رئيس التحرير: عادل صبري 05:18 صباحاً | الخميس 18 أبريل 2024 م | 09 شوال 1445 هـ | الـقـاهـره °

من بوعزيزي إلى خالد سعيد.. أيقونات الربيع العربي التي أطفئتها الخيبات

من بوعزيزي إلى خالد سعيد.. أيقونات الربيع العربي التي أطفئتها الخيبات

العرب والعالم

ثورات الربيع العربي

من بوعزيزي إلى خالد سعيد.. أيقونات الربيع العربي التي أطفئتها الخيبات

أيمن الأمين 27 ديسمبر 2020 13:24

قبل 10 سنوات، وتحديدا مع انطلاق شرارة أولى ثورات الربيع العربي من جسد الشاب التونسي محمد البوعزيزي، هبت رياح الآمال والأحلام لتعم معظم الدول العربية، فيما اختار كل منها مكانا أو شخصا أو موقفا وحوله إلى أيقونة لحراكه الشعبي الهادر نحو العيش والحرية والعدالة الاجتماعية.

 

وأطلق على هذا الزلزال السياسي والجغرافي، الذي هز المنطقة بدءاً من العام 2010، اسم "الربيع العربي"، وانطلقت الاحتجاجات من تونس، وسمع صداها في ليبيا ومصر وسوريا حيث حُمّلت أحياناً مسؤولية إحداث فوضى وعنف، غير أنها تبقى في قلوب من شارك فيها محطة جميلة، زرعت بذور الأمل بتحقيق حلم الحرية.

 

وفي الذكرى العاشرة لاندلاع ثورات "الربيع العربي" التي انطلقت شرارتها الأولى من تونس في 17 (ديسمبر) 2010، لم يغب اسم "محمد البوعزيزي" الذي أضرم النار بجسده، احتجاجاً على مصادرة البلدية لمصدر رزقه الذي كان عبارة عن عربة صغيرة لبيع الخضروات والفواكه عليها.

 

وكان محمد البوعزيزي (مواليد سيدي بوزيد، 1984) المتحدر من أسرة فقيرة يعيش مع والدته و 8 إخوة وأخوات، أما والده فمات عندما كان طفلاً صغيراً.

 

 

ولم يدرس البوعزيزي سوى المرحلة الابتدائية، إذ تفرغ للعمل كبائع متجول لبيع الخضار والفواكه منذ صغره، على عربة يدفعها أمامه كل يوم لكسب رزقه، لكن السلطات المحلية حاولت مصادرتها، وهي التي كانت تمثل كل ثروته ورأسماله، بذريعة أنه كان يبيع في مكان غير مسموح به.

 

وعندما امتنع عن التسليم، قوبل بصفعة على وجهه على الملأ من قبل الشرطية فادية حمدي التي وبخته وقالت له بالفرنسية "Dégage" أي إرحل. وكانت الصفعة قد أهدرت كرامته قبل أن يفجر غضبه ويضرم النار بجسده أمام مبنى البلدية في مدينة سيدي بوزيد.

 

وكانت صورة البوعزيزي وهو يحترق، أقوى تعبير عن عمق معاناته وألمه بسبب الأوضاع السيئة التي يعيشها، حاله كحال الغالبية في البلاد.

 

وسرعان ما تحولت كلمة "إرحل" المطلب الأكثر انتشاراً في احتجاجات ومظاهرات التونسيين، ووصل صدى الكلمة إلى مصر وليبيا واليمن وسوريا وغيرها من البلدان التي ما زال بعضها الاضطرابات والحرب والنزوح منذ ذلك الحين.

 

 

وأصبح حرق البوعزيزي لنفسه أسلوباً كرره أكثر من خمسين شخصاً في مختلف البلدان العربية للتعبير عن رفضهم للظلم واللامساواة والإهانة.

 

تكريم بعد الإهانة

 

تم استبدال اسم ساحة "7 نوفمبر" في سيدي بوزيد باسم ساحة " الشهيد محمد البوعزيزي"، وكان اسم الساحة 7 نوفمبر منذ 23 عاماً، تخليداً لليوم الذي تولى فيه الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي منصب رئاسة البلاد عام 1987.

 

وسميت المستشفى التي نُقل إليها البوعزيزي باسمه بعد أن كان اسمها سابقاً "مركز الإصابات والحروق البليغة" التي كانت عبارة عن مركز إسعافي للحالات المستعجلة.

 

واختاره البرلمان الأوروبي في 27 (أكتوبر) 2011 للفوز بجائزة ساخاروف لحرية الفكر إلى جانب ثلاثة آخرين. وهذه الجائزة تُمنح لتكريم الأشخاص أو المؤسسات الذين كرسوا حياتهم للدفاع عن حقوق الإنسان وحرية الفكر، وتبلغ قمية الجائزة 50 ألف يورو، وسميت بهذا الاسم نسبة إلى المعارض السوفييتي أندريه سخاروف.

 

كما قام برتران دولانوي، رئيس بلدية العاصمة الفرنسية باريس بتسمية ساحة في وسط العاصمة باسم محمد البوعزيزي بحضور والدة البوعزيزي وأخته. وقالت حينها والدته عن التكريم وهي تبكي: "أنا فخورة بتكريم ابني الشهيد، الذي يعتبر تكريماً لكل شهيد ولكل من حمل مسؤولية الثورة التونسية على ظهره، وهدية لكل الشعوب العربية التي تبحث عن حريتها وتحارب الظلم".

 

ورفض سالم شقيق محمد البوعزيزي عرضَين من رجلي أعمال لشراء عربة شقيقه، وفضل احتفاظ العائلة بها كذكرى لفقيدهم، أو وضعها في إحدى الساحات كمعلم في مدينة سيدي بوزيد.

 

بعد أن توفي البوعزيزي في 4 (يناير) 2011، بسبب الحروق البليغة التي غطت كامل جسده، أصبحت وفاته دافعاً أكبر لاستمرار المظاهرات الشعبية في عموم تونس، والتي أطاحت بزين العابدين بعد شهر واحد من حرق البوعزيزي لنفسه.

 

وامتدت احتجاجات التونسيين إلى جميع المدن وأدت إلى صدامات مع قوات الأمن وسقوط العديد من الجرحى والقتلى خلال تلك التظاهرات.

 

وفرَّ بن علي إلى السعودية بشكل مفاجئ في 14 (يناير) 2011. لتدخل تونس مرحلة مختلفة من تاريخ البلاد.

 

وبعد سنوات من الاحتجاجات التي ضربت تونس، بدأ البعض ينقم على الثورة التونسية، ويترحمون على أيام بن علي.

 

 

ومن تونس إلى مصر، فالأمر مشابه، فكانت دماء الشاب السكندري، خالد محمد سعيد صبحي قاسم (28 سنة ومواليد 28 يناير 1982)، بداية لموجة احتجاج واسعة، حولت الواقعة إلى قضية أمة حاصرتها الطوارئ إبان حكم الرئيس الراحل محمد حسني مبارك.

 

النشطاء آنذاك وجدوا في خالد رمزاً لحكم يستثمر كل شيء لسحق المواطنين دون أن يطرف له جفن بحسب تعبير المنظمات الحقوقية أيضا.

 

رحيل مبارك

 

وأثار مقتل خالد سعيد موجة غضب شعبية في مصر وردود أفعال من قبل منظمات حقوقية عالمية، تلتها سلسلة احتجاجات سلمية في الشارع في مدينتي الإسكندرية والقاهرة نظّمها نشطاء حقوق الإنسان الذين اتهموا الشرطة وقتها باستمرار ممارستها التعذيب في ظل حالة الطوارئ.

 

وبعد نجاح ثورة يناير، وإسقاط حكم الرئيس الراحل حسني مبارك، تم تكريم خالد سعيد في أوقات مختلفة وعبر منظمات مصرية ودولية وحكومية.

 

وبعد مرور سنوات على اندلاع الثورة المصرية في الخامس والعشرين من يناير، وبعد تكريمات متتالية للشاب خالد سعيد، بدأت بعض القوى الشعبية في تحميل ثورة يناير والمشاركين فيها، ومعهم بالتبعية أيقونتها خالد سعيد، مسؤولية الأوضاع والمشكلات التي يعانون منها بسبب ما أعقب الثورة من انفلات أمني وتدهور اقتصادي واحتجاجات متواصلة.

 

 

وفي سوريا، لم يأت دور بشار الأسد قط، فقد نجا من العاصفة وبات "قطعة الدومينو" الوحيدة التي لم تسقط، بعدما تحولت الاحتجاجات في بلاده إلى حرب مدمرة، حرقت الأخضر واليابس، بينما بقي الرئيس السوري ونظامه القمعي في مكانهما.

 

وانطلقت شرارة الثورة عقب أحداث بدأت في مدينة درعا، بعد أن قام الأمن باعتقال خمسة عشر طفلاً إثر كتابتهم شعارات تنادي بالحرية وتطالب بإسقاط النظام على جدار مدرستهم بتاريخ 26 فبراير 2011، "إجاك الدور يا دكتور" أعقبها نداءات عبر الفيس بوك تدعو للتظاهر في 15 من مارس لعام 2011.

 

من أبرز مظاهر قهر الأسد للسورين، كان الطفل حمزة علي الخطيب وهو طفل سوري من بلدة الجيزة في محافظة درعا، تعرض للتعذيب الجسدي وهو يبلغ 13 عاماً أثناء الاحتجاجات السورية في 2011.

 

وخرج حمزة من بلدته الجيزة التابعة لمحافظة درعا مع آخرين لفك الحصار عن أهل درعا في سياق الثورة السورية 2011 ضد نظام بشار الأسد، وتمّ اعتقاله عند حاجز للأمن السوري قرب مساكن صيدا في حوران يوم 29 أبريل 2011، وبعد مدة تم تسليم جثمانه لأهله، وبدت على جسمه آثار التعذيب والرصاص الذي تعرض له حيث تلقى رصاصة في ذراعه اليمنى وأخرى في ذراعه اليسرى وثالثة في صدره وكسرت رقبته ومثل بجثته حيث قُطع عضوه التناسلي.

 

وصدمت هذه الصور الآلاف ممن عبّروا عن تعاطفهم مع حمزة الخطيب على شبكة الإنترنت أو بالتظاهر في الشوارع، وخرجت التظاهرات من مسجد آمنة في الـ 15 مارس 2011، وفقد المسجد مئذنته وقتل عشرات المدنيين بعد أن عاقبتهم صواريخ وطائرات الأسد بالقصف العشوائي.

 

وي الـ18 عشر من الشهر نفسه، دعت المعارضة للتظاهر تحت شعار "جمعة الكرامة" حيث خرجت المظاهرات في مدن درعا ودمشق وحمص وبانياس وقابلها الأمن كعادته بوحشية خصوصًا في درعا، فسقطت عشرات القتلى، وتحوَّلت المظاهرات لباقي الأسبوع إلى أحداث دامية في محيط المسجد العمري.

 

قهر السوريين

 

منذ اليوم الأول، اختار الأسد، مواجهة المظاهرات السلمية المنادية بالحرية، بالرصاص والقتل والاعتقال، ورفع مؤيدوه شعار "الأسد أو نحرق البلد".

 

كما تدرج نظام الأسد باستخدام القوة في محاولة لوأد الثورة السورية، فمن الرصاص الحي إلى قذائف الهاون، إلى نشر دباباته والآليات الثقيلة حول المدن الثائرة وقصفها، إلى الطيران المروحي والحربي، إلى صواريخ السكود، فالكيماوي والغازات السامة، إلى الحصار والتجويع.

 

 

لم تغب الأحداث في ليبيا أيضا عن المشهد العربي آنذاك، ففي فبراير، بدأت احتجاجات لا سابق لها ضد نظام القذافي قمعت بعنف، وخصوصا في بنغازي (ألف كلم شرق طرابلس).

 

واتسعت دائرة الاحتجاجات واندلعت اشتباكات مع القوى الأمنية، وتعهد معمر القذافي "بمطاردة الجرذان"، وردّد عبارة جابت العالم العربي، إذ قال إنه يريد أن يطهر ليبيا "شبرا شبرا.. بيتا بيتا.. دارا دارا.. زنقة زنقة".

 

وتحولت الاحتجاجات إلى نزاع، وفي نهاية مارس، قاد حلف شمال الأطلسي حملة قصف جوي لدعم المجموعات المسلحة ضد النظام وأسقط القذافي.

 

الربيع العربي
  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان