لم يكن الإعلان عن موعد 25 / 9 / 2017 لإجراء استفتاء شعبي في إقليم كُردستان حول الاستقلال عن العراق من قبل قيادة الإقليم وبجهود جبارة من قبل رئيس الإقليم آنذاك البيشمركة "مسعود البرزاني " بدافع العاطفة أو الرغبة الشخصية، بل كانت استجابة لرغبة الملايين من الكُرد ووفاءً لأرواح الآلاف من الشهداء.
من اللحظة الأولى التي أعلن فيها البيشمركة مسعود البرزاني عن موعد الاستفتاء بدأت سهام أعداء الكُرد تتجه على هذه الخطوة لوأدها قبل ولادتها، فتعالت الأصوات الرافضة لهذه الخطوة من بغداد وأنقرة وطهران وحتى دمشق، واستطاعت تلك الدول من شراء بعض الذمم في داخل الإقليم، ليشكلوا تحالفات وتكتلات استهدفت مشروع الاستفتاء، تلبية لرغبات ومطالب طهران وبغداد على وجه الخصوص، مقابل أمتيازات شخصية وحزبية.
توافدت الشخصيات والوفود الرسمية من معظم دول العالم، بعضها كانت مؤيدة لمشروع الاستفتاء وأكثرها مطالبة بتأجيله والبعض الأخر لإلغائه، إلا أن الإرادة والتصميم والإيمان بمشروعية القرار والاحتكام إلى حق الشعب الكُردي في تقرير مصيره، كان الحصن الحصين أمام كل المحاولات التي قام بها أعداء القضية الكُردية، ومَن معهم في الداخل الكُردي، بهدف وأد الاستفتاء قبل ولادته.
خرج الشعب الكُردي إلى الشارع بالملايين في هولير وسليمانية ودهوك وكركوك وأوروبا، وكل نقطة وصل إليه الكُردي دعماً للقرار وتشجيعاً لأصحاب القرار، حيث تزيّنت الشوارع والأزقة بالعلم الكُردي وأصبح حديث الساعة للإعلام الكُردي والعالمي، فتكاتف الشعب مع القائد، كتفاً على كتف ويداً بيد في سبيل الوصول إلى اليوم التاريخي.
بعض القوى الكُردية آنذاك تحفظت في البداية عن دعم المشروع، ظناً منها بأن أصحاب المشروع سيخضعون للضغوطات الداخلية والخارجية، ولكن مع استمرار الصمود بدأت تلك القوى في دعم المشروع والمشاركة في الاحتفالات آنذاك، لوضع بصمة لهم في المستقبل.
قبل عام من الآن توافدت الحشود الشعبية بالملايين إلى صندوق الشرف والكرامة، ليقرروا مصيرهم، هذه الحشود التي صنعت من اليأس الأمل ومن الإرادة المستحيل، وصلوا ليقولوا نعم لاستقلال إقليم كُردستان عن العراق.
قرر الشعب الكُردي الاستقلال، فقالوا نعم للاستقلال، وكانت النتيجة حوالي 93 بالمئة من الشعب ممَن قالوا (نعم)، وذلك للوقوف في وجه قادة وحكومات العراق، الذين جلبوا القتل والدمار والظلم والأنفال والكيماوي للشعب الكُردي وأرضه، فالإجابة بـ (نعم) حيال سؤال الاستفتاء، لم ترق لأعداء الشعب الكُردي من خارج وداخل الإقليم، فتعالت الأصوات المطالبة بإلغاء نتائج الاستفتاء، وزادت الضغوطات على أصحاب المشروع وعلى رأسهم القائد مسعود بارزاني في سبيل إجبارهم على إلغاء النتيجة، وفي كل مرة كانت تأتي الإجابة "لسنا نحن مَن نلغي أصوات وإرادة الشعب الكُردي".
وبعدما فشلوا في إقناع أصحاب المشروع على إلغائه، بدأت بغداد بفرض العقوبات الأقتصادية على الشعب الكُردي، لمعاقبته بمجرد أنه قرر تقرير مصيره، وتلى ذلك خيانة 16 أكتوبر عام 2017، هذا اليوم الأسود الذي طبع بحروف من التبعية على جبين أصحاب الخيانة، فكانت المؤامرة الكبيرة التي استهدفت الشعب الكُردي ومَن حمل لواء الاستقلال، فكانت النتيجة تسليم كركوك وكسر الجبهات الأمامية من الصمود الكُردي، دون أدنى إحساس بمشاعر الملايين من الكُرد.
ورغم كل ما حصل بقي الشعب الكُردي صامداً صمود الجبال في وجه كل المؤامرات الداخلية والخارجية، وبقوا كالقلاع خلف قياداته، ليشكلوا معاً جسراً جديداً لتجاوز كل الضغوطات والمؤامرات، فحافظ على ولائه لقضيته، وبقي صامداً في وجه الإعصار الذي استهدف مشروع الاستفتاء قبل وبعد إجراءه، وحافظ البيشمركة مسعود البرزاني على عهده الذي قطعه لنفسه ولشعبه في الحفاظ على نتائج الاستفتاء، وجعله استحقاقاً وحقاً لشعب واجه الظلم والقتل والإرهاب لسنوات.
تجاوز الإقليم الكثير من مشاكله والضغوطات الاقتصادية التي فرضت عليه بعد اليوم الأول من الاستفتاء دون أن يلغوا نتائج قرارهم المصيري ، وسيتجاوز إقليم كُردستان كل مشاكله، وسيأتي اليوم الذي سيفتح فيه الشعب صندوق الشرف والكرامة، صندوق القضية الذي وضع فيه نتائج الاستفتاء ويحرسه مَن حمل الأمانة، أمانة ملا مصطفى بارزاني وقاضي محمد وشيخ سعيد .
سيأتي اليوم الذي سيلبس فيه الشعب الكُردي سِوار الذهب الذي صنع بدماء البيشمركة، ونقش بأسماء شهداء الأنفال وحلبجة، سيأتي اليوم الذي سيلمع فيه سِوار الذهب بمعصم القضية.. ليكون الاستقلال الذي بات حلماً لكل الشرفاء من الكُرد.