رأت صحيفة "دي تسايت" من خلال مقال للكاتب الألماني "جوزيف يوفه"، أن الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" تنازل بانسحابه من سوريا عن المفصل بين أوراسيا وأفريقيا المعروف ب "طريق فيلة التاريخ " ، كما وصفه رئيس الدفاع الإسرائيلي "موشيه دايان"، جسرا بريا يتنازع عليه بشكل دائم.
وأضافت الصحيفة أن "ترامب" حطم صورة واشنطن المهيمنة أمام العالم بسياساته المتضاربة.
وتساءلت الصحيفة : هل لا تزال الولايات المتحدة قوة عظمى؟ ، مجيبة بأن الرئيس الأمريكي الراهن دمر النفوذ والسلطة والشرعية، وهى المصادر الرئيسية لتفوق واشنطن منذ 70 عاماً.
وأوضحت الصحيفة الألمانية أن قرار ترامب الكارثي بالإنسحاب من سوريا ليس نهاية القوة العالمية لأميركا، بل تراجع في ميزان القوة.
وفيما يلي نص المقال:
تتكهن الآن مجلة "دير شبيغل" حول "نهاية القوة العظمى" وصدر تقريرها على الصفحة الأولي من عددها الأخير، الذي تناول قضية انسحاب الأمريكيين من سوريا وخيانة الأكراد من حليفهم الأفضل "أمريكا"
هل تنسحب أمريكا حقاً من سيادة السياسة العالمية؟، هذا السؤال المتعلق بنهاية الإمبراطورية العالمية يذكرنا بمقولة للكاتب الأمريكي الفكاهي "مارك توين" ، حيث قال مازحا: "كان خبر موتي مبالغًا فيه إلى حد بعيد".
مما لا شك فيه ،هي نهاية استراتيجية عقلانية من جانب دونالد ترامب ، الذي يفهم السياسة بقدر ضئيل.
الأمر لا يتعلق فقط بكسر حقيقي لهيبة أمريكا ، بل سوء سلوك أخلاقي.
دعونا نضع جانباً الثمن القاسي الذي يجب أن يدفعه الأكراد في سوريا، و الغارات الجوية التركية على المدنيين ، وفرار نحو 200 ألف شخص ، و"التطهير العرقي " مقابل إنشاء"منطقة حماية". بعرض 500 كيلومتر على طول الحدود التركية السورية ، كما يزعم أردوغان.
ولنتتطرق الآن إلى السياسة الواقعية العارية ، التي تعتبر قواعدها غريبة على ترامب، الذي يتصرف كالطفل الصغير المدلل ، عندما يغضب من سلوك أقرانه ، ويحطم ببساطة لعبته ويتنازل عنها بمنتهى السهولة.
بلاد الشام ليست لعبة نرد غير ضارة، ويظل المفصل بين أوراسيا وأفريقيا المعروف ب "طريق الفيل " ، كما وصفه رئيس الدفاع الإسرائيلي "موشيه دايان"، جسرا بريا يتنازع عليه بشكل دائم.
من بابل إلى روما ، ومن نابليون إلى ألمانيا النازية ، ومن العثمانيين إلى البريطانيين ، لم تترك أبدا أي قوة كبرى "درب الفيل" ، ناهيك عن الولايات المتحدة وروسيا.
لكن الخبير الاستراتيجي الكبير دونالد ترامب يعتقد أنه يستطيع فعلاً إنهاء "حروب أمريكا في الشرق الأوسط"، التي لن تنتهي أبدا بمجرد إيماءة متهورة من الرئيس الأمريكي الراهن.
سلفه ، باراك أوباما ، كان يحلم بهذا الأمر ، وأمر قواته القتالية بالعودة من العراق في عام 2011، وكانت تلك الخطوة مساعدة وفرصة حقيقية لولادة "تنظيم داعش" ، الذي توغل أنحاء بغداد.
وفي عام 2014 ، عادت القوات الأمريكية ؛ و لا يزالون يتمركزون إلى الآن في البلاد.
عالم القوى العظم يمقت الفراغ، وكأنه قانون حديدي مفروض على العالم.
مثلما كان داعش يملأ الفراغ ، فإن تركيا وروسيا وإيران ، أخطر منافسي أمريكا في المنطقة ، يقومون بذلك اليوم.
وخلاصة الأمر : لم ينه ترامب الحرب السورية ، بل وسع المنطقة القتالية ودفع حلفائه الأكراد إلى أحضان "مجرم الحرب" بشار الأسد.
وفي موسكو ودمشق ، تعالت أصوات فتح زجاجات الشمبانيا، وفي أنقرة وطهران ، حيث يوجد شيطان الكحول ، تم الاحتفال بالانسحاب الأمريكي وكأنه هدية من الله.
ومع ذلك ، فإن قرار ترامب الكارثي ليس نهاية القوة العالمية لأميركا، فالنهاية لا تحسب بتراجع في ميزان القوة، لأن القوى العظمى لا تختفي ببساطة من المسرح العالمي، بمجرد تعرضها للهزيمة أو الطرد.
فعلى سبيل المثال: تفككت روما تحت ضربات المطرقة من "البرابرة" الجرمانية، وحلم نابليون بالهيمنة العالمية انتهى في عام 1815 بإطلاق مدافع النيران من تحالف عموم أوروبا في واترلو.
وانتهت مسيرة الرايخ الألماني الكبير في حرب الثلاثين عامًا الثانية 1914-1945، ولم تُهزم الإمبراطورية البريطانية ، ولكن نزفت في القرن العشرين ، ثم اختفى دورها من قبل العملاقين الجدد الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا السوفيتية.