ساعات وينطلق مؤتمر برلين حول ليبيا حاملاً الكثير من الآمال لشعب ظل عالقاً في أتون صراعات داخلية دامية منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011.
وبين فريقين واحد في الشرق مدعوما بالبرلمان في طبرق، وآخر معترف به دولياً يتخذ من العاصمة طرابلس مقرا له، دفع الليبيون على مدى سنوات ثمناً فادحاً، وبات بلدهم ساحة لتدخلات أجنبية وتصفية حسابات إقليمية.
ومنذ أبريل الماضي يشن الجنرال خلفية حفتر قائد قوات الجيش الليبي في الشرق عملية عسكرية لاجتياح العاصمة طرابلس مقر حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج.
وزاد الأزمة تعقيداً دخول أطراف إقليمية بينها تركيا (داعمة للسراج) على خط الأزمة، مقابل أطراف عربية بينها مصر التي تعتبر ليبيا مسألة أمن قومي بالنسبة لها، ما يجعل من مؤتمر برلين أملاً منتظرا لانتشال ليبيا بل والمنطقة كلها من فوق برميل بارود يكاد أن يتفجر في وجه الجميع.
بيد أن السؤال الذي يطرح نفسه، هل ينجح المؤتمر الذي يناقش قضية بهذه الخطورة والتعقيد خلال يوم واحد في نزع فتيل الأزمة وإنجاح ما فشل فيه آخرون؟. وهل تملك ألمانيا من الأوراق ما يجعلها قادرة على الحل؟ والأهم هل طرفي النزاع وما ورائهما على استعداد للتسوية؟.
ستكون ألمانيا ومن ورائها أوروبا كلها، رغم تباين مواقف دولها، أكثر حرصا على إنهاء الأزمة الليبية، في ظل تهديد بموجة هجرة واسعة النطاق قد تغزو شواطئها حال تفاقمت الأزمة.
وفي هذا الصدد يقول الخبير الألماني بشؤون الشرق الأوسط، الدكتور كارستن فيلند، في حديث مع DW عربية "تعد ألمانيا المقصد الأساسي لمعظم راكبي البحر من شمال إفريقيا ودول جنوب الصحراء الكبرى صوب "الفردوس الأوروبي".
مسودة مسربة
وعشية انطلاق المؤتمر الموعود تم تسريب مسودة البيان الختامي التي تم إعدادها خلال الأشهر الماضية خلال خمسة اجتماعات تحضيرية في برلين مع ممثلين من أكثر من عشر دول ومنظمات، بينها - بحسب الورقة- الولايات المتحدة وروسيا وتركيا وإيطاليا وفرنسا ومصر والإمارات.
وتتضمن الورقة ستة بنود، بينها إصلاحات في مجالي الاقتصاد والأمن، ووقف إطلاق النار وتطبيق حظر توريد الأسلحة، وكذلك إلزام ممثلي أكثر من عشر دول مدعوة للمشاركة في المؤتمر بالعودة إلى العملية السياسية في ليبيا والالتزام بالقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان.
كما تنص على تسريع تفكيك الجماعات المسلحة، وإدماج منتسبيها المناسبين للمؤسسة العسكرية، وإنشاء قوات أمنية وقوات عسكرية موحدة، بعد تشكيل لجنة "5 + 5" (5 عسكريين يمثلون المجلس الرئاسي+ 5 عسكريين يختارهم حفتر).
ورغم أن الورقة لم تتحدث عن مقترح إرسال قوات سلام إلى ليبيا للفصل بين قوات الطرفين، إلا أن رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي، لم يستبعد احتمال نشر قوات أوروبية لدعم السلام في ليبيا، وقال إن هذه المسألة مدرجة على أجندة مؤتمر برلين.
سياسياً تقترح الورقة تشكيل لجنة من 14 عضوا في مجلس النواب و14 عضوا في المجلس الأعلى للدولة، و14 عضوا من بقية القوى الأخرى، واستحداث لجنة ستضم محسوبين على نظام معمر القذافي، الذين أقصوا في فترات سابقة، وتمكنوا من فرض أنفسهم من خلال تحالف معظمهم مع حفتر.
واشتملت أيضا على ضرورة استئناف العملية السياسية من خلال إنهاء المرحلة الانتقالية عبر تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية.
حفتر "الزئبقي" و"مليشيات الوفاق"
مسودة اتفاق مؤتمر برلين ورغم أنها لا تختلف كثيرا عن روح اتفاقات سابقة، مثل الصخيرات وباريس وأبو ظبي وباليرمو، إلا أنها تكتسب أهمية مختلفة كون اشتراك أغلب الأطراف الدولية والإقليمية في مؤتمر برلين يمثل ثقلا دوليا كبيرا قد يسمح بفرض حلّ دولي يوقف الحرب.
إلا أن مدى التزام الجنرال حفتر "الزئبقي" ببنود الاتفاق المنتظر يعد المحك الرئيس لنجاح المؤتمر بحسب مراقبين رأوا ضرورة وجود عقوبات يفرضها المجمتع الدولي على الطرف الذي قد يضرب بالاتفاق عرض الحائط، إضافة إلى ضرورة وجود آلية مراقبة دولية لتنفيذ الاتفاق على الأرض.
وسبق أن رفض حفتر مؤخرا التوقيع في موسكو على اتفاق لوقف إطلاق النار في ليبيا، بل وأغلق عشية انطلاق المؤتمر معظم الموانئ النفطية في شرق ليبيا.
يقول البرلماني الليبي جلال الشويهدي في حديث لوكالة "سبوتنيك" الروسية ":المشكلة الليبية تتجلى في شخص خليفة حفتر بصراحة منذ البداية، فهو من رفض الاتفاق السياسي وهو من عرقله، ولا أعتقد أن هناك أي حل في ظل وجود هذا الرجل والدول التي تدعمه، ونحن كليبيين قمنا بثورة عام 2011 كي ننزع فرد، ولن نأتي بعد ذلك بشخص آخر، وهذا شيء مستحيل".
في المقابل، يرى المحلل السياسي محمد زبيدة، فيرى أن" الإشتباكات ستتواصل في ليبيا بطبيعة الحال، لأن الميليشيات التابعة لحكومة الوفاق في طرابلس وصراته لا تأتمر بأمر شخص واحد، وهي ليس لديها قيادة مركزية تصدر لها الأوامر مثل القوات المسلحة، فالجيش يمكن أن يصدر له المشير (حفتر) أمراً بوقف النار ويلتزم بذلك، لكن بالنسبة للميليشات المتواجدة في محاور القتال في طرابلس".
وأضاف في حديث للوكالة الروسية ذاتها "هذه الميلشيات موزعة على 150 ميليشيا ما بين ميليشيات إيديولوجية وجهادية وأخرى تعمل بالوكالة لصالح جهات خارجية، وتحديدا الميليشيات الإسلامية وتأتمر بأوامر الأتراك والقطريين، وهناك ميليشيات تعمل بتهريب الوقود وهي تتبع إيطاليا".
أوراق برلين
الألمان أنفسهم يدركون حجم تعقيدات الملف الليبي ولم يعربوا عن أي توقعات تدعو للإفراط في التفاؤل، وحذروا من أن فشل المؤتمر قد يؤدي لانفجار يشمل دول البحر المتوسط بضفته الأوروبية والعربية.
لكن الألمان وكونهم لا يرتبطون بتاريخ استعماري في المنطقة العربية يجعلهم يمثلون ما يمكن وصفه بـ"الوسيط النزيه"، كما تقف برلين تقريباً على مسافة واحدة من جميع أطراف الصراع.
وألمانيا التي تعد من أكبر المانحين لليبيا على مستوى العالم، قادرة كذلك على تمويل عملية سياسية وربما قوات حفظ سلام في ليبيا تكون ضروية للمساعدة في تطبيق ومراقبة وقف إطلاق النار.
ويمكن لألمانيا أيضا بحسب ما أفاد به الباحث الألماني في "معهد العلوم والسياسة" في برلين، الدكتور فولفرام لخر، في ورقة بحثية نشرت في نوفمبر الماضي التأثير على فرنسا التي يبدو موقفها أكثر ميلاً إلى حفتر.
ولألمانيا أيضا باع في رأب الخلافات السياسية وجمع الخصوم على موائد التفاوض، وسبق لها أن نجحت في الجمع بين الفرقاء الأفغان بعد الإطاحة بنظام طالبان، في "مؤتمر بون" عام 2001، ووقتها تم التوقيع على "اتفاقية بون" وتشكيل المجلس الذي وضع الدستور الأفغاني الحالي، للتتشكل لاحقاً أول حكومة بعد طالبان.
مع ذلك من السابق لأوانه الإفراط في التفاؤل، إذ تتضارب مواقف الدول الـ 12 المشاركة في مؤتمر برلين، ما يجعل أقصى طموح لليبيين حالياً أن ينجح المؤتمر في وقف إطلاق النار.