رئيس التحرير: عادل صبري 09:15 صباحاً | السبت 20 أبريل 2024 م | 11 شوال 1445 هـ | الـقـاهـره °

الدعوة والحوار مع الآخر

الدعوة والحوار مع الآخر

ساحة الحرية

شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان

الدعوة والحوار مع الآخر

د . علي محمد الأزهري 24 مايو 2016 08:29

تُعد زيارة فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر لدولة الفاتيكان حدثًا تاريخيًا في واقعنا الحالي؛ خاصة قد اندثر الحوار بين الأزهر والفاتيكان منذ سنة 2006 م وحتى وقت قريب بسبب صدور بعض التصريحات من البابا خاصة مطالبته الدول صاحبة القوى العظمى التدخل في الدول العربية وخاصة مصر لحميات الأقليات على حد زعمه خاصة بعد حادث القديسين.

ولقد أدى هذا التصريح إلى استياء خاصة في المؤسسة الدينية الأزهرية، وكان فضيلة الإمام وقتها رئيسًا للجامعة وقد رفض هذا التصريح جملة وتفصيلًا، ولقد كانت اتفاقية بين الأزهر والفاتيكان تعود لسنة 1989م غايتها نشر السلام والعمل على الاستقرار العالمي، وهذه الزيارة التاريخية جاءت في وقت عاصف بعد أن حاول أهل الباطل تشويه صورة الإسلام عامة والمسلم خاصة تحت عدة تهم من أبرزها التطرف والإرهاب والعمل على اضطهاد الآخر وعدم قبوله، فجاءت في وقتها خاصة أن ثمة علاقة تربط بين المسلمين وغيرهم من الذين قال الله تعالى في حقهم : (وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ) (سورة المائدة:82)، ولقد احتضن هؤلاء في بداية الدعوة صحابة سيدنا –رسول الله صلى الله عليه وسلم- عندما هاجروا للحبشة وكان القائم عليها (النجاشي) الذي استمع لسيدنا جعفر بن أبي طالب –رضي الله عنه- وهو يقرأ عليه من سورة المائدة فبكى الملك النجاشي وقال : إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة.

إن العلاقة قديمة لا يمكن أن تنفك أبدًا والمطالع للتأريخ يجد أن الذي رد لهم الكنائس وأمنهم في مصر بعد الحرب الضروس التي كانت فيما بينهم سيدنا عمرو بن العاص –رضي الله عنه- لما دخل لمصر وعلم بهذه الحرب بين طوائفهم رد إليهم الكنائس وأرسل في طلب بنيامين وأمنه بعد أن خرج فارًا للعريش خائفًا من بني جلدته، يقول المؤرخ القمص أنطونيوس الأنطوني في كتابه وطنية الكنيسة القبطية وتاريخها صـ66: وبالجملة فإن القبط نالوا في أيام عمرو بن العاص راحةً لم يروها منذ زمان

· ويقول المؤرخ الدكتور عزيز سوريال عطية في كتابه تاريخ المسيحية الشرقيةصـ104 : أما العرب فقد أتوا لتحرير القبط من هذه الأغلال البيزنطية إذا كان موقفُهم من أهل الكتاب أو أهل الذمة موقفا كريما وسمحا تأكدت فحواه من واقع العهد العمري الذي كفل للأقباط حريتَهم الدينية بشكل لم ينعموا به أبدا تحت النَيْرِ البيزنطي.

فكانت الزيارة لفتح باب الحوار ومؤتمر يجمع بين شتات أصناف العالم من المسلمين وغيرهم لبيان أن ما نبي من الأنبياء ولا رسول من الرسل –صلوات الله وسلامه عليهم- جميعًا جاء إلا بالسلام، وأن هدفنا أن نرسي دعائم السلام على الأرض، ما جاء الإسلام ليضطهد المخالف أبدًا بل دلت الآيات على ذلك فمنها قول الله تعالى : (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)(البقرة:256)، وأيضًا قول الله تعالى : (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)(الكافرون:6)، إن الإسلام لم يُرغم الآخر على الدخول فيه أبدًا، ولا جاء بسيف مهراق أبدًا، وجاءت دعوة الإسلام سمحة تدعو الآخر بالحسنى ولين الجانب قال تعالى : (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)(النحل:125) .

بل حذر سيدنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- من ظلم غير المسلمين في كثير من الأحاديث عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَبْنَاءِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ آبَائِهِمْ دِنْيَةً فَعَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا أَوْ انْتَقَصَهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ـ رواه أبو داود (3052) والبيهقي (9/212)

إن الحوار مع الآخر مطلوب وخاصة في زماننا هذا بعد أن عمدت وسائل الإعلام المختلفة وعملت على تشويه صورة الإسلام، فإسلامنا لم يأمر بقتل المخالف ولم يُجبر غير المسلمين على اعتناق الإسلام، وإنما جاء إسلامنا بالسلام والتعايش مع الآخر، ففي الحديث عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ ، قَالَ : نَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ، وَكَانَ صَاحِبُ خَيْبَرَ مَارِدًا مُنْكَرًا، فَأَقْبَلَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، أَلْكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا حُمُرَنَا، وَتَأْكُلُوا تَمْرَنَا، وَتَدْخُلُوا بُيُوتَنَا، وَتَضْرِبُوا نِسَاءَنَا ؟ فَغَضِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ : " يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، ارْكَبْ فَرَسَكَ فَنَادِ فِي النَّاسِ : إِنَّ الْجَنَّةَ لا تَحِلُّ إِلا لِمُؤْمِنٍ، وَأَنِ اجْتَمِعُوا إِلَى الصَّلاةِ "، فَاجْتَمَعُوا، فَصَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ : " إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَحِلَّ لَكُمْ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتَ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا بِإِذْنٍ، وَلا أَكَلَ أَمْوَالِهِمْ، وَلا ضَرَبَ نِسَائِهِمْ..( أخرجه أبو داود (رقم 3045)، وفي إسناده أشعث بن شعبة مختلفٌ فيه، وهو محتملٌ للتحسين) .

هذا إسلامنا ما جاء بسيف ولا جاء ظلومًا للآخرين أبدًا، ونُرحب بعقد المؤتمر الذي يجمع شتات العالم ليقفوا على الحوار مع المسلمين وليعلموا أن الإسلام بريء من الخطف والقتل والاضطهاد والتفجير وترويع الآخريين، وليشهد العالم قاصيه ودانيه أن الإسلام الآن يُعد مضطهدًا ما يحدث على أرض بورما وفي فلسطين وغيرهما من البلاد هو خير شاهد على اضطهاد المسلمين ـ

وللحديث بقية د . علي محمد الأزهري .

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان