قبل أيام طعن متشدد يهودي 6 شبان خلال مسيرة للشواذ بالقدس المحتلة، توفت إحداهما أمس الاثنين متأثرة بجراحها، في خطوة وصفتها الحكومة الإسرائيلية بالجريمة البشعة، وباركتها عدد من الجماعات المتشددة في دولة الاحتلال.
ويقول اليهود المتشددون إن المثلية الجنسية رجس دخليل على المجتمع اليهودي، يجب التصدي له بكافة الطرق، لاسيما بعد أن غدت مدينة تل أبيب تضم أكبر عدد من الشواذ في العالم، وبات يطلق عليها "المدينة الوردية" او "شاطيء قوس قزح" نسبة إلى ألوان العلم الذي يتخذه الشواذ شعارا لهم.
لكن صحيفة "هآرتس" نشرت تقريرا الثلاثاء 4 أغسطس 2015 يؤكد أن الشذوذ الجنسي – اللواط تحديدا-جزء أصيل من التاريخ اليهودي، بل كان شائعا إلى درجة بعيدة، و يتم ممارسته في بعض الحقب داخل المعابد، من قبل الكهنة والحاخامات.
المؤرخ اليهودي "يارون بن نائيه" أوضح في دراسة له أنه وبالرغم من الحظر الصريح للتوراة لإقامة مثل هذه العلاقات، فإن الشذوذ كان منتشرا جدا بين أبناء الجالية اليهودية بالإمبراطوية العثمانية، وهناك عشرات الدلائل على ذلك، إضافة إلى ذلك فحتى العصر الحديث لم يكن ينظر المجتمع اليهودي بسلبية للشواذ.
وخلال العقود الماضية، تشجع نشطاء دينيون من الطائفة المثلية على طرح تفسيرات جديدة لتعاليم التوراة، تقنع اليهود بالعيش في سلام مع المثليين، والعكس. وبالفعل، يؤكد حاخامات ليبراليون، وتحديدا في الولايات المتحدة أن تدنيس السبت، أخطر من مضاجعة الرجل للرجل على سبيل المثال. كما يسمح بعضهم بالعلاقة الحميمة بين الذكور، شريطة ألا تكون علاقات مكتملة.
على مدار القرن الماضي، وضع عدد من المفكرين اليهود لأنفسهم هدفا أكثر طموحا، تمثل في إثبات أن المثلية الجنسية جزء جوهري من تاريخ الشعب الإسرائيلي والتقاليد اليهودية. كان من بينهم "هانز يوخيم شيفاز" مؤرخ وعالم لاهوت يهودي-بروسي، كان من الزعماء الشباب لليهود في ألمانيا، رغم تمسكه بالمواقف الألمانية القومية والرجعية.
بعد الحرب العالمية الثانية سارع "يوخيم" للعودة إلى ألمانيا وكان من أتباع الأسرة البروسية الحاكمة التي أطيح بها من الحكم. في السبعينيات من القرن الماضي كان من طلائع الداعين لإلغاء الحظر على المثلية الجنسية بألمانيا.
ونظرا لأن معارضة المثلية كثيرا ما اعتمدت على حظرها في سفر اللاويين "لاَ تُضَاجِعْ ذَكَرًا مُضَاجَعَةَ امْرَأَةٍ. إِنَّهُ رِجْسٌ"(18: 22) أراد "يوخيم" توضيح السياق الذي صدر فيه هذا الحظر، حيث يزعم أن الكهنة الشواذ جنسيا كانوا منتشرين بكثرة في إسرائيل التوراتية خلال حكم الملك رحبعام ابن الملك سليمان. وخلص إلى أنه حتى داخل ما يسمى بمعبد الهيكل بالقدس كان هناك مثل هؤلاء الكهنة، الذين كانوا يفعلون ذلك ضمن طقوس وثنية.
فقط لدى وصول الملك يوشيا ملك يهوذا للحكم قام بإجراء إصلاحات هامة، حيث اجتث الطقوس الوثنية التي كان اليهود قد بدءوا في اتباعها، وحظر ممارسة طقوس الشذوذ والزنا التي كان يجريها الكهنة. ونظرا لأن الظاهرة كانت منتشرة للغاية بين أبناء اليهود، كان من الضروري حظر صارم على تلك العبادة التي تعد الآن رجسا. مع ذلك يؤكد "يوخيم" أن الحظر الوارد بسفر "اللاويين" جاء فقط لمنع ممارسة الشذوذ التي كانت مرتبطة بعبادة الأوثان في ذلك الوقت، وليس للفعل الجنسي نفسه.
تحقيق "هآرتس" استدل أيضا بآراء "مردخاي لانجر" الشاعر والباحث في علم "الكابالاه" (التفسير الباطني للتوراة) المتوفي عام 1943، ففي كتابه الذي حمل اسم "شبقية الكابالاه" المنشور عام 1923، زعم "لانجر" أن "حب صاحبك" كما وردت في التوراة تعني حب الرجل للرجل، وتعد بشكل فعلي التوجه الأساسي العميق في اليهودية.
وقال إن التيار الشهواني بين الذكور سيطر على اليهودية القديمة، لكن على مر العصور تزايدت قوة "حب المرأة". واعتبر أن الحظر الصارم للعلاقة الجنسية بين الذكور ، يشكل دليلا على أن الميل للشذوذ كان منتشرا للغاية لدى اليهود. وزعم أن العلاقة الحميمة، التي لا تصل حد الجماع، هي التي تربط بين تلاميذ اليشيفوت (المدارس الدينية) بعضهم ببعض، وتربطهم أيضا بالحاخام.
كان "لانجر" يطمح في إثارة "حب الصاحب" من جديد، لكنه مات قبل أن يحقق هدفه، وتقول الصحيفة :”ربما لو لم يمت مبكرا، لكان تمكن في إسرائيل من نشر فكرة أن اليهودية والمثلية الجنسية لا يتضادان لبعضهما البعض، لكنهما مرتبطين بعلاقة معقدة".
“هآرتس" ختمت بالقول:”لسنا مضطرين لقبول نظرية لانجر أو يوخيم وأمثالهم. لكن فقط محاولتهم صنع مثلية جنسية يهودية ذات صلة تحديدا في الفترة الحالية. وحيال العنف الفتاك الذي يمارس انطلاقا من تبريرات يهودية، ليس هناك من داع للاكتفاء بالسماح للمثليين بالحياة. هناك مجال للقول إن الرغبة الجنسية المثلية وتحقيقها هي جزء من التقاليد اليهودية نفسها. سدوم (قرية قوم لوط) في نهاية الأمر كانت موجودة أيضا داخل إسرائيل".
اقرأ أيضا: