رئيس التحرير: عادل صبري 09:46 صباحاً | الجمعة 19 أبريل 2024 م | 10 شوال 1445 هـ | الـقـاهـره °

"مولانا".. تخلص من لحيته حفاظًا على حياته

مولانا.. تخلص من لحيته حفاظًا على حياته

تقارير

اعتداء على ملتحي-ارشيف

عندما تصبح اللحية تهمة مواطن..

"مولانا".. تخلص من لحيته حفاظًا على حياته

رشا عبيد 31 أغسطس 2013 12:27

بعد أسبوع كامل من الغياب, عاد "مولانا" إلى عمله بإحدى الهيئات الحكومية, على غير عادته لم يلق السلام على أحد من زملائه ولم يبتسم في وجوههم, فقط جلس طوال يومه منكبًا على وجهه, واضعًا رأسه على ذراعيه المسنودتين على أحد المكاتب في آخر الغرفة, لا يريد رؤية أحدًا, يشعر بمزيج من الخزي والذل والإهانة والقهر بعد أن اضطرته الأحداث الأخيرة التالية لفض اعتصامي رابعة والنهضة، إلى حلق لحيته.  

 

"محمد.ع" 33 سنة، أو "مولانا كما يطلق عليه أصدقاؤه وزملائه في العمل لسماحته ووسطيته الدينية، أطلق لحيته بعد ثورة 25 يناير دون الانضمام إلى أي حزب سياسي أو ديني، ويقول: "وجدت الوقت مناسباً بعد الثورة لإطلاق لحيتي خاصة بعد حل جهاز أمن الدولة وكسر شوكة الداخلية، فلم تعد تلاحق الملتحين في المساجد والشوارع  كذي قبل، لذا اطمئن قلبي وقررت الالتزام بسنة نبينا المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام وإتباع السلف الصالح دون خوف أمني".
توسلات أمه

بعد حالة الغضب الشعبي المتأجج تجاه جماعة الإخوان المسلمين أو المنتمين لأي تيار إسلامي بوجه عام, داومت والدة "مولانا" التي تعيش في إحدى قرى الصعيد، على الإلحاح عليه من أجل حلق لحيته حتى تطمئن على سلامته، وحتى يسلم من بطش الأهالي الغاضبين بعد انتشار حالات الاعتداء على الملتحين في الشوارع والمواصلات والتربص لهم لتسليمهم للشرطة بحجة انتماءهم للإخوان أو دعمهم للشرعية.

الغريب في الأمر أن ابنها - الذي جاء إلى القاهرة  بحثا عن وظيفة تناسب شهادته- كان مع كل اتصال من والدته يرفض طلبها وينهي المكالمة معها بجمل ثورية من قبيل " جيلكم لم يدرك بعد ما قمنا به في 25 يناير", عقارب الساعة لن تعود للوراء مرة أخرى" , و"زمن أمن الدولة وعصر مبارك خلاص انتهى".
الملتحي بلا "ديّة"

حتى أيام قليلة مضت, كان "محمد.ع" ثابتا على موقفه ومؤمنا بمكتسبات الثورة ومصمما على رفض طلب أمه في التخلص من لحيته بما لديه من يقين بأن الدولة البوليسية ودولة ما قبل 25 يناير قد تم الثورة عليها بنجاح وأصبح للجميع حرية التعبير واعتقاد ما يحلو لهم دون خوف, إلا أنه اصطدم بالواقع ووجد نفسه منبوذا بين المصليين في المسجد الذي يصلي فيه بسبب لحيته.

يحكي "محمد" التفاصيل وملامح الغضب المكتوم مرسومة على وجهه: "مع تطور هذه الأحداث, كنت في طريقي ذات يوم إلى العمل وفي سيارة الأجرة, احتدم الحديث بين الركاب بخصوص الأوضاع في البلد وبدأ الهجوم بأفظع الشتائم على قيادات التيارات الإسلامية وتكفيرهم, لم أفتح فمي ببنت شفه, ولكن نظرا لأنني ملتحي, بدأ جميع الركاب في توجيه الكلام إلى شخصي, وتحول الخلاف من سياسي إلى شخصي وازداد الهجوم علي والذي لم يقطعه سوى امرأة طيبة أخذت تدعو علي بأسوأ وأفظع الأدعية وتلعنني بصوت عال وبحرقة وكأنني قلت لها قتيلا".
 
ويتابع "محمد": وصلت إلى محطتي ونزلت ومازلت أسمعها تلاحقني بعبارات من قبيل " يا كافر , أوقفتم حال البلد, ولعتوها, عايزيين إيه تاني, أنتم مش مصريين يا كفرة"...  ذهبت لأستقل "ميكروباصا" آخر حتى مكان عملي, كنت أول راكب, فصعدت ساندا رأسي على المقعد أمامي غير مستوعبا لما حدث حتى اكتمل العدد وانطلق السائق, لم تمر سوى لحظات وتكرر نفس السيناريو مرة أخرى, وأجمع الركاب على "طحن" أي ملتح يفكر في الركوب وتوعدوا بتسليمه للشرطة, فظللت دافسا رأسي في المقعد الذي أجلس عليه حتى وصلنا جميعا وتفضل جميعهم بالنزول ثم نزلت مسرعا حتى مقر عملي الذي أنقذني من مزيد من هذه المشاحنات والهجوم".

بضحكة ساخرة يقول: حتى الآن قد يمكنني التحمل, لكن أن يصل الأمر للضرب بالسنج والمطاوي والسيوف أو الاعتقال, فلابد من حل, ففي اليوم التالي لواقعة الركاب كنت في ميدان الدقي بالقرب من مسجد أسد بن الفرات وشاهدت لجنة شعبية من البلطجية التي أجبرت ثلاث سيارات على الوقوف وتم سحب ملتحين منها وتفتيشهم وضربهم وربما وصل الأمر إلى الاعتقال وكلنا على دراية بالتلفيق الرهيب للتهم بداية من النبلة حتى ال آر بي جي .
ويتابع بلهجة المنتصر: لولا حسن حظي لقربي من مقر عملي واحتمائي بأمن العمل لكنت أحد ضحايا هذه اللجان التي تصور كل ملتح كإرهابي مسلح .

ابعد عن الشر
صمت "محمد" للحظات وخفض صوته ثم قال بحزن واضح:  بعد هذه المواقف الشخصية والمواقف الأخرى التي نتابعها يوميا عن اعتقال أي ملتح يمر بكمين وأخبار منتشرة من قبيل حرق الشاب البورسعيدي داخل محل عطور لأنه ملتح, والأدهى من ذلك, عودة أمن الدولة "بغشامتها" المعروفة, تأكدت لي مخاوف والدتي وأدركت أن الأمان يعني ضرورة حلق لحيتي عملا بالمثل الشعبي " ابعد عن الشر وغني له".

ولشعوره بالمهانة والضغط النفسي وربما رغبة في عدم الخوض في مزيد من الأحاديث وتقديم مبررات رفض "محمد" الذهاب إلى الحلاق, وأحضر ماكينة حلاقة وتخلص منها بنفسه في أسوأ لحظات مرت عليه في حياته كما يصفها.

لم تنتهي الحكاية  فبعدها قرر أن يتغيب عن العمل لمدة أسبوع كامل, ولا يدري حتى الآن إن كان تغيب خجلا من نفسه أم من المجتمع الذي يعيش فيه ويجبره على فعل ما لا يطيقه.

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان