”بدا وجه ذلك الطفل ذي الملابس المتسخة مكفهرا، بينما يتلقى صدقات من المارة، في ظل شمس مصر الملتهبة".
هكذا استهلت شبكة "إن بي سي" الأمريكية تقريرا لها اليوم الأحد حول ظاهرة تفشي أطفال الشوارع في مصر، والتقت بنماذج حقيقية، ورصدت الدوافع وراءها.
وتحت عنوان "أطفال الشوارع في مصر..الضحايا المنسيون لأزمة القاهرة"، نقلت الشبكة عن طفل يدعى أحمد لا يتجاوز عمره السنوات العشر قوله : ”زوجة أبي الجديدة لم تحب أن أتواجد حولها، وطالما أوسعتني ضربا".
وأضافت الشبكة الأمريكية: ”مخاطر الجوع وعدم التيقن التي يواجهها هذا الطفل أفضل بالنسبة له مما هرب من أجله قبل عام".
وبالرغم من أن أحمد فقد رخاوة الأطفال، لكنه ما زال معرضا للألم، شأنه شأن عشرات الآلاف من الأطفال المشردين في العاصمة المصرية..إنه جوعان معظم الوقت، ويواجه مخاطر السقوط ضحية لانتهاكات مروعة، تتضمن الاغتصاب.
ويرى التقرير أن أطفالا مثل أحمد لا يجدون إلا القليل من المدافعين عنهم في بلد يرزح تحت وطأة أزمة تلو أخرى منذ انطلاق ثورات الربيع العربي عام 2011.
وتطرقت "إن بي سي" إلى حالة الشيطنة التي حاولت بعض وسائل الإعلام صبغها على أطفال الشوارع، واتهامهم بحرق أقسام شرطة، وسلب محال تجارية، لا سيما في ميدان التحرير، الذي كان يقصده هؤلاء المشردون، تلمسا لصدقات من المتظاهرين.
ونقلت عن رانيا فهمي، المدير التنفيذي لجمعية "بناتي" الخيرية قولها: ”الإعلام خلال الثورة، شيطن أطفال الشوارع، متهما إياهم بحرق أقسام الشرطة، ونهب المحال التجارية..واصفين إياهم بأنهم قنابل زمنية موقوتة، وحاملين لأمراض معدية، ويمثلون تهديدا على المجتمع، وهو ما أدى إلى تشويه سمعتهم".
واتهمت فهمي الشرطة المصرية بالمشاركة في الانتهاكات التي تمارس ضد هؤلاء الأطفال، عبر عمليات قبض عشوائية، بدلا من حمايتهم، وأضافت: ”نواجه الكثير من الصعوبات..بينها الشرطة ومراكز احتجاز الأطفال..إنهم يقبضون على إناث مشردات عشوائيا، ويكيلون إليهن اتهامات غامضة، بما يعرضهن للعنف والانتهاكات الجنسية..ورغم تسجيل تحسن طفيف، إلا أن الفتيات لا زلن يخضعن لكشوف عذرية".
ونقلت "إن بي سي" عن الدكتور عبلة البدري مديرة "قرية الأمل"، وهي جمعية خيرية تدافع عن حقوق أطفال الشوارع قولها: ” العديد من هؤلاء الأطفال يتم إجبارهم على الدخول في طرق الدعارة والإدمان، ليصبحوا أهدافا للانتهاكات الجسدية".
وأشار التقرير إلى أن من بين الأسباب التي تجعل أطفال الشوارع في منأى عن عيون المجتمع هو عدم امتلاك العديد منهم لشهادات ميلاد، وعدم التحاقهم بالتعليم، وبالتالي لا يمكنهم الحصول على رعاية صحية مجانية وغيرها من الخدمات المرتبطة بالمواطنة.
وقال فيليب دواميل، أحد ممثلي منظمة يونيسيف: ” من المهم تذكر أن هؤلاء مجرد أطفال، وأن وجودهم في الشارع لا يعني سوى تحولهم إلى ضحايا..التشويه الذي يتعرض له أطفال الشوارع يبعث على قلق بالغ".
ولفت التقرير إلى تجنيد العديد من هؤلاء الأطفال في عصابات الشوارع، بما يكلفهم الكثير، إذ يلجأ زعماء تلك العصابات إلى تقطيع أوجه وأجساد كل من يرفض تنفيذ الأوامر، كما يتم تشويه كل من يتعرض للاغتصاب كدلالة على فقدان العذرية، بما يعد إشارة لمزيد من الاعتداءات.
وأشارت فهمي إلى أن عودة هؤلاء الأطفال إلى منازلهم يعرضهم لأمور مروعة أيضا، وفسرت ذلك بقولها: ” يتساءل البعض عن الأسباب التي تدفع هؤلاء الأطفال إلى الهروب من منازلهم، والإجابة تتمثل في الانتهاكات المنزلية، التي أطلق عليها وصف "تعذيب".
وأردفت أن معظم أطفال الشوارع لن يبرأوا بشكل كامل من تأثير الانتهاكات، ونقلت عن إحدى الفتيات المشردات قولها: ” ما تحاولين فعله بالنسبة لي هو محاولة لحم أجزاء سلك كهربائي مقطوع، وهو ما يجعله يعمل عند إيصال الكهرباء إليه، لكن يظل القطع موجودا".
بعض النشطاء أعلنوا عن تذمرهم من عدم تلقي أطفال الشوارع جزءا من الاهتمام الموجه للنساء ضحايا التحرش الجنسي خلال مظاهرات الربيع العربي وبعدها.
ولفتت الشبكة إلى زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي في يونيو الماضي لضحية تحرش جنسي في أحد المستشفيات، ومنحها إياها باقة من الزهور، لكن فهمي علقت بقولها: ”موقف السيسي رغم أنه يستحق التقدير لكنه غير كامل، فهناك فتيات يتعرضن للتحرش الجنسي داخل السجون..وهن نفس الفتيات المشردات في الشوارع".
اقرأ أيضا: