رئيس التحرير: عادل صبري 03:41 مساءً | الجمعة 19 أبريل 2024 م | 10 شوال 1445 هـ | الـقـاهـره °

جميلة العلايلي.. الريفية التي رفضت «وأد» عاطفتها

جميلة العلايلي..  الريفية التي رفضت «وأد» عاطفتها

ميديا

جميلة العلايلي

جميلة العلايلي.. الريفية التي رفضت «وأد» عاطفتها

آية فتحي 20 مارس 2019 10:35

"أنا الأبية لا أبغي مهادنة.. إن الصراحة أقوالي وأفعالي.. القول أجمله ما كان أصدقـه.. وما أردت به تبديل أعمـالي" كلمات خطتها الشاعر المصرية جميلة العلايلي، التي يحتفل بها  محرك البحث «جوجل»، اليوم الأربعاء، بالذكرى الـ112 لميلادها، حيث ثبيت صورتها على صدر صفحته الرئيسية.

 

في تاريخ 20 من مارس عام 1907 استقبلت المنصورة بمحافظة الدقهلية ميلاد الطفلة جميلة العلايلي، التي أراد لها القدر فيما بعد أن تكتب لها منزلة فريدة في حياتنا الشعرية المعاصرة، والتي أصبحت صاحبة أول ديوان شعري تنشره المرأة العربية في نهضتنا الحديثة، متجاوزة شعر البدايات لعائشة التيمورية وملك حفني ناصف.

 

ريفيتها كانت ما يميزها في ذلك الوقت وسط القاهرة كانت كما وصفها الكاتب حافظ محمود في مذكراته قائلًا "تمثل فتاة الريف المتحضرة التي أوتيت موهبة الشعر خاصة والأدب عامة، فكل الأديبات والشاعرات من جيلها كن قاهريات أو مقيمات بالقاهرة، أما هي فكانت دقهلاوية لدرجة أنها كانت في البداية تجيء القاهرة زائرة أو مشاركة في الندوات الخاصة بالشعر والأدب، ثم تعود إلى المنصورة قبل أن تستقر بالقاهرة نهائياً".

تشجعت الفتاة الريفية فيما بعد على الاستقرار في القاهرة بعد أن استقبل شعرها  استقبالا حسنًا من الدكتور أحمد زكي أبو شادي، رائد أبولو، والدكتور إبراهيم ناجي وعلي الجندي والدكتور زكي مبارك والدكتور محمد مندور وصالح جودت وغيرهم من النقاد.

 

رغم أن جميلة العلايلي اشتهرت بالشاعرة الأبولونية، أو شاعرة مجلة أبولو، إلا أن بداياتها الأدبية والشعرية سابقة على "أبولو" ويرجع الفضل فيها إلى الأديبة مي زيادة.

 

وعن الأسماء التي لها فضل وتأثر في حياتها قالت "مثلي الأعلى منذ وعيت في الأدب أديبة الشرق النابغة مي زيادة. مثلي الأعلى في كفاحي الاجتماعي والوطني زعيمة النهضة النسائية هدى هانم شعراوى. مثلي الأعلى في الشعر رائد الشعر الحديث ومؤسس جماعة أبولو الدكتور أحمد زكي أبو شادي. ورغم تأثّري بهؤلاء فقد كان لي أسلوبي الخاص في كل كفاح قمت به بإلهام من الله".

 

أصدرت جميلة العلايلي أول ديوان شعري لها بعنوان "صدى أحلامي"، الذي صدر في عام 1936،  وقدمها مؤسس جماعة أبوللو الشعرية الدكتور أحمد زكي أبو شادي في ذلك الديوان قائلًا : لكي نقدر جميلة العلايلي التقدير الذي تستحقه مواهبها لا يجوز أن نغفل مقارنة أدبها بأدب الجيل السابق، لقد كانت شاعرات ذلك الجيل حريصات على "وأد" عواطفهن، فكان محرما عليهن شعر الوجدان الفطري. وكانت العاطفة عندهن محصورة في الرثاء وتحية الأهل وتوديعهم، ولكننا في هذا الشعر الجديد نلمح ثورة جديدة على تلك التقاليد البالية، فنجد صاحبته كاشفة في اطمئنان وفي دقة وشجاعة عن دخيلة نفسها في صدى أحلامها المنغومة.

 

ومن هذا الديوان نقرأ جزء من قصيدة "حب المحال" :

سلني مليك عواطفي المحبوبـا.. سَلْني عن الحُبِّ المُذِيب قُلوبا

حب " المحال " أصابَ مَعْقِل مهجتي.. فعرَفتُ فيه الصَفْو والتَّعْذيبا

يا حسرةً تُفني منــاهِلَ رغبــتي.. يا نزعةً تُحيي الفؤادَ طَرُوبا

إنِّـى أراه مـع الظلام كأنــَّه.. طيفٌ يلوح مع الحياةِ غريبــا

ويطوف بي شجْوُ الحنيـنِ كأنَّــني.. أفْنَيْتُ عُمرَ المُغرمين نحيبـا

لو أنَّ أحزاني تُطيع مدامعــي.. لرأيتَ دَمْعي في القريضِ صَبيبا

لو أنَّ بحر الحبِّ يأخذ مسرفاً.. ماءَ المَدَامعِ ما شكوْتُ سُكُوبـا

لو أنَّ ذاتكَ ما أرُوم وأبْتَغِـي.. مِنْ كُلِّ قلبٍ ما رجَوْتُ حَبيبــا

لكنَّني أهوى الفُنون لأنَّهــا.. تحْيا بمِشْكاةِ الخُلُودِ لَهِيبَـا

وأظلُّ أُفْتَن بالمُحَال لأنَّه.. رُوحُ الكمالِ فهل عَشِقْتُ عَجِيبَا

بعد ذلك أصدرت ديوان "نبضات شاعرة" 1981عام ، والذي قدمه أبو شادي أيضًا قائلًا"هذه ثروة جديدة تُضاف إلى شعرنا العربي الحديثة، قوامها المثالية الروحيَّة العزيزة التي تجلّت، وما تزال تتجلى في آثار أخرى لجميلة العلايلي.. ولا ريب أنَّ هذا الفنَّ الزاخر لن يجدب معينه، ولن ينقطع فيضه، وقد يؤرخ له مستقبلاً بأفضل مما نحسنه نحن المعاصرين، ولو كنّا منصفين".

 

بالإضافة إلى ديوان "صدى أحلامي ونبضات شاعرة"،  أصدرت جميلة العلايلي عدداً من الروايات، منها:هندية، الراهبة، إحسان، تآلف الأرواح، الراعية، الناسك، جاسوسة صهيون، من أجل الله، بين أبوين، وأصدرت مع زوجها سيد ندا مجلة أدبية بعنوان "الأهداف" عام1949، وقد استمر صدورها شهريا نحو عشرين عاماً.

 

من أبرز الدراسات التي قُدمت عنها هي رسالة الماجستير التي حصل عليها  الباحث أحمد محمد الدماطي، بكلية دار العلوم جامعة القاهرة، عن رسالته في دراسة حياة "جميلة" وشعرها، بعنوان: "جميلة العلايلي، حياتها وشعرها: دراسة فنيّة".

 

وتناولت تلك الدراسة كل ما يخص "العلايلي"، وأبرز الموضوعات في شعرها، حيث كانت الطبيعة والحب، والشكوى والألم، والتأمل الفلسفي، والشعر الديني، ثم الوطني والاجتماعي، وشعر الرثاء من أبرز الموضوعات في شعر جميلة.

وأوضحت الدراسة ما تمتعت به جميلة من جرأة أدبية في التعبير من مكنونات المرأة الشاعرة في أشعارها الوجدانية بصورة لا تتنافى مع العفاف الذي ينبغي للمرأة التحلي به.

كما أشارت الدراسة إلى أنها  في تشكيل كثير من الصور الفنيّة الناجحة في أشعارها مستخدمة وسائل : التشبيه – الاستعارة – تراسل الحواس، جمعت جميلة في موسيقى أشعارها بين الاحتفاء بنهج المدارس المحافظة في مراعاة وحدة الأوزان والقوافي، وبين التجديد في الشكل الشعري والموسيقي باستلهام أنماط الموشحات والمسمطات، والمربع والمزدوج والإكثار من الشعر المقطعي مع تنويع القوافي. كما تمردت في بعض قصائدها على الأوزان والقوافي وذلك في تجاربها القليلة من الشعر المنثور.

 

رحلت جميلة في 11 إبريل 1991، وتحدث وديع فلسطين عن أخر أيام حياتها  قائلاً "قضت سني حياتها المتأخرة مسمَّرة على مقعد متحرك بسبب كسور أصابتها نتيجة لسقوطها في بيتها، كما تحالفت عليها أمراض الشيخوخة وآلام الروماتيزم الحادة، وبقيت مع ذلك، وإلى آخر لحظة في عمرها، تكتب لتؤدي رسالتها حتى التمام، فجهّزت ديوانها الثالث، وهو مازال مخطوطا، وسجّلت سيرة حياتها وذكرياتها في كتابين".

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان