يلفت نظرك من بعيد بدقاته المحسوبة وهو منكفئاً على قطعة النحاس الصماء، لتتحرك يده عليها بمهارة ودقة وكأنه يبث فيها الروح، يرفع رأسه من حين إلى آخر لالتقاط أنفاسه، أو للرد على تحية المارة: "رمضان كريم يا عم حسن".
"عم حسن"، واحد من أشهر نقاشي النحاس في شارع "المعز لدين الله الفاطمي"، عندما اقترابنا منه، رفع رأسه بابتسامة ودودة، كشفت عن وجهه الذي حفر الزمن بصمته عليه، كما يحفر هو قطع النحاس التي يعتبر كل قطعة تحركت يده فيها جزء منه..
عن عشقه لمهنة النقش على النحاس وعن البداية، قال: "بدأت في مهنة النقش على النحاس منذ ما يقرب من 40 سنة وكان عمري حينئذ 12 سنة كصبي في إحدى ورش نفش النحاس، وتعلمت على أيدي الأسطوات الكبار، فعشقت هذه المهنة، وأصبحت هي مصدر رزقي الوحيد".
سألناه عن النقوش التي يعمل عليها حاليا، فأجاب: "هناك العديد من النقوش التي أفضلها وأهمها والأكثر طلباً النقش الفارسي والفرعوني والإسلامي، وأحياناً الزبون هو اللي بيحضر رسم معين يريد تنفيذها"، ويتابع: "أنا من سكان شارع المعز في الأصل، ومحاط بهذا الكم من الآثار الإسلامية من مساجد ونقوش وأسبله، فكنت أنظر إلى هذة النقوش لأتعلم منها وكأنها تحفر بداخل ذاكرتي وأستلهم منها بعض الرسومات والنقشات عندما أبدأ الحفر على قطع النحاس".
ويضيف: "أهم حاجة لازم تتوفر في اللي بيشتغل الشغلانة دي إنه يكون بيعشقها بجد، وعنده حس فني، بالإضافة لقدرته البصرية، وقوة الأعصاب ليتحكم في الدقات عند الحفر".
ويتهلل وجهه مستشعراً بالفخر وهو يقول: "من أكثر اللحظات اللي الواحد بيحس فيها إنه سعيد لما حد ينظر للقطعة التي إنتهيت منها ويقولي "تسلم إيدك"، بشعر إن اللي بعمله ليه قيمة، وإن الناس مقدراه". ويضيف: "لي بعض القطع الفنية عرضت في معارض في دول كثيرة من خلال عملي في وزارة الثقافة والتي أعمل بها من أجل تأمين مصدر رزق ثابت لي ولعائلتي".
وعن عمله في شهر رمضان حيث تزيد الطلبات على النحاس في الديكورات، يختنق صوته وهو يقول: "للأسف المهنة ما بقتش مضمونة، ولولا عشقي لها كنت تركتها، خلاص وضع البلد أثر عليها بشكل كبير، وكتير من الورش قفلت، وأصبحت الورش التي لازالت تعمل في النقش على النحاس تتعد على الإيد الواحدة نظراً لغلو سعر النحاس الخام وتوقف النشاط السياحي في شارع المعز بشكل عام نظراً للظروف السياسية التي تمر بها البلاد، وانتشار حالة الإنفلات الأمني".
ويضيف: "إحنا زبونا الأساسي السائح نظراً لإن القطعة مكلفة مادياً لأرتفاع سعر النحاس بالإضافة للوقت والمجهود المأخوذ في النقش، وحال البلد دلوقتي بالنسبة للمواطن المصري الغلبان أصبح صعب، مش هيسيب مصاريف بيته الاساسية ويجي يشتري طبق نحاس ديكور حتى لو كان له قيمة عالية".
وينهي حديثة معنا قائلاً: "إحنا بنقول يارب، وأكيد ربنا مش هيسبنا".
http://www.youtube.com/watch?feature=player_embedded&v=34avtD3t95Q