تنتشر جلسات "الصلح العرفية" في الغالب في المناطق النائية، خاصة في المناطق القبلية بسيناء ومطروح، إضافة إلى عدد من قرى وقبائل الصعيد..
ففي تلك الجلسات يُحتكم في العادة لأقوال المشايخ وكبار العائلات التي تفضل الاحتكام لقرارات عائلتها ومشايخها وحل أي خلاف يحدث في إطار العائلة أو القرية دون تدخل الحكومة أو القضاء، وغالبا ما يكون الحكم في جلسات الصلح العرفية في قضايا الثأر أو التعدي على الملكيات والأراضي، ويكون الحكم بالشخص المعتدي بدفع مبلغ من المال أو التنازل عن أراضي، ويتضمن كذلك وعد من المحكوم عليه بعدم تكرار فعله ووعد من المحكوم له بعدم الخروج على ما تم الاتفاق في الجلسة العرفية.
وباتت الجلسات العرفية مؤخرًا حصنًا لدرء مخاطر الفتنة الطائفية، حيث أصبحت تقام في مناطق الاشتباكات الطائفية أكثر منها في المناطق النائية والبعيدة عن سلطة الدولة وقضائها كما كان في السابق.
وقبل أيام قليلة عقدت بمحافظة المنيا جلسة صلح عرفية في قرية "بنى أحمد" بالمنيا عقب اشتباكات بين مسلمين ومسيحيين بالقرية، ونجحت لجان المصالحات وكبار العائلات ورجال الدين الإسلامي والمسيحي في عقد صلح نهائي بين المسلمين والأقباط بالقرية.
وقضت جلسة العرف بتنازل الطرفين عن جميع القضايا القائمة بينهم في المحاكم وأقسام الشرطة، ووضع شرط جزائي لمن يبدأ بالاعتداء يقدر 2 مليون جنيه، وطرد كل من يتسبب في فتنة في البلد مرة أخرى، بالإضافة إلى تشكيل لجنة من الطرفين 3 أقباط و3 مسلمين، تكلف بتحديد الخسائر وقيمتها، فيما بعد، كما تم الاتفاق على إخراج المساجد والكنائس خارج الخلافات بين طرفين.
وعلى نفس المنوال كانت المنيا، التي يقترب عدد سكانها من المسلمين بعدد المسيحيين فيها وتتعرض بين الحين والآخر لاشتباكات طائفية، مقرا لأكثر من جلسة صلح عرفي يعقد برعاية أجهزة الأمن لوأد مخاطر الفتنة الطائفية.
لكن ليس الصلح دائما هو النتيجة الطبيعية لهذه الجلسات، فقد شهدت المحافظة سابقا جلسة صلح عرفية عقب أحداث "دير أبو فانا"، حيث عقدت جلسة الصلح في أحد فنادق محافظة المنيا بين رهبان الدير والبدو وأهل المصابين وأهل أحد القتلى الأحداث التي اندلعت بالقرب من الدير وتوفى على إثرها مسلم، إلا أن جلسة صلح أبوفانا باءت بالفشل بعد عقدها بسبب إصرار البدو على ضرورة تغيير الرهبان لأقوالهم أمام النيابة لإتمام الصلح وهو ما رفضه الرهبان.
وكانت جلسات الصلح العرفية حاضرة أيضا بالقرب من قلب العاصمة المصرية القاهرة لوأد فتنة أخرى هي "فتنة دهشور"، أو أحداث قميص دهشور كما أطلق عليها إعلاميا، حين شاركت القيادات الحكومية والأمنية بمحافظة الجيزة في الإعداد لجلسات الصلح واحتواء الأحداث الطائفية التي اندلعت بين المسلمين والمسيحيين.
كانت الاشتباكات قد اندلعت بسبب قيام مكوجي مسيحي بحرق قميص شاب مسلم خلال كيه فاندلعت مشاجرة بين الاثنين استعان فيها كل منهما بأقاربه، لتتسع رقعة المواجهات التي أسفرت عن مقتل شاب مسلم وإصابة العشرات بينهم عدد من رجال الشرطة، بالإضافة إلى تحطيم وإشعال النيران في منازل ومحلات عدد من المسيحيين وتهجير العديد من الأسر المسيحية، وأسفرت جلسات الصلح العرفية عن إعادة العائلات المسيحية المهجرة إلى بيوتها ووأد الفتنة وتصالح الطرفين.
"انجاز في الصلح"
يقول محمد أبو سيد، أحد شيوخ جلسات الصلح بقرية المطاهرة بمحافظة المنيا: "هدف جلسات العرف أننا في القرية واحد، وكل أبناء القرية يؤمنون أنهم حتى إذا اختلفوا أخوة ولا يجب أن يخرج الأمر عن محيط القرية، فمشاكلنا نحلها بأنفسنا ولا أحد يتدخل بيننا لأننا كلنا أهل".
ويتابع: "هذا هو الغرض الأساس من هذه الجلسات لإبقاء التعاون والحب بين الجميع، ولكن في الفترة الأخيرة تحولت جلسات الصلح وأخذت شكلا سياسيا نظرا للظروف السياسية التي تمر بها البلاد، وما تبعه من هجمات واشتباكات بين مسلمين ومسيحيين، لذا كان من الضروري أن نتدخل للصلح لأننا كلنا في النهاية أبناء وطن واحد".
من جهته يقول الشيخ أسامة محمد، شيخ بأحد المساجد بأبو قرقاص، والتي شهدت أحداثا طائفية خلال الفترة الماضية: "الهدف من هذه الجلسات ليس التعدي على سلطة الدولة كما يظن البعض، ولكن رجال الأمن والحكومة يدعون معنا لهذه الجلسات لأنها وسيلة أسرع وتأخذ برأي الطرفين، ولذا فهي طريقة ناجزة لتهدئة الأوضاع وتكريس التعايش والتعاون بين الجميع، والكل هنا يحتكمون لرأي الكبار، ولذا فهذه الجلسات تحد من الخلافات وتحث على التعاون بدعم من الدولة وليس العكس".