى القيام بها بالاحترافية العلمية المطلوبة. وهذا يشمل غير جانب من مؤلفاتي، التي تتناول قطاعات واسعة من الإبداعية العربية منذ القرن التاسع عشر، في الأدب والشعر والرواية واللوحة وغيرها.
إلا أن لي أهدافًا أخرى، تُحركني من دون دراية مني بالضرورة. هي ليست بأهداف، بقدر ما هي نزوعات تقودني إلى حيث أطرق على بوابات مصودة... هذا ما ينكفل به الشعر، في سريته وفي جلائه المدهشين.
ما هي أهم المراحل الأدبية التي مررت بها في رحتلك الأدبية، وحدثنا عنها؟
لا يسعني تلخيص حياتي الكتابية في مراحل. هي ليست بهذا التصميم والجلاء. لو عدنا إلى مؤلفاتي لوجدناها موزعة في نطاقات تأليفية بينة، إلا أنها لم تنشأ، ولم تستمر، بمثل ما تَظهر عليه في ترتيبه. فوراء كل كتاب، حتى البحثية منها، دوافع ومأمولات، وتقدم وتراجع، ما لا ترسمه بدقة هيئة الكتاب، والكتب، الأخيرة.
إلا أنني، مع تنامي أعداد كتبي، مع تأكدها في مجالات بعينها، أتبين ما يمكن أن أسميه: إلحاحات المعنى، أي ما يشغلني، ويتابعني.
تكن للترجمة كل حب، وهو ما عبرت عنه في أكثر من موضع، لماذا هذا الشغف بها؟
فعلًا، أحب الترجمة، على الرغم من أنني لا أصرف لها دومًا الوقت اللازم لتنفيذ مشروعات لا أقوى واقعًا إلى على تأجيلها. ومن شدة محبتي للترجمة، جعلت الترجمات الشخصيةَ الأساسية في إحدى رواياتي... ففي الترجمة نعيش أحوال لغتين في الوقت نفسه، ما يزيد من حيوات مترجمها، بالمعنى الوجداني وبالمعنى التأليفي.
قلت إنك لا تمانع ترجمة أعمالك إلى العبرية، ألم تخشَ النقد من هذا التصريح؟
هذا ما قلتُه في القاهرة إثر سؤال من إحدى الصحافيات... لا أخشى النقد، بل أدافع عن قناعاتي. ما احتفظتْ به الصحافة حينها هو قسم من جوابي، إذ جرى الكلام حينها عن معرفتي بعدد من اللغات، ومنها العبرية، بصورة بسيطة، إذ إنها كانت مع السريانية في عداد دروسي الجامعية في اختصاص اللغة العربية... فضلًا عن تعلمي الأولي للاتينية أيضًا. فكان أن سُئلتُ: هل ترغب في ترجمة شعرك إلى العبرية، فأجبت بأنني لا أمانع في ترجمة شعري إلى أي لغة، بعد التفاهم والاتفاق بين دور النشر، وهو ما أعيد قوله، اليوم.
من وجهة نظرك، ما هو حال الأدب اللبناني في الفترة الحالية؟
الأدب اللبناني يعيش فترة شديدة التجدد والتنوع، ما لم يعرفه بهذه القوة في السابق. إلا أن ما يفتقده هذا الأدب هو المجلة الثقافية والأدبية، التي كانت المعول في نشر هذا الأدب، ولا سيما أساليبه وقيمه، إلى خارجه.
ما هي أعمالك الإبداعية القادمة؟
انتهيتُ من كتاب ينتسب إلى السرد الذاتي، وأخطط لرواية من دون أن أحسم أمرها بعد.