رئيس التحرير: عادل صبري 02:10 مساءً | الثلاثاء 23 أبريل 2024 م | 14 شوال 1445 هـ | الـقـاهـره °

الجميع يسجل بياناته على جسده.. ولا عزاء للموت

ماذا حدث للمصريين؟

الجميع يسجل بياناته على جسده.. ولا عزاء للموت

ليلى حلاوة 19 أغسطس 2013 11:07

في كل صباح يسلم علي زوجي قبل الخروج سلاما أعرف منه أنه ربما لن يعود، يبحث عن أولادنا ليحتضن كل منهما برهة ويترك على خده قبلة.. يقول لي من خلال نظراته وهو على وشك الخروج:

احتمال ألا أعود، "خدي بالك من نفسك ومن العيال". بمجرد وصوله إلى مكان يتصل بي تليفونيا ليحدد لي عنوانه تفصيلا، سألته مرة: لماذا تهتم بأن تقول لي مكانك مع أن هذه ليست عادتك، رد قائلا: لأنني لا أريدك أن تتعذبي في إيجادي في حال حدث لي مكروه لقدر الله. هكذا بكل بساطة يقولها زوجي ويغلق التليفون.
 ربما قد تقف عاجزا ربما إلا من بعض قطرات الدموع التي تسقط رغما عنك عندما ترى هذا الشاب وهذه الشابه وهذا العجوز وهذه الأم وهذا الأب.. الجميع يسجل بياناته الشخصية على جسده كتابة، لماذا؟ لأنه سيتظاهر في جمعة الغضب الثانية أو في اليوم التالي لها؟ وما هي العلاقة؟
لأنه بشكل كبير قد تتعرض للقتل، وقد يكون من الصعب إيجاد أهلك لإستلام جثتك، هذا الشاب الذي يسجل اسمه وتليفون أهله، هو يريد ببساطة تسهيل المهمة على من سيجده فقد تكون هناك جثث كثيرة ولن يكون هناك مجال للبحث واللف والدوران، فقد رأى الجميع الجثث المتفحمة والجثث المجهولة التي لم يعثر بعد على أهلها، وقد تأخر دفنها، بالرغم من عدم وجود ثلاجات تكفي لحفظها فانتفخت وبدأت في التحلل.
ماذا حدث للمصري.. كيف طاوعته نفسه على كتابة بياناته والنزول إلى قدره المحتوم المحكوم بالموت أو الترويع أو الحصول على رصاصة هنا أو هناك؟
يشيرون على الفيس بوك تعليمات النزول للتظاهر، من بينها: "كل متظاهر يكون معاه أدوات اسعاف فى جيبه.. شاش ولاصق طبى كبير ومطهر جروح لربط الاصابات لمنع النزيف ودى اسعافات أوليه حتى الذهاب للمستشفى لاستخراج الرصاص" ومن بينها أيضا: "الأخوات يكن بالخلف و معهم الأدوية و الإسعافات اللازمه وأهم شئ وقف نزيف الجروح والعلاج لاحقا لأن كل الشهداء كانوا بسبب النزيف". ومنها أيضا: "الأخوة أصحاب السيارات يكونوا خلف المظاهرة ب500 م وتحت الطلب لنقل الجرحى ومع كل منهم مرافق لعناية المصاب حتى وصوله للمستشفى".
تقول تسنيم: "احساس صعب لما استلم من زوجي وصيته الشرعية مكتوبة واتأكد إن معاه بطاقته الشخصية وألاقيه كاتب رقمي ورقم أهله على جسمه قبل ما ينزل.. اللهم إني استودعك زوجي وكل الشباب في ميادين مصر اللهم ثبتهم وانصرهم".
أما صفاء وهي شابة صغيرة فتحكي بعد نزولها جمعة الغضب أنها رأت الموت بعينها على يد البلطجية، تقول :"كان فی شنطتی شوية بلح وروحت أوزع علی الناس والمصابين، بجد كنت بقول لعل حد منهم يستشهد وأبقی نولت شرف إنه كل حاجة من ايدی.. يارب ارحم من مات وسلم من بقی".
يقول آخر: لقد لجأوا إلى قتل اعداد من المتظاهرين وخاصة الشباب لإيلامنا والضغط علينا عسى أن يدخل الخوف إلى قلوبنا فنتراجع عن مقاومة الإنقلاب والعمل على اسقاطه.. ولكن هيهات".
أما عبد الرحمن مصطفى وهو شاهد عيان فيقول: عارف يعني اية يتضرب عليك جرينوف من مدرعة والطلقة تعدي من جنب راسك وتموت واحد واقف بعدك.. عارف يعني إية تجري زي الفار علشان تدخل القصر العيني و بتجري وراك مدرعة جيش و بتضرب عليك و رخام العمود الي جنبك يتكسر و الطلقة متجيش فيك و تجري باقصي سرعة وتدخل القصر العيني اخر واحد و يتقفل الباب بعدك و كل الي برة يتقتلوا عارف يعني اية تجري و انتا موطي راسك و كل ثانية تسمع "اي " من جنبك و تلاقي شاب وقع .... عارف يعني اية تحس بكل معاني الظلم والقهر من كل حاجة في بلدك !!!

يقول د.عمرو أبو خليل استشاري الطب النفسي: الحقيقة أنني على علاقة بهؤلاء الشباب، وأنزل معهم إلى ميادين الإسكندرية، أسمعهم يقولون لبعضهم البعض "لو مت ماتتنسانيش"، هم مصرون على الحصول على حريتهم، يقولون نحن جيل النصر وجيل التمكين، وبالرغم من أنهم ليسوا من التيار الإسلام السياسي وليسوا من الإخوان، ولم تتم تربيتهم على ذلك، إلا أن إحساسهم بأنهم قد يعودون إلى مرحلة القهر مرة أخرى بعدما كانوا على مرمى حجر من نيل حريتهم بشكل كامل. أصبحت لديهم رغبة كبيرة في كسر هذا القهر والظلم بعدما تخطوا مرحلة الخوف.
هؤلاء جيل "الرصاص الحي"، مسألة الموت والشهادة تحولت إلى شىء عادي، ففي الإسكندرية على سبيل المثال أصبح هناك في كل بيت "بطل"، والناس مازالوا يتوافدون إلى الشوارع، حتى الموظفين المصريين الذين كان يضرب بهم المثل في "المشي بجوار الحيط" من أجل لقمة العيش، أصبحوا يضحون بأولادهم ويحثونهم على النزول إلى الشارع لأخذ حقهم.
هذا ما أحدثته الموجة الثانية من الثورة، أنها حولت قضية الموت إلى شىء عادي بلا رهبة، بعدما كانت الثورة الأولى قد كسرت حاجز الخوف.
ومن جهته يقول د.محمد البنا أستاذ الفقه المقارن أن الدوافع الرئيسية وراء القوة التي نراها تعترى قلوب الشباب فلم يعودوا يرهبون من الموت أو القتل على يد البلطيجة أو الشرطة أو الجيش هي: 
أولا : انكسار الخوف الذي هو أحد أهم مكتسبات ثورة يناير .
ثانيا: كثرة الدماء التي سفكت جعلت الكثيرين يصممون على الموت بشرف أو العيش بشرف ولا ثالث .
ثالثا: الحقوق التي سلبت جعلت الناس يشعرون بالظلم البين الذي يجب دفعه.
رابعا: الكذب المتواصل في وسائل الإعلام جعلت الناس يرون أن عليهم عبء يتمثل في حملهم على قول الحقيقة.
خامسا: عدم وضوح رؤية لمستقبل الشباب فيتساوى الأمر بالنسبة لهم.
سادسا: حب الشهادة واستحضار كلمة حق عند سلطان جائر .

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان