وصف المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية اليوم الثلاثاء، قرار الحكومة البريطانية بفتح تحقيق حول أنشطة الإخوان على أراضيها بأنه "انتصار كبير" للمملكة السعودية، التي ظلت طوال العقد الماضي تحاول نفي تهمة العنف عن الوهابية السعودية ومحاولة إلصاقها في الإخوان المسلمين، رغم أن 15 من 19 متهمًا بارتكاب أحداث 11 سبتمبر 2001 يحملون الجنسية السعودية.
وفيما يلي نص التقرير المطول:
منذ هجمات 11 سبتمبر، تجادل السعودية أن الإسلام السياسي لجماعة الإخوان المسلمين ، وليست الوهابية السعودية، هو مصدر العنف الجهادي والتطرف.
في تصريحات خاصة، قال مسؤولون بريطانيون إن "السعودية تمارس ضغطًا على بريطانيًا منذ شهور، اكتمل بغضب سعودي من انتقال الغرب صوب طهران منذ نوفمبر"، بما قد يفسر اختيار السفير البريطاني لدى الرياض لقيادة التحقيق حول أنشطة الإخوان.
أحداث 11 سبتمبر 2011 كانت ذات نتائج كارثية على هيبة آل سعود، ليس فقط لأن 15 من 19 من مرتكبي الاعتداءات من حاملي الجنسية السعودية، لكن لأن أصل أيديولوجية القاعدة ينظر إليه بشكل واسع بأنه يعود إلى الوهابية المتعصبة برعاية الدولة السعودية، وهي الهجمات التي أدخلت العلاقات الخارجية لآل سعود في أزمة، حاول الملك عبد الله، وقتما كان وليًا للعهد، تجاوزها عبر مبادرة صلح عربية إسرائيلية، ودعم الغزو الأمريكي للعراق، ورعاية خطاب إصلاحي جديد.
لكن هناك عنصرًا غالبًا ما يتم تناسيه يتمثل في أن السعودية وجهت لومًا مباشرًا لمنظمة الإخوان المسلمين نحو تحول الإسلام العربي، حيث توجد تصريحات لوزير الداخلية السعودي الراحل نايف بن عبد العزيز عام 2002 قال خلالها: "الإخوان المسلمين هو مصدر لكافة مشاكلنا المعاصرة في العالم العربي.
في السنوات التالية لذلك التصريح تصرف السعوديون كما لو كانت جماعة الإخوان هي التي يلزمها الخضوع لإصلاحات أكثر من مؤسساتها الوهابية.
من المؤكد أن أفكار سيد قطب، الذي أعدمه عبد الناصر عام 1966، أثرت بشدة على الإسلام الجهادي المعاصر، وبعد موت قطب، ظهرت حركات متعددة في السبعينيات من القرن الماضي، مستوحاة من أفكاره حول تكفير الحكام الطغاة، وبينما آثر البعض الانسحاب من المجتمع، رأى بعض آخر ضرورة تحدي هؤلاء الحكام عبر "انقلاب" أو "ثورة" أو "اغتيالات".
وبالرغم من ذلك، سلك الإخوان المسلمين طريقًا مختلفًا في السبعينات أيضًا تحت قيادة عمر التلمساني، رائد اتجاه جديد يهدف إلى مصالحة الإخوان المسلمين بالإطار الأساسي للديمقراطية الحديثة، على أن تكون الانتخابات هي طريقة العمل الجديدة للحركة. ويفسر اقتناع الإخوان بالانتخابات ذلك القلق المتصاعد من الصفوة الحاكمة بالخليج تجاه الجماعة خلال العقد الأخير، لا سيما منذ ثورات الربيع العربي.
بالنسبة للمملكة السعودية على وجه الخصوص، فإن شرعية آل سعود، العائلة التي تجسد نفسها كما لو كانت دولة الشريعة الحقيقية، تواجه تهديدًا مباشرًا من الحركة الإسلامية التي تتخذ الإطار الإسلامي بمثابة مرجعًا لها.
الموقف الأمريكي يعد مفتاحًا رئيسيًا في ذلك السياق، ففي عام 2005، كان للولايات المتحدة تحولًا واضحًا تجاه الإخوان المسلمين التي كان الإعلام يصورهم في مظهر "البعبع الإسلامي"، لكن تحت ضغوط من مشروعات إدارة بوش حول الديمقراطية في أعقاب حرب العراق، خفف نظام مبارك من التزوير الانتخابي في الجولة الأولى للانتخابات البرلمانية عام 2005، بما مكن مرشحي الإخوان من تحقيق نتائج مؤثرة، قبل أن يعاود نظام مبارك التزوير في جولة الإعادة، لكن بالنسبة للولايات المتحدة كان ذلك بمثابة ظهور محاور جديد في العالم العربي، لكن ظلت "حماس" خطًا أحمر.
بعد أحداث 2011، استخدم الإسلام السياسي الانتخابات للوصول إلى الحكم، بمباركة من الولايات المتحدةـ، وهو ما ألهم الإسلاميين، لكن الجيش المصري عزل بالقوة الرئيس المصري المنتمي للإخوان. ومنذ ذلك الحين، انتقل الصراع للضغط على الحكومات الغربية مجددًا لإدانة الإخوان المسلمين، لذا فإن خطوة ديفيد كاميرون الأخيرة بمثابة انتصار هام للحملة السعودية.
هل يتحول الموقف الأمريكي والأوروبي تجاه الإخوان جراء الضغط السعودي والعربي؟.. لا يوجد مؤشر على عزم الاتحاد الأوروبي أو أمريكا نحو ذلك، حيث لم يدعما التأكيدات المصرية بأن الإخوان وراء الهجمات القاتلة على الجيش والشرطة، بينها تفجيرات انتحارية، أعلنت جماعات جهادية مسؤوليتها عن تنفيذها، بل تنصح كل من واشنطن والاتحاد الأوروبي الحكومة المصرية بالدخول في حوار مع المعارضة الإسلامية.
لكن هناك مظاهر لتصدعات، حيث ينقل دبلوماسيون تقارير حول جدل شديد في العواصم الأوربية بشأن الموقف من الإخوان المسلمين.. طارق رمضان، حفيد مؤسس الإخوان حسن البنا(الذي يقول إنه ليس عضوا في الجماعة)، وهو عضو منذ سنوات عديدة في لجنة استشارية بالحكومة البريطانية تختص بحرية الأديان بعد انتقاله إلى المملكة المتحدة التي كان فيها كمال الهلباوي لفترة طويلة ممثلاً عن الإخوان في أوروبا. رمضان منع لسنوات عديدة من دخول فرنسا، حيث يتشكك اليمين الفرنسي بشكل كبير في الإسلاميين، كما كان للجيش المصري تمثيلًا في محادثات أوباما مع الرياض منذ أسبوعين في جهود سعودية لدفع واشنطن لإعادة صفقات السلاح مع مصر، والآن تفتح بريطانيا تحقيقا قد يؤدي إلى حظر الإخوان.
في مواجهة القمع الداخلي المكثف ضد الإخوان المسلمين، احتلت بعض الأماكن أهمية كبيرة للإخوان، مثل الدوحة وإسطنبول، ولندن، كما لاذت إليها شخصيات إخوانية من الإمارات أيضًا، في ظل القمع المتواصل، واختار التحالف الوطني لدعم الشرعية، الذي ينظم المظاهرات في مصر، إسطنبول كمكان لمؤتمر الشهر الماضي لشجب تقرير حكومي حول فض اعتصام مؤيدي الإخوان، كما دشن الإخوان مكتبا في كريكلود، شمال غرب لندن، بالإضافة إلى أن قناة الجزيرة في قطر هي منفذ إعلامي للإسلاميين.
داخل السعودية، اعتمدت حملة السعودية على وصف الإخوان بالمنظمة الإرهابية، وحظرها، وتنسيق انسحاب جماعي لسفراء خليجيين من الدوحة، كما عاودت المملكة جهودها لوصم الإخوان بأنهم مصدر عنف الإسلام السياسي، ونفي ذلك عن الوهابية، بالإضافة إلى جهود رفع الهيبة السعودية، وهكذا كتب جمال خاشقجي، مدير عام قناة العرب الإخبارية، أن الجهاديين المصريين هم من "لوثوا عقل بن لادن والجهاديين السعوديين في أفغانستان"، كما كتب عبد الرحمن الراشد، مدير قناة العربية، "إن الجماعات السلفية الجهادية في سوريا هي اختراع من سوريا وإيران وليست نتاج تفكير أو تمويل سعودي".
من الملاحظ أنه بعد عقد من هجمات 11 سبتمبر بدأت السعودية في إيجاد جمهور غربي مستعد لسماع تلك الادعاءات.